الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 22nd May,2006 العدد : 154

الأثنين 24 ,ربيع الثاني 1427

(مجرد أفكار)!! (2-2)
سهام القحطاني
أقول: إلى حدّ ما أميل نحو صواب، أن النخبوية من أهم عيوب الثقافة الأدبية لدينا، ولعل لذلك أسباب تتفاوت ما بين النفسي والاجتماعي والديني والسياسي، الحديث عنها يطول، لكنني أوجز الأمر في نقطتين، أولاهما: أنانية الأديب الذي يحب أن يظل في دائرة الضوء يكرر نفسه وفكره عبر سلطته الثقافية، لذلك قلت مرة عبارة، لدينا (ثقافة وثن) لا ثقافة (منهج) فأحيانا تقرأ الأسماء هي هي في كل برامج التفعيل الثقافي في الأندية الأدبية وكأن الثقافة السعودية ليس لديها سوى عشرة مثقفين يمثلون الثقافة في الداخل والخارج، وثانيتهما: طبيعة الموضوع التي تحدد نوع الجمهور، فكلما أخذ الموضوع بالتوغل نحو استوائية التخصص وعلمية المصطلح، وفلسفة التنظير، ضاقت شريحة الجمهور لتتمحور نحو المتخصصين، فالموضوع هو الذي يجلب جمهوره.
إن رجل الشارع يحتاج منا أن يشعر بأن النخبة تحترم ثقافته وتوجهاته واهتماماته وحينها سيذهب إلى المنابر الثقافية بدلا من المقاهي، أي أن القائمين على المنابر الثقافية عليهم أن يفكروا كيف ينقلون المعطى الثقافي للمقاهي بجاذبيته وشعبيته وتفاعله إلى المنابر الثقافية سواء عبر الإضافة أو القص واللصق أو التدميج، وهذا أسميه (استراتجية الجذب الجماهيري).
* أعتقد أننا الآن نمرّ (بطفرة ثقافية) وفي ظل هذه الطفرة، يصعب تقويم الخطاب الثقافي في هذه المرحلة، فخطابنا الثقافي يعيش زمانه بالمواصفات المنطقية لطبيعة هذا الزمان ومتوفراته ومؤثراته ومفرزاته، وهذا أمر لا يدخله في إشكاليّة (الشذوذ) و(الإباحية والمجون)، لأنه يتطابق مع المتوافر من التجارب، وهذا التوافر يحمل على الأقل جانبا من تمثيل المعاش بشكل أو بآخر، ولعل التفكير وفق قاعدة التوافر هذه قد يخفف شراسة الغضب على بعض مفرزات خطابنا الثقافي اليوم، لذلك أعتقد أنه من الظلم له أن نحاكم الآن وقبل انتهاء المرحلة، سخيف خطابنا الثقافي وبليدة وهشة وغثة وساذجة، وحتى حسنة.
* إن مرجع المشكلات المفصلية في خطابنا الثقافي، يعود إلى غياب تفعيل (الإصلاح السياسي) في جملته، مثل غياب الديمقراطية، وهيمنة السلطة المحافظة، وغياب منهج المعارضة، والمعارضة مفهوم قد يتصوره الكثيرون خلاف طبيعته، تصوّر قد يقربه إلى أشكال العنف والانفصال، بناء على مقولة من (تحزّب فليس منا)، المعارضة في مفهومها الراسخ (أن تكفلّ لي حقي وتحميني) عندما أخالف واختلف مع رأي السلطة العامة، إن التعايش الحقيقي بين التيارات الفكرية لن يتّم إلا في ضوء قرار يجيز تفعيل المعارضة بوجوهها المختلفة ويوفر قنواتها المتنوعة في المجتمع، فلا تنوع ثقافي بدون ديمقراطية، هذه حقيقة يجب أن نؤمن بها، هذا على مستوى المضمون، أما على مستوى الشكل فغياب المسرح والسينما، كقنوات بوح وتفريغ للمكبوت ووسائل للمعارضة والديمقراطية إشكالية تعوق تطور المنهج الثقافي الإصلاحي لدينا.
* (داخل كل منا ممثل) هكذا يقول علم النفس، هناك شبه كبير بين الممثل والكاتب، فكلاهما يمتلك موهبة (التقمص) و(تمثيل حالة مخصوصة) أي إمكانية التوغل عبر الشفرات الوراثية الخاصة لكل حالة والامتزاج معها، إضافة إلى استراتيجية التبادل التي يفتعلها الكاتب بتحويل نوعه إلى نوع مختلف: امرأة - رجل - شجرة - نهر - حيوان، لكن عملية التبادل تلك لا بد أن تحدث في حضور تام وإحضار خلفية متكاملة للنوع الممثل، وهو ما يحقق الاقتراب من الطبيعة المخالفة للنوع بنسب عالية، والكاتب الموهوب يعني أنه يمتلك القدرة على تقمصّ أي شخصية وتمثيلها كتابيا بالتبادل.
لكن يجب أن نعلم أنها قدرة يتفاوت الكتّاب في جودتها، أما فيما يتعلق بالنص الأدبي السعودي، فالمتأمل له، سيكتشف أن الكاتب الرجل أثبت تفوقا في اقتحام خصوصية المرأة والتعبير بضميرها، في حين أن المرأة فشلت في اقتحام خصوصية الرجل والتعبير بضميره، ولعل لذلك أسباب منها هيمنة العرف الاجتماعي على وعي المرأة أثناء كتابة نصها، الخلفية المقدسة للرجل في لا وعي المرأة والتي تجعلها تحذر وتحاذر من الاقتحام والالتحام بضمير الرجل وتمثيله كحالة كتابية في دور المرأة المسترجلة، إضافة إلى جهل المرأة لدينا بالدراسة النفسية للرجل خارج ما ألّفها عليه المجتمع، كما أن الرجل في النص النسائي لم يتجاوز عقدة (الحب والانتقام) وهو ما يدفع الكاتبة إلى منهج أسلوب (الثنائية)
***
* أفضل تسمية ما تكتبه المرأة (بالنص النسائي) بدلا من الأدب النسائي، وبهذا الاسم نتجاوز النقطة الساخنة، والجدلية السخيفة (أدب نسائي وأدب رجالي)، إضافة إلى أن ليس لدينا أدب نسائي ولا أدب رجالي، لدينا (نص رجالي ونص نسائي)، والنص النسائي لدينا - كما أحسب - ما زال ضلعا أعوجا، وما زال يحتاج جهدا ليشتد عوده، وما زالت المثقفة تحتاج الإيمان بدورها ومسؤوليتها أما فيما يتعلّق بنقطة التحوّل، فالتحوّل تتعدد منعطفاته، وتتعدد أيضا مراحله وقضاياه، لكنني أقصد بالتحوّل ها هنا التجربة الاجتماعية في النص النسائي، أعتقد أنها بدأت لدينا، لكنني حقيقة لا أعلم هل هي ناتج متوفرات الطفرة الثقافية ومؤثراتها ومفرزاتها الحالية، أم أنها تحول أصيل ومقصود سيستمر وسينتج حركة تغيير وتغير، فكل من (رجاء عالم، نورة الغامدي، ليلى الجهني، مها الفيصل، حليمة مظفر) نصهن الإبداعي يحتوي على محفّزات ساخنة للتحوّل، لكن لماذا لم تنفجّر نقطة التحوّل كحركة وتغير هذا ما يثير استغرابي، ويجعلني أتمهل في إصدار نهائي للأمر وأجعله حتى الآن ضمن (الطفرة الثقافية)
* أنا لا أؤمن بنظرية (صراع الأجيال) لأن كل جيل منتج للجيل الذي يليه وهذه حقيقة نتهرب منها، فجيلي ناتج الجيل الذي قبلي والجيل الذي بعدي هو ناتج جيلي، وهكذا، فكل جيل مسؤول عن نجاح أو إخفاق الجيل الذي بعده، فالآباء والمعلمون وأساتذة الجامعة وشيوخ المساجد هم من ربى هذا الجيل بصورة مباشرة أو غير مباشرة، إذن أي تشرذم في أبناء هذا الجيل، أي تشوه ثقافي هم المسؤولون عنه، وهم أول من يحاكمون عليه، كما لا تروق لي قاعدة الفضيلة والعليوية والأفضليّة التي تتزعمها الأجيال السابقة وتجيز لنفسها فضل الريادة وأحقية الوصاية على الأجيال اللاحقة، جيل اليوم له مميزات تميّزه عن غيره، وله ثقافته المناسبة لمرحلته، فهو جيل تقني ثقافته تقنية وهذه ميزة مفقودة في الجيل السابق، فطالب في المرحلة المتوسطة يحفظ كل ماركات الجوالات والحاسوبات ويستطيع أن يبرمجها ويصلحها بل ويعلّم الناضجين، علينا أن نحكم على جيل اليوم ضمن أطر مرحلته وثقافة هذه المرحلة بمقاييسها المختلفة، لو نظرنا للجيل ضمن هذا الإطار بأنه جيل يمثل عصره وهذا ليس عيبا، أقول لو نظرنا له ضمن هذا الإطار سنرى بالتأكيد الوجه الجميل منه، فكل جيل يمثل عصره، ولا أنكر أن هناك تجاوزات سلوكية، لكنها مسؤولية التربية لا مسؤولية الجيل.
* أولا أقول إن العقل العربي في تحليله للأمور هو عقل غير تراكمي وهذا ما يجعله يمارس طريقة (المجتزأ) في تحليل الأمور وفق الراهن من المسوغات.. فنحن دائما أبناء اليوم والأمس انتهى وغدا سنفكر فيه عندما يأتي وهكذا يعيش العقل العربي حالات تقسيم الماضي كتجربة ملغى - والحاضر كمؤكد مستقل - والمستقبل كمتروك فارغ - وهذه الفوضى في طريقة التفكير في الأمور هي ما تحمل لنا فشلنا في رؤية صحيحة.
فالفرق مثلا بين تفكيرنا وتفكير أمريكا يخرج من دائرة الوجدانيات إلى دائرة المصالح - فليست هناك عداوات دائمة بل مصالح مشتركة - وأتحالف مع الشيطان من أجل بريطانيا - أي القيم الأخلاقية والوجدانية في الفكر الحديث مهمّشة ولا يكون لها حضور إلا وفق سياقات توظيفية للتطبيقيين السابقين.
لا شك أن العلاقة بين أمريكا وابن لادن علاقة تختلف عن التصور الموجود في وجدان الفكر العربي - فأمريكا لا تحب أسامة بن لادن - لكنها في نفس الوقت لا تكره؛ لأنه ورقة رابحة لتنفيذ سياستها الاستعلائية وتمكينها من فرض امبراطوريتها، ولأنه يوفر لها (النموذج) المثالي لصورة المسلم الإرهابي المتوحش الهمجي التي تستعين به كمبرر لفرض وصايتها على الشعوب العربية فأمريكا هي التي صنعت (تضخم الأنا) عند ابن لادن منذ البدء في تخطيط بعيد المدى يبدأ بتصديره في حربها مع الاتحاد السوفيتي ثم في إيجاد مسوغ لاستعمار أفغانستان ثم في فرض هيمنتها على عرب الخليج ودوله ونفطه، وما يزال ابن لادن بالتأكيد ورقة مربحة للسياسة الأمريكية لن تحرقها حتى تنتهي صلاحيتها وبعدها ستلجأ لصناعة ابن لادن آخر.
* أعتقد أن أشكلة المصطلح تكمن في مساحة الدلالة أثناء انتقالها من بيئة إلى أخرى.. وهذا ما قد لا ننتبه له كمستوردين للمصطلح وهو بدوره يسهم في أزمة التوتر أثناء تعاطينا معه، إذا تظل دلالة المصطلح (المجتزأة) من بيئتها والمحتفظة بسياقها التاريخي المحلي الخاص... فالعلمانية والحداثة والليبرالية في الثقافة العربية هي مصطلحات مجتزأة من بيئة مخصوصة وتحمل سياقات تاريخية ومضامين لخطابات اجتماعية ودينية وسياسية أيضا لها ظرفياتها الخاصة.. وهكذا تظهر إشكالية توتر المصطلح بعد إتمام عمليات الاستيراد، من خلال المظاهر الآتية:
1- إذ نجد أنفسنا أمام (صراع المصطلحات) الناتج عن تقاطع الظرفيات بسياقاتها وخطاباتها لبيئتين - البيئة المصدرة للمصطلح والبيئة المستوردِة له.. ومن هنا يبدأ الصراع بين المصطلح بمضمون محليّته بخطاباته المختلفة ومحرّضات التحول، وبين (سلم المعايير) الذي يمثله الفكر الجمعي.
2- ماهية الدلالة - ظهرت العلمانية في الغرب وفق ظرفيات مختلفة منها هيمنة الكنيسة وسيطرتها وتغيّب الفكر العقلي بعلومه المختلفة - وإنكاره حقوق الإنسان الجسدية والفكرية والتضييق عليه في أن يمارس التمتع بحياته، والاكتفاء بالعمل الروحي، إضافة إلى التناقض ما بين مبادئ الدين وسلوكات رجال الكنيسة في دينهم ومن الطبيعي أن تكون ردة الفعل العكسية لتلك الهيمنة الكفر بالكنيسة وما ترمز له (الدين - الأديان) مما دفع العلماء والمفكرين إلى إعلان فصل الدين (الكنيسة) عن العلم والسياسة والاقتصاد والحياة الاجتماعية والدعوة إلى العلمانية (اللا دين- الدنيوية) أي (نظام اجتماعي في الأخلاق مؤسس على فكرة وجوب قيام القيم السلوكية والخلقية على اعتبارات الحياة المعاصرة والتضامن الاجتماعي دون النظر إلى الدين).
وإذا وضعنا هذه الظرفيات في الحسبان أثناء انتقال المصطلح للثقافة العربية
لابد أن نقابل الظرفيات ببعضها البعض وإذا فعلنا ذلك سنتوصل إلى أن هناك اختلافاً، فالإسلام احترم الفكر العقلي ودعا إلى العلم والمنهج التجريبي وقد قامت في ظله حضارة علمية قوية كما احترم حريات الأفراد العامة والخاصة إذن أصبحت الثقافة العربية تتعامل مع مصطلح العلمانية بدلالة لها سياقها الخاص في بيئة لا تنطبق عليها ذات السياق، وهذا يجعلنا نقف أمام وعيين وعي المتلقي الذي يفهم المصطلح بسياق البيئة المصدرة ولذلك يرفضه، ووعي المثقف العربي (الوسيط الناقل) للمصطلح، وأنا أعتقد أن هنا مركز التوتر أي وعي (الوسيط الناقل) المثقف العربي أي المثقف الذي أراد أن يطبق مصطلح العلمانية وفق خطاباتها الخاصة، متجاهلا الوعي المحلي بسلم معاييره، ونستطيع أن نقرأ موقف وعي المثقف في هذه الأشكلة بأكثر من طريقة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved