الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 22nd March,2004 العدد : 51

الأثنين 1 ,صفر 1425

استدعاء التاريخ.. الهوية الثقافية 3-4
سهام القحطاني
إن الإطار التصوري للدلالة غالباً لا نضمن ثبوته،فحراك دلالات الكلمات التاريخية مثل الثقافة والهوية والإيديولوجية تستند إلى تطور أفكار التاريخ ومذاهب العلماء والفلاسفة، وإذا اعتبرنا أن الإيديولوجية هي أساس تشكيل هوية الجماعة الإنسانية، عرفنا أنها أصل الارتباط الشرطي بمفاهيم المدرك الذهني للجماعة ونصوصية المتعارف الشفوي أو الكتابي وفقها وهي (ناتج عملية تكوين نسق فكري عام يفسر الطبيعة والمجتمع والفرد ويطبق عليها بصفة دائمة. وتتشكل الإيديولوجية كل جماعة ببيئتها الجغرافية والاجتماعية ونواحي نشاطها) كما يعرفها أحمد زكي بدوي، وهذا ما ينتج وحدة تشابه الجماعة، فكلما اقتربنا من مركز دائرة تلك الوحدة دعمت وحدة الالتقاء بين مفاهيم الجماعة ابتعدنا عن مركز تلك الدائرة اتسعت هوة التنافر بين مفاهيم المركز ومفاهيم الخارج عن سلطتها، والمركزية لاشك أنها ممثل فعّال لهوية الجماعة الإنسانية، بل لعلني لا أبالغ ان قلت إن نظرية التمركز هي المؤسس الحقيقي لنظريات الأنثربولوجي التي افتتحها ليفي شترواس من خلال دراساته للصفات النمطية الظاهرية للجماعات البدائية ثم نضجت على يد ميشيل فوكو ونظرية التحقيب التاريخي وربطها بتطور تاريخ الحضارة الغربية، وأذكر هنا أن هذه الدراسات صاحبت الحركة الاستعمارية، لفهم مدى تأثير الهوية الثقافية في تطور الشعوب وفاعليتها في التذويب والدفاعية، وعلى أثرها كانت نظرية صراع الحضارات ومن ثم العولمة وان كانت الهوية تظل مفهوماً ساكناً لدينا، يقتصر على تغيين الشيء في جنسه ونوعه وهذا ما حوّل الأمة الإسلامية في عصور انحطاطها إلى التجمد داخل شكلانية ثابتة، على العموم، إجمالاً أنا لست من أنصار النظرية الذاتية التي تنكر الانتماء الانتسابي لهوية الفرد وتعده من قبيل الخيال، لأن الإيمان بهذا المبدأ يحولنا إلى كائنات عشوائية نتماهى حتى مع الشيطان الرجيم، إن استيهام ذلك يسلخ الأمة من تميزاتها، كما أن الإيمان بفردية الهوية التي أصبحنا نسمع بعض مثقفي العربية بصورة مباشرة أو غير مباشرة ينادون بها من خلال مسميات ثقافوية مثل الحرية الشخصية والديمقراطية وتعددية الآراء وغيرها من المسميات المعتمدة على السياق العلائقي الذي يستبدل ديناميكياً بالتنظيم الفئوي التي تمارس جدولته الهوية الجماعية، إن الدعوة إلى إحلال التماثل محل جوهر الهوية كما دعا إلى ذلك في الماضي غاليسو، ومثلت عموداً فقرياً للكثير من الدراسات الاجتماعية، إذ إن التماثل يظل نسبياً مرتبطاً بحالة علائقية، وليس مؤكداً دائماً لها، أقول إن الإيمان بنظرية الإحلال هذه يعني هدماً لخصوصية هوية الشعوب، إذ إن الهوية ليست حالة تنظيم أو تبادل للموقف العلائقي بين الجماعات المختلفة حسب التصنيف الفئوي السابق لها في موروث الجماعة، بل هي مؤسس للقاعدة العلائقية للمواقف، وهذا أمر مهم علينا أن ندرك تفاريق أبعاده، فالهوية هي قيم الجماعة الجوهرية التي تتجدد دينامياتها بفعل الإنسان وفهمه وإدراكه وقدرته على تحدي مشكلات عصره، فالمرء يحدد دور الهوية وفق تلك القيم، ولا يستعيض بها عن دوره، أو يعيق دوره التطوري باسمها، وهي مع سكونها لدينا الهوية لا ننكر سلطويتها المعيارية لخصوصية الانتماء وما يمثله من فعل انتقائي (وأقصد بالفعل هنا التعميم)، فالهوية تأطير ينجز داخل البناء الاجتماعي الذي يحدد موقع جماعة الفاعلين ويوجه اختيارهم وتصوراتهم وفق معطى السياقات العلائقية التي ترتكز في انتقاءاتها على موروثات الفرد التي تؤلف (خلفية) جماعة إنسانية مخصوصة تعبّر عن مجموع مختلف التفاعلات المتبادلة بين الفرد مع الوسط الاجتماعي ضمن انتماءاته في المنظومة الاجتماعية وهي بتعميم مفردات ذلك الانتماء تتيح للفرد التعرف على مسؤولياته الانتمائية في منظومته وتمكن المجتمع من التعرف عليه، فكل جماعة إنسانية باعتبارها صيغة فئوية للتمييز بين نحن والآخر (تضم عناصر متشابهة فيما بينهم مثل السلالة والوراثة واللغة والثقافة والتاريخ والأرض وعلم النفس الاجتماعي أي الصفات النمطية الظاهرية) (phentypiques) وتحدد علاقاتهم وأساليب وصيغ تعاملاتها وتنظيماتها مع المجموعات المقابلة لها ضمن تصنيف جدول فئوي، ومن هنا تكتسب الهوية سلطتها وفرض جدولة انتقاءاتها على الجماعة المنتمية لها التي تعرفها من خلالها وتحدد موقعها العالمي وفق انتماءاتها، وهكذا فالهوية تصبح بناء اجتماعياً يحدد بشكل نهائي أصلية تجذر الفرد المحفورة في الإرث الوراثي كما يقول (فان دنبرغ) أي أنها سابقة في جودها على وجود الفرد حسب الطبيعة الوراثية البيولوجية يولد الفرد ممزوجا بالعناصر المكونة لهويته والمزايا النفسية الخاصة بالجماعة الإنسانية المعينة التي تخلق شعوراً غريزياً بالانتماء إلى هذه الجماعة بما فيها من ثقافات (البيئة التي خلقها الإنسان بما فيها من منتجات مادية وغير مادية تنتقل من جيل إلى آخر، فهي بذلك تتضمن الأنماط الظاهرة والباطنة للسلوك المكتسب عن طريق الرموز، والذي يتكون في مجتمع معين من علوم ومعتقدات وفنون وقيم، وقوانين وعادات، وغير ذلك) والفرد بدوره يستبطن النماذج الثقافية الخاصة بهويته التي تكون الروابط الأكثر تحديداً لقراءة نص التغيير في ضوء فهم عميق للواقع بضروراته وأولوياته، وبدون التوازن الاستيعابي بين فهم نص التغير ومصادر التأويل وفهم الواقع لن نتمكن من تحقيق إضافة تطويرية، إن استيعابنا لدور الهوية وفق نص التغير وأشكال التأويل وفهم الواقع يضمن لنا التفاعل الخلاق بين إنسان هذا العصر، وتلك القيم والمبادئ التي تفاعل مع الآخرين بها ومعها.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
منابر
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved