Culture Magazine Monday  21/05/2007 G Issue 199
تشكيل
الأثنين 4 ,جمادى الاولى 1428   العدد  199
 

وميض
عبد الرحمن السليمان
أثر اللون (3-3)

 

 

دُرست الألوان من نواحي متعددة كتأثيرها على الإنسان وعلاقتها بحياته وأثرها في تعبيراته، وكذا علاقتها بالضوء الذي لا تظهر إلا به حسب إسحاق نيوتن.

الألوان النقية هي الأحمر والأصفر والأزرق وتعرف بالأساسية، وفي صورتها تلك يمكن خلطها واستخراج ألوان جديدة منها، وعندما اختار الوحشيون ألوانهم الصارخة أو الصريحة مضيفين الأخضر أو غيره، أطلقت التسمية عليهم بناء على هذا الاستخدام المباشر، فهم يأخذون اللون الصريح من الأنبوب مباشرة. كانوا يقابلون الانطباعيين بل ويرفضونهم ويرون فيهم تعقيدا ورد فعل ضد الميول الفكرية التي تحرك فن الانطباعيين، حيث الأسس العلمية، فالفن برأيهم اقل تعقيدا وكلفة وأكثر بساطة.

يقول (هربرت ريد) في كتابه معنى الفن أنه ربما أمكننا أن نقدم ملخصا وافيا للحركة الانطباعية إذا قلنا إنها تنظر إلى الطبيعة من خلال منشور زجاجي، فقد نما في أوروبا منذ عهد ليوناردو تقليد فني يقضي بأن طريقة الوصول إلى تجسيد موضوع ما -أي إبراز عمقه أو تكوينه ذي الأبعاد الثلاثة- إنما يتم عن طريق درجات الظلال وبتعبير أوضح عن طريق درجات متفاوتة من اللون القاتم وهكذا أصبح التصوير لا نسخة من الطبيعة وإنما خدعة يتم عن طريقها إعادة عرض التأثير العام للطبيعة.

ترجّع الوحشية إلى تأثير ماتيس 1869-1954 الذي تزعم الوحشيين ولم يستمر معهم فهو ومجموعة من الفنانين شاركوا العام 1906 في معرض بصالون المستقلين ومن خلاله انطلقت تسميتهم عندما عُرض تمثال صغير بين أعمال سميت بالوحشية لشدة ألوانها.. الوحشيون التقوا في العام 1905 للرفع من شأن ألوانهم الصريحة كردة فعل لأعمال الانطباعيين ولم يكن لقاؤهم مرتبا فقد كانت الصدفة لعبت دورا في تجمعهم وهم الذين تكونوا من أكثر من مكان.

هذه الحركة التي لم تستمر طويلا كانت أعلنت عن ثورتها ضد المنهجية المتزمتة لدى الانطباعيين المحدثين الذين يرى ماتيس حيالها أن (تمزق اللون يؤدي إلى تمزق الشكل والنتيجة سطح مجزأ) فكان لجوء الوحشيين إلى الألوان الصارخة وبالتالي فإن اتجاههم نحو اللون للتعبير العفوي المباشر جعلهم يهملون الرسم والتأليف ويلجأون إلى الرسم المبسط السريع الذي يوصف أحيانا بالرديء.

لقد استفاد الوحشيون -أيضا- من الحركة الفنية التي قام بها جوجان إلى تاهيتي وهاواي وأثر ذلك في نتاجه الفني الذي وصف بالبدائية أو العودة إلى الطبيعة ونقائها وبكريتها.

يقابل الوحشية تيار آخر هو التعبيرية الألمانية التي ظهرت في نفس الفترة ودامت أطول وهي تلتقي والوحشية في عدة جوانب بينها اللون الذي تضيف إليه التعبيرية الألمانية الحالة الإنسانية أو الاجتماعية ومعالجة أمور أخلاقية ودينية وجنسية، معبرين في ذلك عن طريق المخيلة والحدس وإسقاط الحالة الفردية على الطبيعة والإنسان.

ينقل د. محمود امهز في كتابه (التيارات الفنية المعاصرة) أن التيار الفني الجديد المتمثل في الوحشية الفرنسية والتعبيرية الألمانية تناوله مؤرخو الفن سعيا إلى تحديد مدى تقارب هاتين الحركتين أو تباعدهما، مشيرا إلى أنهما لم تقوما على منهج واضح وكانتا أشبه بالتقاء لعدد من الفنانين جمعت بينهم ميول وأذواق متقاربة وهذا ما يفسر وجود اختلافات تقنية مهمة ليس بين الجماعتين فحسب، بل داخل كل منهما، وانتهى إلى رأي نقاد الفن أن التيارين استعانا مباشرة بمصادر فنية مباشرة ومشتركة تمثلت بمجموعة من الفنانين من أمثال فان جوخ وجوجان ومونش وأن ما يجمعهم من سمات تتمثل في التعبير التلقائي المباشر والاهتمام بالفكرة المجسدة في أشكال مبسطة رسمت خطوطها وأطرها العامة بسرعة ودون تفكير معمق أو تعقيد، بينما يأخذ اللون أهمية أساسية ويقوم مقام الخط في تحديد الشكل والتعبير عن مضمونه وهو في معظم الحالات لون اصطلاحي مستقل عن الظواهر الخارجية لأشياء العالم المرئي الممثلة التي تحولت في اللوحة التعبيرية والوحشية إلى إشارات تعبر عن مضامين أكثر شمولاً، فاللون يوضع مباشرة على اللوحة من دون تحديد أو دراسة مسبقة؛ بحيث يتحول إلى تعبير تلقائي عن إحساس الفنان وعلاقته بالعالم الخارجي.

aalsoliman@hotmail.com لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7177» ثم أرسلها إلى الكود 82244


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة