الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 22nd May,2006 العدد : 154

الأثنين 24 ,ربيع الثاني 1427

المرأة في (أحلام عذراء)
عبد الله أحمد الشباط

الأديبة بهية عبد الرحمن بوسبيت أديبة مجتهدة في الوصول إلى الوقوف على سلم الإبداع الأدبي، وقد كتبت القصة القصيرة الطويلة منذ عام 1427هـ: درة من الأحساء - 1407هـ، سر من أعماق، امرأة على فوهة بركان - 1416هـ، حكاية عفاف والدكتور صالح.
كما كتبت عدداً من المجموعات القصصية: وتشاء الأقدار، مأساة نورة، المصيد، وكتاب تربوي عنوانه: كيف نجعل من الطفل رجل المستقبل الصالح؟ - 1416هـ، ومجموعة مقالات تحت عنوان: (من أعماق النفس البشرية).
وقد تناولتُ بعض أعمالها الأدبية في كتاب (أدباء وأديبات من الخليج العربي). ومما قلته حينذاك: إن بهية بوسبيت تحاول من خلال هذه المجموعة (وتشاء الأقدار) أن تنقل لنا صوراً واقعية مما يدور خلف الأسوار العالية ووراء الأبواب المحكمة داخل البيوت، ولكنها لا تعطي تلك الصور اللمسات الفنية التي تجعل القارئ ينتقل تلقائياً لتحسس تلك الصور ومتابعتها تلك المتابعة التي يأخذ منها العبرة ويتأثر بها.
إن قصص بهية بوسبيت في هذه المجموعة عبارة عن خواطر أدبية تبشر بنضج أدبي يمكن أن يستغل في غير ميدان القصة أو الرواية؛ لأن القصة والرواية لهما مقومات تختلف عن مقومات الخاطرة أو المقالة (منهجاً وأسلوباً)(1).
وقد علق الدكتور بسيم عبد العظيم على هذه الملاحظة بقوله: (ينهي الشباط تعليقه بقسوة أراها قسوة الراحم والناصح والناقد الموجه). وأضاف أيضاً: (وباستثناء وصفه لهذه القصة (درة من الأحساء) بأنها رواية طويلة في مطلع حديثه فإنني أتفق معه في كثير مما قاله وإن ظهر في كلامه بعض القسوة عليها)(2).
وأحب أن أبرز ما قلته في ذلك الحين بأن قصة (درة من الأحساء) هي أول عمل يصدر لهذه الأديبة عام 1407هـ، بينما مجموعة (وتشاء الأقدار) في عام 1408هـ منذ عشرين عاماً؛ أي في بداية تدرج بهية بوسبيت في سلوك هذه المشوار الأدبي؛ حيث إنها كانت مبتدئة وكان لا بد لها من التوجيه والنصح وإيقافها على الفوارق بين الفنون الأدبية وعدم الخلط بينها، وقد أفاد ذلك النقد ولله الحمد؛ حيث ثراها الآن تقدم لقرائها عملاً استكمل شروط هذا الفن في (أحلام عذراء) التي طبعت عام 1426هـ، ففي بعض قصص هذه المجموعة حاولت الكاتبة أن تلمح إلى شطر من السيرة الذاتية بأسلوب قصصي استطاعت من خلاله التعبير عن مشاعرها وأن تصور الحياة الاجتماعية من حولها بتناقضاتها التي تختلط فيها عوامل الطبيعة والجهل والتعصب وسيادة الرجل، إلا أنها في هذه المجموعة تخرج من ذلك الطوق الرجالي إلى الهيمنة النسائية في محاولة لتلمس قضايا المرأة في مجتمع لا يزال شطره يعيش فترة الإرهاب الأسري الذي يسيطر فيها منطق الرجل، فالكلمة كلمته، والمشورة مشورته، دون أن يجرؤ أحد من أفراد الأسرة على مناقشته. ففي القصة الأولى التي تحمل نفس العنوان تقف البطلة (أمل) على أبواب العنوسة وهي تنتظر من يطرق الباب لخطبتها.. وعندما تفتحت أزهار الأمل في نفسها بقدوم ذلك الأمل قوبل بتلك الشروط التي جعلته يعود أدراجه من حيث أتى لا يلوي على شيء صارفاً النظر عن الزواج من هذه الفتاة.. يموت الأمل في نفسها دون أن تستطيع مجرد الاحتجاج. وإذا كانت أم الفتاة قد أجهضت مشروع الزواج بشروطها المجحفة فإن أم العريس تجهض حلم ابنها الذي ظل سنوات يحلم بابنة عمه في قصة (أمي وحلم السنين) في دائرة لا تختلف عن سابقتها: حيث إن قسوة أمي، وتصرفاتها الحمقاء، وشروطها القاسية، وعاداتها البغيضة، وسيطرتها هي السبب في تحطيم قلبي وحرماني من السعادة التي كنت أحلم بها. (منذ أن وعيت على الدنيا وأنا أشعر أنني لا أعيش مع أبوين، ولا أعتقد أنني أعيش فيما يطلق عليه اسم بيتنا (الجحيم) كما يحلو لأبي أن يسميه دائماً عندما يكون ثائراً وغاضباً.. فهو لا يكاد يصفو من السحب والغيوم، ولا يخلو من (العواصف) والزلازل التي لا تنقطع بسبب الشجار بين أبي وأمي؛ إذ لا يمر يوم بسلام دون أن يخنقنا الحزن ويشقينا الخوف). مقاطع من قصة (في بيتنا نار)، والسبب تقول الكاتبة هو الزوجة التي تهمل شؤونها المنزلية وتضيع الوقت في ثرثرات لا طائل وراءها، وعندما يحضر الزوج إلى المنزل تقابله بعاصفة من العتاب والشجار الذي يجعله يكره المنزل ومن فيه. وتختلف قصة (طموح كفيف) عن الفتاة في القصص السابقة؛ حيث تتحدث المؤلفة من خلالها عن شخص كان قدره أن يولد أعمى، وقد شب وترعرع في كنف والديه وأخواته الست مدلَّلاً حتى بلغ السن التي تؤهله للالتحاق بالمدرسة، فكان يتخطى المراحل الدراسية بجدارة حتى تخرج في الجامعة؛ حيث نمت طموحاته وزاد تعلقه بالحياة، واكتملت سعادته بخطبة والده إحدى بنات أصدقائه زوجة لحسن الكفيف. وتمضي قصص المجموعة على هذا النسق بوصف الحياة في ذلك الحيز الاجتماعي خلف أسوار لا يستطيع اختراقها سوى أقرب المقربين لأهل الدار ممن قد لا يسمح له في بعض الأحيان بسماع الهمسات التي تدور بين أفراد العائلة.
ولما كان السائد لدى الناس أن زوجات الآباء يمثلن الشر بالنسبة لأبناء وبنات أزواجهن فإن الكاتبة حاولت أن تكسر هذه القاعدة.. لكن بعد معاناة تراوح فيها الخوف والطمأنينة والكراهية والحب بناءً على ما تسمعه عن قصص هؤلاء الدخيلات اللواتي يقتحمن البيوت ويسيطرن على مجريات الحياة فيها ويعاملن أبناء الأزواج وبناتهن كالخدم إن لم يكن أسوأ، وتعالوا نقرأ تلك الازدواجية في المشاعر والأحاسيس على لسان بطلة قصة (زوجة الوالد): (أحسستُ لحظتها ببرودة تسري في أطرافي، بتيار ساخن يتسرب داخل شرايين جسمي، ليحيله كومة ملتهبة، ولست أدري هل ذلك خوف من المصير المجهول الذي ينتظرني، أم سعادة منتظرة بمقدمها ربما يعوضني قليلاً مما افتقدت؟ وتذكرت في الحال صديقتي وفاء التي كانت تحكي لي عن معاملة زوجة أبيها لها والحزن يفتتها، والألم يقطع أحشاءها، والدمع ينهمر على خديها، فأصبحت في عراك مع نفسي، أهذه هي زوجة الأب؟! أهي التي ستكون صاحبة البيت؟! وهل سيكون مصيري كوفاء؟! أتعذب.. وأتألم؟! حاولت أن أقنع نفسي، ولكن سرعان ما يمر أمام عيني شريط الذكريات.. وهكذا كنت أشقى وأسعد تارة.. وأعيش لحظات تفاؤل سعيدة تارة أخرى. ومرت الأيام وإذا بها صاحبة البيت، فكنت أعاملها بيقظة وحذر؛ خوفاً من أن تنال مني بأسلوب ربما لا أدركه. بدأ إحساسي يتبدل وخوفي يتقهقر أمام عطفها الزائد، ورقة معاملتها، وحسن اهتمامها، وكأنها الأم الحانية، فاطمأن قلبي لها بل ازداد تعلقي بها.. ووجدت فيها ضالتي بعد أن أفلحت في أن أحطم قيود التردد والخوف وأنجو بنفسي من ذلك السياج الحديدي الذي كنت قد وضعت نفسي فيه اعتماداً على ما سمعت مما دعاني لإنشاء حواجز بيني وبينها في البداية.. أما والدي فقد ازداد حباً وعم عطفاً.. وبدأت أحس بسعادة تغمرني، وأدركت أنها نابعة من سعادة أبي الذي وجد فيمن اختارها مكان أمي بغيته؛ فقد كانت نعم الزوجة الصالحة والشريك الوفي)(3).
أسلوب بهية بوسبيت أسلوب بسيط، ولغتها عادية مع وجود بعض الأخطاء اللغوية والطباعية التي لا تفوت على فطنة القارئ. والموضوعات التي عالجتها موضوعات موجودة في واقعنا الاجتماعي، وعلى رغم أهميتها وما تحتويه من مشكلات لا يخلو منها مجتمع. إلا أني كنت أود أن تكون السنوات العشرين التي مارست خلالها الكتابة قد أعطتها قوة وصلابة، وأفسحت المجال لقلمها ليشق طريقه نحو مزيد من الإبداع بمعالجة موضوعات أخرى ذات شمولية وعلاقة بتطور الحياة من حولنا. ولقد قال ناشر الكتاب كلمته التي نُشرت على الغلاف الخارجي حول إنتاج (الأستاذة) بهية بوسبيت: (تقمصت شخصيات كثيرة صاغت منها رواياتها وأقاصيصها، جعلت من أهدافها تعرية أخطاء المجتمع ومحاولة إصلاح هذه الأخطاء، وحاولت في كثير من كتاباتها في الصحف والمجلات وأكثر من اثني عشر مؤلفاً أن تحقق أهدافها الإصلاحية. بهية بوسبيت امرأة لم تشغلها حياتها الاجتماعية وتربية الأطفال عن الكتابة للمرأة والمجتمع).
وأنا أقول: لا غرابة في أن تعالج المرأة قضايا المرأة؛ لأنها أعرف بطبيعتها، لكنها تحاول في بعض الأحيان أن تقيس ملابسها على الأخريات من النساء، غير أن ذلك لن يتأتى لها؛ لأن اللباس أحياناً يكون فضفاضاً واسعاً، وأحياناً يكون ضيقاً حرجاً، ومع ذلك فالمرأة تحاول أن تجعل من نفسها ذلك الأنموذج المثالي، وذلك هو ما يجهض محاولات الإصلاح الاجتماعي داخل المنزل في عموم المجتمعات العربية.
وعموماً فأنا أشدُّ على يد هذه الكتابة المثابرة المصرَّة على الوصول إلى أعلى درجات النجاح، وسيأتيها في يوم من الأيام بإذن الله.
الهوامش:
(1) أدباء وأديبات من الخليج العربي، ص 108-111.
(2) المرأة المسلمة والحضارة، ص 46.
(3) أحلام عذراء، ص 158.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved