الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 22nd May,2006 العدد : 154

الأثنين 24 ,ربيع الثاني 1427

آليات التجريب وآفاق الدلالة«4»
د. عادل ضرغام
المؤسس والمحدث
هناك مجموعة من القصص تشكل محورا مهما في قصص هذه المجموعة، وهو محور الصراع بين المؤسس بقيم وتقاليد تليدة، والمحدث الذي يحاول أن ينفض الغبار عن هذا المؤسس الراسخ حتى تدب فيه الروح من جديد، فالقديم لكي يعيش يجب أن تغذيه روافد حديثة تعطيه قدرة على الاستمرار والتواصل؛ ففي قصة (فارس أحلام الفزاعات) نجد أن المحرك الأساسي والدلالي لها يرتبط بذلك النوع من الصراع، حيث يمثل القسيم المؤسس بكل تقاليده الشيخ بسام، الذي يحاول من خلال سلطة المنع والبسط أن يسيطر على القرية، وتظل واقفة عند حدود معينة، وأن يحرمها من أي محاولة جديدة تحاول أن تؤثر في سلطته، ويقف الشاعر مقرن بروحه الجديدة على الجانب الآخر، فالشاعر يمثل المعرفة النامية الطامحة إلى التغيير، وهو يحاول أن يبث في القرية بنسائها ورجالها، روحا جديدا، كادت تنفض هذا التراب المؤسس، ولكن خوف أهل القرية من سلطة الشيخ بسام وسطوته يجعله ينهزم، ويقرر اللجوء منهزما جريحا إلى الحقول المجاورة، مغنيا للريح وللفزاعات.
وربما يجدي الوقوف أمام العنوان (فارس أحلام الفزاعات) في إضافة دلالات جديدة، فالقصة تشير إلى تحول في النسق الطبيعي، فالشاعر يجب أن يكون صوت الجماعة منطلقا منهم ولهم، ولكن سطوة المؤسس الممثلة في الشيخ بسام جعلت الأمر معكوسا، فالفزاعة التي يجب أن تخيف عصفور الغناء (الشاعر)، أصبحت أكثر قربا إليه من الناس، ومن ثم نجد الشاعر يطلب يد الفزاعة للزواج من صاحب الحقل، ونجد عدد الفزاعات يزداد في الحقل، للاستماع إلى الغناء، في مشهد عجائبي وثيق الصلة بالآني المعيش، لكي تشير إلى توجهات جزئية حداثية تتكسر أمام حدة التقاليد.
وربما كانت قصة (تقرير لرجل صامت) لمحمد حسن علوان، مهمة في الإشارة إلى هذا التوجه الثنائي الذي يفضي في النهاية إلى سيادة نمط وغياب نمط آخر؛ فالقصة تصور وقوف السارد أمام قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتقدم مظلمة إليه، تتمحور حول معرفة الدين المعرفة الحقيقية، فهناك طائفة من الناس يعطون لأنفسهم الحق للحديث عن الدين والرسول، وهذه الطائفة في منطق القصة لا تفهم الدين فهما صحيحا، ولكنها تمارس سطوة خاصة، وهناك طائفة تفهم الدين فهما صحيحا، ولكنها لا تستطيع تقديم رؤيتها أو الانتصار لوجهة نظرها. فهل تشير القصة إلى الجماعات التي تقدم فهما خاصا للدين، ويأتي هذا الفهم مغايرا - من وجهة نظر القصة - للفهم الإسلامي الصحيح؟
وقد يأتي الصراع بين المؤسس والمحدث ماثلا في الفن، بين توجهات جديدة، تحاول أن تؤسس لنفسها وجودا فاعلا، وتوجهات قديمة، تحاول أن تسدل شرعية خانقة، لكي تقضي على هذا المحدث القادم. وتأتي قصة الكاتبة نوف الحزامي (قدح من الشاي) لترسم صراعا بين التقاليد الفنية الجامدة، التي تصنع حدودا صارمة بين جزئيات الطبيعة، وبين التوجهات الحديثة، وذلك من خلال قصتها المبنية على تيار الوعي؛ فالقصة تبدأ في لحظة آنية من خلال افتتاح معرض فني لفنانة تشكيلية، وهذه الفنانة تحاول أن تشرح طبيعة لوحتها التي تحاول من خلالها أن تصنع تماهيا بين السماء والأرض، أو تصنع وحدة خاصة بينهما، ولكن لا أحد يلتفت إليها، وتكتفي زميلتها بتقديم (قدح من الشاي)، مشيرة إلى أن اللوحة تعبر عن (زرقة غير مفهومة).
ومن خلال هذا الموقف ومن خلال تيار الوعي، تبدأ الذاكرة في الانفتاح بتذكر مواقف شبيهة - إلى حد بعيد - بهذا الموقف، ففي المدرسة تذكرت يوم أن رسمت السماء والأرض متحدتين، فنهرتها المدرسة، وقالت لها: السماء يجب أن تكون مرتفعة عن الأرض، ويجب أن تكون هناك مسافة فاصلة بينهما. وهذا نفسه يشير - ولو من طرف خفيّ - إلى تقاليد فنية بالية، تزعم أن هناك تحديدا صارما للأشياء، ولكن هذا التوجه الجديد الذي يذيب الفواصل بين الأشياء يقابل دائماً بمحاولة جادة للقضاء عليه؛ فالقصة تصور ذلك الصراع الأبديّ بين المؤسس الفنيّ وبين المحدث الجديد.


انتهت

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved