الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 21st July,2003 العدد : 21

الأثنين 21 ,جمادى الاولى 1424

إلى جاسم العثمان.. الإعلامي المثقف!!
لم يسبق أن التقيت الإعلامي الناجح الأستاذ جاسم العثمان.. كما لم يسبق لي أن تعرفت على من يعرفه عن كثب، ولكني سعدت واستمتعت كما سعد واستمتع غيري من محبي البرامج الهادفة مما يطرحه بين الفينة والأخرى من مشاركات إعلامية مميزة، سواء منها ما كان بإعداده وتقديمه، أو ما كان منها بتقديمه الراقي بمساندة أسرة إعداد متألقة لها كل تقديرنا.
والحقيقة أني بقدر ما أشعر بفداحة الخسارة نظراً لتأخر مثل هذه البرامج الهادفة الفاعلة سنين طويلة كانت ستوفر علينا كثيراً من الجهد اليوم، وتختصر علينا مسافات الوعي بقدر ما أشعر بالفخر أنه نجح في الريادة لمفهوم (الإعلامي المثقف) المهموم بقضايا أمته ووطنه ومجتمعه بعيداً عن الاعتبارات الضيقة والانغلاق اللذين هما إيذان بنشاط ظاهري لا يلبث أن يغفو ويضمحل.
كثيرة هي القضايا المثيرة والأثيرة التي أثارها في الشاشة الصغيرة، وعرض لها مع ضيوف أكفاء بوسطية بديعة وفكر متزن، وسياسة في إدارة الحوار أقل ما يمكن وصفها به أنها من قبيل السهل الممتنع.. كان في الاستديو كما الناس في الحياة اليومية.. بسيطاً قريباً بكل مشاعره الإنسانية الاعتيادية، التي يعرفها الناس جميعاً من أنفسهم، فأحبه الناس وتواصلوا مع برامجه بكل تلقائية.. وأخذ آخرون ينتحبون وهم على أطراف سماعة التلفون، وهم يكاشفون ضيوفه بمشكلاتهم الخاصة، ويحاورونه على رؤوس الأشهاد في مشهد إعلامي أسري مؤثر، وكأنه أخ أكبر وصدر رحيم لكل أخ وأخت جمعتكم به أواصر الدين أو الوطن أو آصرة الإنسانية: "وفي كل ذي كبد رطبة أجر".
الطريق أمام الناجحين من أمثال جاسم العثمان طويل ومليء بالعراقيل، لكن ما يبرد الخاطر ويطوي الألم، كأن لم يكن أن الله مع العاملين المخلصين، وأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.. لا أقول هذا الكلام وعظاً فجاسم أسمى من أن أعظه.. ولكنها لغة من القلب آمل أن تتبوأ قلبه المطمئن، ثم هي (تواصلية صحفية خاصة) مع نبضة ألم خفية استشعرتها وأنا استمع إليه وألمح ابتسامته المومضة.
ثق أن الأنقياء يا أستاذ جاسم دوماً هم المتعبون لأنهم يحملون إرث القيم عن كاهل الإنسانية.. ويستشيطون غضباً لكل مشهد من مشاهد البوس والتعس.. يصفحون فيتهمون بالضعف. ويتنازلون أدباً وتقى فيتهمون بالخور. يبحثون عن لغة فلا يجدون غير لغات القلوب التي لا تنضح إلا بالحق المبين. فيجدون ألف ألف فهم مريض يتربص بالكلمة الطاهرة؛ ليغلها بأغلال الخديعة.
يقول سبنسر هو يكتب في رثاء والدته: "اليوم أكتب عن رثاء أمي، ولكن كل منكم سيقرأ فيما أكتب رثاء أمه هو" وقد يكون هذا أستاذ جاسم يصح بحقي أنا أيضاً وإلى حد بعيد، فقد سرت إلي عنكم عبر الشاشة نبضة لا يعرفها إلا ذوو القلوب.. فاستشعرت إلى أي مدى انطوت عليه أنفسكم النبيلة من حزن عميق، لكنني لا أبريء نفسي أن أكون قد كتبت عن نفسي وأنا أكتبكم من خلال لغة تفهمونها كما أفهمها.
الجميل يا جاسم أن النقاء دليل قوة.. فالضعيف وحده منْ يداري ويواري.. يداري كلماته حتى لا تنبس شفته بكلمة حب واحدة!! ولو علم مقدار ما تمرع بين يديه لأطلقها.. ويواري ما تبقى له من مشاعر الفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها!! ولو علم أنه (بها.. وبها.. وبها فقط) يسمو ما وأدها.. ما أكثر الذين يطمرون ذهباً نقياً صافياً بأخس المعادن.. ويكسون وجوهاً نضرها الله بأكوام التراب.
فشق أخي جاسم غيابة الماضي ولو في الذاكرة، واطلب مواضع الألم، واسكب عليها من بَرد العفو وأنت أهل لذلك واغسلها بمسك المحبة وهي لغة تجيدها تماماً، وادع في كل يوم كما أفعل اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
حاول!! أجل أخي جاسم حاول أكثر!!.. فأنت نسيج مختلف!! حاول لتكن أنت كما أنت، لا كما تريد الكاميرا: فالكاميرا تريدك جسداً!! والنجاح يريدك نفساً وروحاً!! فكن كما أنت لا كما يرغب عشاق المجسمات!! التي قد يكون لها قيمة ولكن خارج وسيلة الإعلام الناجحة، في متحف بارد، أو صالون فاخر لا تكاد تسمع فيه إلا رجع صدى فاتراً.. اقفز فوق التحنيط فأنت حي بإنسانيتك وروحك الشفافة.. وأنفاسك المطهرة من الغل والحسد.
إلى الأمام جاسم!! فالواطن بحاجة المخلصين العاملين.. وإلى أن يقدر الله لنا لقاءً أخبرك بما تعجز عنه هذه الورقة أتركك في رعاية الله.
+++++++++++++++++++++++++++
*كاتب وأكاديمي سعودي
+++++++++++++++++++++++++++
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
وراقيات
مداخلات
المحررون
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved