الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 21st June,2004 العدد : 64

الأثنين 3 ,جمادى الاولى 1425

رُواة المدن
فوزية محمد الجلاّل
عنوان شاعري جميل لمشروع أدبي بهوية عربية ألمانية مشتركة، وهو واحد من عدة مشاريع تبناها ويعمل على تنفيذها المنتدى الأدبي الإلكتروني (مِداد)، بدعم من معهد (غوته) والمؤسسات الألمانية الأدبية المختلفة، على هامش استضافة معرض (فرانكفورت) الدولي، للعالم العربي ضيفَ شرف على دورته لهذا العام، هكذا تناقلت وسائل الإعلام العربية الخبر: ستة كتاب ألمان وستة عرب، سيتبادلون المدن والأدوار، في اثنتي عشرة رحلة، ينزلون فيها فرادى على اثنتي عشرة مدينة عربية وألمانية، يستخدمون فيها عيونهم ومشاعرهم ومواقفهم ومخيلاتهم لرصد المكان والناس والأشياء. قدِم الرواة الألمان على متن ال(لوفتهانزا) من مدنهم: شتوتجارت، ميونيخ، فرانكفورت، كولونيا، هامبورغ، برلين، ليحلوا ضيوفاً وعيوناً على ست مدن(عواصم) عربية: القاهرة، دمشق، بيروت، عمّان، الرباط، رام الله.
والاستفهام الأول المثير حول رواة المدن يطرح ثراءَ خلفياتهم عن العالم العربي، بعيداً عما تقدمه وسائل الإعلام الغربية من تحليلات وتداعيات سياسية وثقافية مبتورة..
يقول الشاعر الألماني (خوزيه أوليفر)، الذي غادر مدينته (شتوتجارت) في مايو الماضي ليسجل يومياته عن مدينة القاهرة، أُولى المدن العربية على القائمة الألمانية : لا أعتقد أن السياسة يمكن أن تقدم صورة للتعايش بين البشر، وكل ما أتمناه أن أقدم صورة لهذه الأمكنة يقصد القاهرة وأحياءها من خلال لغتي الخاصة، ولأنه لن يجد شيئاً ليكتبه غير السياسة، فهو يستدرك قائلاً: وإن كنت أدرك أنها لن تمنع إقامة السور العازل في فلسطين أو إيقاف نهر الدم العربي المراق، ومع ذلك لا يمكن للمرء أن يقف صامتاً إزاء ما يحدث، فكلنا مسؤول، وهذا يجعلنا ندرك أنه لا يوجد مجتمع سياسي يملك وحده الحقيقة الكاملة.
ورغم أنني لا أدري ماذا ينوي أن يفعل تجاه الدم المراق، طالما قرر أنه لن يصمت، إلا أنني أعلم أنه فهم كيف يعيش الإنسان العربي، وكيف يتجرع السياسة صباح مساء، ليس ترفاً وثقافة أو غباء، بل لأنه لا خبز سواها شاء أم أبى!
أما الرواة العرب الذين سيتجهون في سبتمبر المقبل إلى المدن الألمانية الست، فقد تولى اتحاد الكتاب العرب، بالتعاون مع معاهد غوته العربية، اختيار ستة أسماء لم تعلن بعد! وهذا استفهام جديد: لماذا لم يُفرج حتى الآن عن تلك الأسماء إن كانت جاهزة فعلاً ؟ هل هو الخلاف العربي المعتاد؟ وهل يجوز أن يطول الاختلاف تفاصيل مثل هذه ؟! يكفي أن نعلم أن الرواة الألمان قد أعلنت أسماؤهم منذ بداية المشروع، مصحوبة بسيرهم الذاتية، ومحطاتهم العربية، وتواريخ مغادرتهم وعودتهم إلى ألمانيا، لندرك كم يذلنا الاعتراف بالفرق !!
لست مولعة بمفردات اليأس أو المؤامرة، ولكن ألا يبدو أننا نعيش حالة من كرم الاستقبال لكل ما يقذف به الآخر المتفوق فكرياً وعقلياً وحضارياً ؟ ماذا يستطيع كاتب غربي لم يعرف عن العرب إلا ما تحمله إليه وسائل إعلامه بأنهم شعوب موسومة بالتخلف والفقر والهمجية ثم الإرهاب والقتل..
هل نأمل أن يجد الاختلاف، ويعيش دهشته؟ كيف وهذا الاختلاف صورة هلامية نتوسد ضبابيتها وحدنا منذ مئات السنين، تخدرنا ونحيا على استرجاعها كلما حاصرنا الذل والانكسار؟ صورة لا وجود لها إلا في كتب التاريخ يوم كنا ذات يوم.. ثم ماذا ننتظر أن يجد المسكين ليسجله في شهر أو أقل!! (المدة التي حددها برنامج رواة المدن لرصد حياة شعب ومدينة!).
لن يجدوا غير تراث من الهزائم والانكسارات وحجم كارثي من الإحباط ثم الإحباط ثم الإحباط.. وسيدركون سريعاً من ملامح الناس تلك الجراح التي ينطوي عليها الوجدان العربي من المحيط إلى الخليج، وأخشى أنهم سينشغلون بالبحث عن تلك البثور القبيحة التي تشوه مدننا وتصمنا بالتخلف والجهل والهمجية، وهي صورة نمطية ما فتئ الغرب يرددها عنا..
انظر ماذا كتبت (أولا لينسه ) راوية دمشق، في أولى يومياتها: (بضع خطوات وحدي صباحاً، أتجاوز بناءين لأكتشف كم هو الرصيف مرتفع (!). أعبر الشارع من دون إشارات مرور، وأعرف لا حقاً من خلال المراقبة، أن على المرء بكل بساطة أن يعبر.. وبكل استرخاء يدير السوريون ظهورهم للسيارات الهاجمة ويتركون أبواقها تصرخ ما شاءت، لذلك فأقدام السائقين دائماً على الفرامل... ).
وتتابع في يومياتها: (في دمشق، مكالمة هاتفية مع أحدهم تجعل الحديث غير مريح، فأنا أضطر لإعادة ما أقول عدة مرات، حيث يتداخل الحديث بيني وبين الطرف الآخر، فلا أعود أفهم شيئاً، لذلك اتفقت معه على أن يسمعني أولاً ثم يصمت حتى يصله كلامي، ليعاود الحديث، وهكذا مقاطع من الصمت بين كلمة وأخرى...)!!
وتستمر في اكتشافاتها اليومية لتنقلها إلى جمهورها الألماني، وكأنه لم يكن ينقصنا إلا هكذا شهادة، ومع ذلك ما زلنا متفائلين ونردد عن رواة مدننا الجدد أنهم سيلاحظون تلك الأشياء التي لا نراها نحن القاطنين بقربها، سيتعرفون على الأمكنة التي تسكننا دون أن نستشعر معانيها، كأننا حاضرون في زمن الغياب، سيروننا كما لا نفعل، سيعيشون الاقتراب الذي حرمنا منه لأننا قريبون لدرجة التماهي، وبعيدون إلى حد الغياب، ثم أضاف المتفائلون: أن الرواة سيردمون الفجوة وربما الجفوة بين العالم العربي والغربي (يا إلهي كم نحن طيبون، حتى لا أقول ساذجون!).
وفي نهاية الرحلات في أكتوبر المقبل هكذا أخبرونا سيحمل الرواة الاثنا عشر، أوراقهم وقصاصاتهم وحكاياتهم، ليقرأوها على الملأ في المقهى الثقافي داخل الجناح العربي في معرض فرانكفورت في دورته المقبلة وقبل الختام، هل علي أن أتذكر تلك الرحلات الغربية، السياسية والاستخباراتية، والتبشيرية، التي استوطنت شبه الجزيرة العربية لسنوات، لأتساءل : هل هذه امتداد لتلك أم شكل آخر ليس إلا ؟
وهاجس أخير: من يقرأ وجه المدينة سوى أصحابها؟ وهل سيجد رواتُنا في فقرائهم شكلاً للمقايضة وفي طبقيتهم رمزاً لرد الكيل ؟


fjallal@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved