الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 21st June,2004 العدد : 64

الأثنين 3 ,جمادى الاولى 1425

الدور السياسي للمرأة (4)
سهام القحطاني
الفهم يختلف عن المعرفة، فالمعرفة هي مراكمة إغنائية للمعلومات، بينما الفهم هو فعل تفكيكي لتلك المعلومات للوصول إلى حقائق الأشياء، وهذا ما سمَّيته في موضوع سابق (التبصر والتدبر والتفكر)، وهو ما يتيح لنا البحث عن رؤى أكثر رحابة.
عند الحديث عن الدور السياسي للمرأة في الإسلام لا بد أن نقف أمام دلالات مثل (القوامة، الأهلية، الولاية)، وهي دلالات ترتبط بمدى فاعلية دور المرأة ومساحاته. فإذا كان الاستخلاف (الخير والمعروف والقرار والإصلاح) غاية محققة للغاية المحورية الكبرى لخلق المرء (العبادة) فهو لا يلزم أقصد الاستخلاف المرء إلا بضوابط منها الأهلية. وقد عرف العلماء الأهلية بأنها (صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له أو عليه، ولصدور الأفعال منه على وجه يعتد به شرعاً). وقسموها إلى أهلية وجوب الحقوق المشروعة له وعليه، وأهلية الأداء؛ أي صلاحية صدور الأفعال التي يعتد بها شرعاً. كما قسموا أهلية الوجوب إلى أهلية ناقصة تعتمد على وجوب الحقوق الشرعية له، وكاملة وهي أهلية وجوب الحقوق الشرعية له وعليه من ميلاده إلى موته. وكذلك قسم العلماء أهلية الأداء إلى أهلية ناقصة والتي تعتمد على صدور بعض الأفعال التي لا يعتد بها الشرع إلا برأي مَن هو أكمل عقلاً وأعلم بوجوب النفع والضرر. وأما أهلية الأداء الكاملة فهي صدور الأفعال التي يعتد بها الشرع دون توقيفها على رأي آخر، وهي الأهلية الثابتة للبالغ الراشد، وهي مناط التكاليف الشرعية بتصرف.
وقد أقر العلماء الأهلية الكاملة للمرأة فيما يتعلق بالمسائل المدنية. أما فيما يتعلق بالأهلية الكاملة لها في الولاية، فقد اختلفت الآراء بشأنها، فذهب فريق إلى عدم أهليتها لتولي الولايات العامة كافة، وأجاز فريق ثانٍ توليها الولايات العامة ما عدا الخلافة، في حين قصر فريق ثالث أهليتها على ولاية القضاء فيما تشهد فيه على مذهبهم. أما مَن تحفظ من العلماء في هذا المجال، فحجتهم في ذلك مستندة على عدة أمور، منها مفهوم القوامة.
أولاً: نلاحظ أن لفظ القوامة ورد في الاستخدام القرآني في ثلاثة مواضع: قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (النساء: 34)، وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ}، وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ} (المائدة: 8). فالقوامة في الآية الأولى ذكرت في وضع اجتماعي مخصوص يتعلق بالأسرة؛ إذ إن الرجل أولى أن يقوم بمسؤولية الأسرة، ولا يعني هذا الإلزام سحب أهلية المسؤولية في الولاية عن المرأة أو تهميشها؛ لأننا لو تأملنا القضايا الأسرية التي ناقشها القرآن، كالفطام والطلاق والصلح بين الزوجين، لوجدناها تعتمد على مبدأ الشورى ولا يستأثر بها الرجل، وهذا دلالة على أن القوامة في الآية مرتهنة بحالة اقتصادية خاصة، وهي الإنفاق؛ إذ إن قوامة الرجل تلزم زوجه، وليس النساء الأجنبيات. كما أن اختصاص الرجل بالقوامة الاقتصادية والدفاعية لا تسقط تكليف الرعاية والمسؤولية والأمانة عن الزوجة في الأسرة.
والقوامة في خطاب الآية الثانية والثالثة موجهة للمؤمنين كافة رجالاً ونساء، كما أنها دلالة على إلزامية صفة القوامة المرتبطة بالشهادة والعدالة. وهكذا يتضح لنا أن القوامة خارج الإطار الأسري هي تكليف مناط بالمؤمن الرجل والمرأة. كما استند العلماء في رفضهم لأهلية ولاية المرأة على حديث الرسول الكريم: (يا معشر النساء، تصدَّقن؛ فإنني رأيتكن أكثر أهل النار. فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: تُكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للُبِّ الرجل الحازم من إحداكن. قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تَصُمْ؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها). لكن هذا النقص المؤقت لا يعفي المرأة من القيام بتكاليفها الشرعية من أمرٍ بالمعروف ونهيٍ عن المنكر وبيعة وشورى، وهي أمور مارستها المرأة زمن الرسول الكريم؛ فقد روت السيدة عائشة الحديث النبوي، وكان عليه الصلاة والسلام يقول: (خذوا دينكم عن هذه الحميراء). كما نفذ الرسول الكريم مشورة أم سلمة في الحرب. إذن النقص الذي كان الرسول الكريم يقصده النقص النوعي الطارئ على المرأة في فترات مخصوصة، مثل الحيض والنفاس والحمل والولادة، وهو لا يفقد المرأة أهليتها الكاملة لممارسة حقوقها السياسية في مجال الترشيح والانتخاب والولاية للقضاء والحسبة والوزارة والأمر بالمعروف وحفظ قوانين المجتمع كما عاهدت النساء الرسول الكريم في بيعة مكة. كما استند العلماء في رفضهم العمل السياسي للمرأة إلى مراعاة المصلحة العامة. أما المصلحة العامة فمسوغها مصلحة الأمة؛ حيث إن المرأة غير قادرة على تحمل مسؤولية الجماعة بكافة أشكالها، كحفظ الدين وتنفيذ الأحكام بين المتشاجرين وإقامة الحدود وتحصين الثغور والجهاد وإمامة المسلمين في الصلاة؛ إذ إن منها ما هو مصروف عنها بحكم الشرع، وهي مع ذلك عرضة للانحراف عن مقتضى الحكمة والاعتدال، والولايات فيها طلب الرأي وثبات العزم، وهو ما تضعف عنه النساء بتصرف. وعلى ذلك فإن مشاركتها العامة تقتصر على إدارة شؤون النساء في المؤسسات الاجتماعية والقيام بمهام التعليم والتمريض والقضاء في أمور النساء وولاية أمورهن إن خصصت لهن وزارة أو هيئة لرعاية شئونهن بتصرف. أما المسوغ الآخر فهو مصلحة الأسرة؛ حيث إن عمل المرأة في السياسة يؤدي إلى انشغالها عن بيتها وانهيار أسرتها. ويرى أصحاب هذا الرأي أنه إذا كانت بعض النساء تستطيع ذلك فالعبرة بالمجموع والفطرة، وليس بالحالات الفردية بتصرف. أما العلماء الذين اعتمدوا على قاعدة سد الذرائع فيذهبون إلى أن الأصل هو القرار في البيت للمسلمة، والعمل السياسي يتطلب من المرأة البروز في مباشرة الأمر، مما هو عليها محظور؛ حيث أُمِرْنَ بالقرار في البيوت، كما أن ذلك يستلزم الاختلاط الذي منعته الشريعة بتصرف. وكلنا يعلم أن أمر القرار في البيوت هو أمر قاصر على زوجات الرسول الكريم، أما باقي المسلمات فكنَّ يخرجن للعمل والجهاد والتمريض والعبادات؛ لقول الرسول الكريم: (لا تمنعوا إماء الله من مساجد الله). وقد سمح الرسول الكريم بتحديد يوم لتعليم المسلمات أمور دينهن في المسجد. إذن كانت المسلمة زمن الرسول الكريم تمارس حقوقها الاجتماعية داخل البيت وخارجه، فالمحظور في الشرع هو التبرج والخضوع بالقول وإدامة النظر والخلوة الكاملة. أما ما عدا ذلك مما تتطلبه الحياة الاجتماعية فمباح.
ومسألة الخوف من الفتنة العارضة أو سد ذريعتها لا يصح أن تُجعل دليلاً لتغيير حكم من أحكام الدين بحظر أو إباحة بتصرف.
وتعرف المصادر الولاية بأنها (سلطة تعطيها الشريعة لشخص أهلٍ لها تجعله قادراً على إنشاء العقود والتصرفات، نافذة من غير توقف على إجازة أحد). كما تعرف بأنها (السلطة الملزمة في شأن من شؤون الجماعة كولاية سن القوانين والفصل في الخصومات وتنفيذ الأحكام والهيمنة على القائمين بذلك). وهو ما يميزها عن الولاية الخاصة التي هي (سلطة يملك بها صاحبها التصرف في شأن من الشؤون الخاصة بغيره كالولاية على الصغار والأموال والأوقاف وغيرها) بتصرف. وشروط الولاية هي الأمانة والمسؤولية والالتزام بأحكام الشريعة، فهل تلكم الشروط لا تُلزم المرأة بها؟!
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved