الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 22nd March,2004 العدد : 51

الأثنين 1 ,صفر 1425

قصة قصيرة
الشيك.. والنمر.. والأرض!!
بقلم: علوي طه الصافي

المبلغ كان كبيراً.. إذا وضعه في ظرف، واخذه بيده فانه قد يتعرض للفضوليين، وربما النشالين، او اي حدث من الاحداث غير المتوقعة.. فكر في حل فوجد انه لو اخذ بها (شيكاً) لوفر على نفسه ما يخالجها من وساوس!!
بعد أن انهى اجراءات تحرير (الشيك) وضعه في ظرف صغير ودسه في جيبه.. خرج من البنك.. اوقف سيارة اجرة.. سارت به بعد ان اعطى عنوان منزله للسائق الذي طلب أجرة عالية لبعد المسافة!! سامح الله صديقي الذي اختار هذا البنك البعيد. في الطريق تذكر انه لم يدقق النظر في الشيك.. وهل يحتوي على المبلغ كاملاً.. لعن في نفسه السرعة.. ووساوس الشيطان الرجيم.. كان عليه التأكد من ذلك قبل خروجه من البنك!!
سأل نفسه: لماذا لا يتأكد الان.. وإذا لاحظ شيئاً ناقصاً في الشيك، فبامكانه العودة للتصحيح.. الوقت ما يزال مبكراً.. ابواب البنك مفتوحة.. في العجلة الندامة. سحب الظرف من جيبه.. اخرج الشيك.. تصفحه.. تأكد من كل شيء.. أعاد الشيك إلى مكانه.
فجأة داهمه وسواس.. فسائق السيارة من الوافدين.. لا يستبعد انه لاحظ الشيك.. نظر اليه.. رآه يتفرس في وجه كنمر يريد أن ينقض على فريسته/ الضحية!! أحس انه مجرد أرنب مذعور خشي أن يكون فريسة هذا النمر المتعطش لضحية سهلة.. كان نمرا طويلا عريضاً، مفتول العضلات, لو انقض عليه لاستطاع التهامه بكل بساطة!!
تحول الوسواس إلي عاصفة تقود الى كارثة.. ماذا سيعمل لو كان السائق/ النمر يخبيء سكيناً.. او مسدساً؟ كيف سيتصرف، وهو أعزل من كل شيء غير غبائه, وحماقته وانه مجرد أرنب مذعور لا حول له ولا قوة؟
كان يمكنه ان يتصرف بطريقة اكثر أماناً لكنها الطبيعة البشرية حين تسيطر عليها الغفلة، فتتصرف بعشوائية، ولا مبالاة.. ليس شرطاً ان يكون الانسان في حالة يقظة.. وانتباه لكل من وما حوله.. يقولون ان القانون لا يحمي المغفلين.. ولانه كان في تصرفه حين اخرج الشيك امام هذا السائق/ النمر ارنباً مذعوراً مغفلاً.. فان عليه احتمال, وتحمل كل التبعات التي قد تحصل له!!
اخذ يهدئ من ذعره بتصفح كل ما يمر به من اماكن.. وعمارات.. ويافطات لمعرفة الطريق التي يسير فيها السائق.. وهل هي الطريق التي تقود الى منزله.. وكل ما يمر به في هذه الطريق لم يتعرف عليه!!
مدينة (الرياض) اتسعت مع التنمية الحديثة المتسارعة بايقاع أسرع برزت أحياء جديدة.. كل حي يكاد يمثل مدينة جديدة اصبحت الرياض مجموعة من المدن.. تخترق احشاءها الجسور الممتدة كالافاعي الكبيرة, الطويلة التي شاهد مثلها على شاشة التلفاز.. وبعض الأفلام التي تصنعها (هولويود) لتثير الرعب في نفس المشاهد.. وتمتلك كل حواسه.. فتجعله محبوس الانفاس المحتاجة إلى ( الاوكسجين) في الهواء الطلق!!
لم يعد يعرف الرياض كما كان يعرفها في الماضي.. شعر انه فيها اليوم كالغريب السائح او من يزورها للمرة الاولى.. تغيرت ملامحها. البيوت الطينية اختفت.. اصبحت جزءاً من ذاكرة التاريخ القديم للمدينة!!
بنايات شاهقة.. و (فلل) على الطرز الحديثة.. وأنفاق.. وجسور ممتدة.. ودائرية. الزائر لها اليوم يحس انها لا تختلف عن أي مدينة اوروبية.. والسكان من مختلف الاجناس.. والجنسيات والالوان. يتحدثون بلغاتهم.. تحولت مدينة (الرياض) الى (كرنفال) عالمي!!
الى اين يسير هذا السائق الأرعن؟
هل سيقوده الى صحراء خارج الرياض ليلقي به على رمالها الحارقة بعد أن يسلب الشيك منه.. ويسارع بصرفه، واستلام قيمته بالتجيير؟
هل سيكتفه بالحبال ليحول دون حركته؟
الكارثة ان يذبحه بسكين.. ويلقيه للطيور؟
حين وصل إلى هذه النقطة من التفكير.. ادرك خطورة موقفه.. تساءل هل يفتح السيارة.. ويلقي بنفسه على الارض كأرنب!!
فكرة سخيفة.. فربما مرت سيارة مسرعة من جانبه.. ودهسته.. هذا يعني انه عرض نفسه للموت بأسلوب وطريقة خاطئتين.. قد يكون ما يفكر فيه، لا يدور في ذهن السائق/ النمر!!
الاشارة حمراء.. توقف السائق.. القى نظرة سريعة على لوحات الارشاد المعلقة.. قرأ اسم الحي الذي يسكنه, وبجواره سهم يشير الى الاتجاه للحي.. ادرك انه يتجه في الطريق الصحيحة.. تنفس الصعداء لم يعد ارنبا عاد اليه الشعور بالأمان.. ووصل منزله بسلام.. حمد الله.


alowi@alsafi.com
ص.ب (7967) الرياض (11472)

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
منابر
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved