الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 21st July,2003 العدد : 21

الأثنين 21 ,جمادى الاولى 1424

أثر خفيف
الشاعر ذو الروائح الكريهة
علي العمري

يصبح اللقب جزءاً حميماً من هوية الأنا يُكسبها الخصوصية في علاقاتها مع الغير، كما يمنحها أيضا تأكيد الوجود على مستوى الداخل النفسي، وهذا صالح لسلامة الذات وتوازنها متى ما أُطلق اللقب بقصد الإيجاب وليس السلب بمعنى التحقير والانتقاص من القيمة.
ومما شاع عبر التاريخ من الألقاب لقب "شاعر" الذي يعتبر أقدم الصفات وأعرقها.. حين كان الشعر وسيلة للتكسّب لكن هذه الصفة "شاعر" ظلت منذ القدم محل صراع مع الاسم الحقيقي. اللقب يصارع الاسم، أحياناً ينتصر اللقب "الشاعر" فلان وأحياناً ينتصر الاسم ويتبدد اللقب الذي كان طارئاً وانكسر، فيقال هوميروس، شكسبير، المتنبي.
لماذا لايقال مثلا الشاعر المتنبي؟ ألأن هذا اللقب زائف ولا قيمة له أم لأنه بالضرورة يحتاج الاسم كي يُعرّف بما هو نكرة فلا يُقال الشاعر وحسب، بل الشاعر فلان، إذ الأرض تعج بالشعراء، ثم هل أطلقت هذه الصفة في الأصل مدحاً أم ذماً أم فقط لقباً لصاحب المهنة؟
ثمة رأي يرجّح ان القصد من هذا اللقب في الأصل كان الذم، لكون الشعراء في العادة كُثُر، يتزلفون ويداهنون، ولا همَّ لهم إلا مديح السلاطين وأرباب المراتب والأعيان، الكذابون الذين يتفوهون بما لايفعلون. هكذا يرى هذا الرأي القديم الصفات القبيحة تكثّفت كلها في لفظة شاعر، ومن كان جديرا ونجا منها فهو الحقيقي من انتصر اسمه على لقبه، وإلا فهو شاعر بما تدل عليه هذه اللفظة من قبيح الصفات. وهذا الرأي عادة ما يجد سنده القوي في الشعر العربي، بل ربما كان وليدة إما جماعة أو عصابة عربية أو مستعربة كانت لسبب ما ترفض الشعر وربما غّلبت عليه النثر ورأت فيه المادة الأصلح للقول!
وبغض النظر عن السياقات التاريخية للفظة شاعر، هل هذا اللقب الذي يستميت من أجل اكتسابه الكثير جدير حقاً بالبقاء؟ في غالب الظن ان ثمة من يفضل ان يحمله مثل كيس منتفخ على ظهره اي كميزة لها علاقة بالوضع الاجتماعي. عادة ما تترعرع هذه المفردة "شاعر" وينظر إليها كقيمة في المجتمعات البدائية الأقرب لعصر الشفاهة بمعنى أنها اللقب الذي لم يعد حقاً صالحاً للبقاء بغض النظر ألا يزال في العالم شعر أم لا.
مفردة "شاعر" صارت بتأكيد جازم دالة إما على السخرية ونبز الشخص بلقب متّسخ وهذا ما لا يجوز كونه ليس من اللائق التنابز بالألقاب أو لفظة مبتذلة تدل على الجهل/ الميوعة/ النرجسية / السذاجة/ وقبل هذا وذاك الغباء وما يجر وراءه من الصفات ذات الروائح الكريهة.
+++++++++++++++++++++++++++
alialamir8@hotmail.com
+++++++++++++++++++++++++++
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
وراقيات
مداخلات
المحررون
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved