الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 22nd May,2006 العدد : 154

الأثنين 24 ,ربيع الثاني 1427

الصوالين الأدبية
أيها المثقفون: ابحثوا عن المفاتيح لا عن الأقفال
د. صالح زيَّاد

ليس تكاثر الصوالين والمجالس الأدبية دليلاً على الحفاوة بالفكر والأدب، فقط، بل هو - فوق ذلك - دليل على تبلور وضعية سوسيو ثقافية تمثل المجالس والصوالين الأهلية متنفساً لها يرادف وسائل التعبير ومظاهر التثاقف المختلفة ويزيد عليها بمظهريته الاجتماعية ذات البعد الحميمي.
والتسمية ذاتها، من حيث بعدها الاصطلاحي الذي يحيل على صيغة من التجمع بين المهتمين لغرض (المجالسة)، ومن حيث بعدها التأريخي الذي يحيل على وقائعها المألوفة في المجتمع العربي والإسلامي وفي المجتمعات العالمية، في العصور كافة المزدهرة حضارياً والمستقرة أمنياً، تعني أننا بإزاء صيغة حاكمة للوعي بما يرفض الصيغ الفارغة من المجالس والتجمعات التي تحفل بالأسمار والأباطيل وتتسع لهدر الوقت ممن لا يقدِّره من زاوية اجتماعية أو معرفية.
أما من الوجهة الإبداعية، فيبدو أن لذوي النبوغ والإبداع، بمختلف مستوياتهم واهتماماتهم، طابعاً سيكولوجياً غالباً، هو الحاجة إلى من يستمع إليهم مثلما هي الحاجة إلى من يقرؤهم.
الصوالين والمجالس الأدبية - من هذه الزاوية تحديداً - هي حاجة إبداعية تتحقق بها فضاءات نوعية للتلقي لا تشبهها القراءة، ولا يكفي أن نختصرها في حرارة الحضور، وفورية الآنية، وحيوية اللحظة، وتعينها الشخصي.. خصوصاً وأن دور التلقي في الكتابة والفكر والإبداع في الحقول المعرفية المختلفة أصبح محسوماً نظرياً، ولم تعد فاعليته، على مستوى الموضوع والفكرة والرؤية وعلى مستوى الصيغة والشكل وعلى مستوى المعنى والهدف، مجالاً لنقاش وجدل مطول أو جذري.
صحيح أن شكلاً جديداً من المجالس والصوالين الأدبية قد طرأ في السنوات القليلة الماضية، وأعني منتديات وديوانيات الشبكة العنكبوتية التي يتوافر لأعضائها وكتابها من التفاعل سواء من خلال التعليقات الواردة على النصوص والموضوعات أو عدد القراء لها.
ولا أحد ينكر ما لبعضها من صدى إيجابي خصوصاً حين ننظر إليها من جهة الانكشاف الكامل للوعي دون حُجُب النفاق أو المداراة لخوف ما.
لكن هذه الصوالين الإلكترونية غابَةٌ من الأسماء التي لا تراعي، في معظمها، المصداقية والمسؤولية وتنزع منزع الكذب أو التهويل أو المغامرة والتجريب الاعتباطي مختبئة وراء أسماء وألقاب مستعارة، أو مسوقة بفضاء الإنترنت الغابة والظلام!
إن المراقب للمشهد الثقافي والاجتماعي في المملكة سيلتفت حتماً إلى دخول الصوالين الأدبية النسائية إلى الساحة وتنامي عددها في المدن الكبرى، إلى جانب تزايد عدد الصوالين الأدبية الرجالية واتساع نطاق عددها إلى القرى والمدن الصغيرة، وسيلتفت بشكل أكثر اهتماماً إلى وعي المؤسسة الثقافية الرسمية التي لا تتغاضى، فحسب، عن تصاعد أعداد الصوالين الأدبية، وإنما تشجعها بتأكيد مستمر على أن وزارة الثقافة لا تملك أن تصنع الثقافة وإنما يصنعها المثقفون.
في أوائل الشهر الماضي افتتح الدكتور علي الرباعي صالوناً أدبياً بقريته الصغيرة الوادعة في منطقة الباحة.
وقد ألح بنبل وحرارة على حضور عدد من الشيوخ وأساتذة الجامعات ورجال التربية والتعليم، فحضرتُ مع عدد من زملاء قسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود، لتصادف ذلك مع قدومنا في رحلة إلى الباحة، مثلما حضر عميد كلية المعلمين بالطائف ورئيسا قسمي اللغة العربية بمعلمي الطائف وأبها ورئيس جمعية الثقافة والفنون بأبها وزملاء كثر من جدة والطائف وأبها وجيزان، بالإضافة إلى مدير عام التعليم بمنطقة الباحة وعدد من مثقفي المنطقة.
وفي مساء اليوم التالي كنا ضيوف الشعر و(المفطحات) في منزل أحد رموز التربية والثقافة وهو الدكتور سعيد أبو عالي الذي أخبرنا أن الشعر الذي نستمع إليه في مجلسه هو إحدى فعاليات صالونه الثقافي - بعمره البالغ زهاء ثلاث سنوات - في منزله الريفي الجميل.
وهذا كله بموازاة المؤسسة الثقافية الرسمية في الباحة التي تتمثل في النادي الأدبي وجمعية الثقافة والفنون، وبقدر يتساوى - رسمياً - مع ما في الرياض أو جدة أو غيرهما من المدن الكبرى - أحياناً - والمتوسطة والصغيرة.
كانت المفاجأة (بعد ذلك بأسبوعين) أن أقرأ خبر إغلاق صالون الدكتور الرباعي!!
وكانت الدهشة مقترنة بالتكهنات والإشاعات التي أتاحها غموض الأسباب وعدم دقة المعلومات بين من يتعاطى الجدل حول الخبر من الأصدقاء والزملاء.
وكانت بعض الإشاعات تحيل على جو المنافسة والتحدي الذي أوصيت الدكتور الرباعي، حين اتصل بي هاتفياً في الرياض عارضاً فكرة الصالون، أن يتجنبه تماماً، مثلما أوصيته أن يعرض الفكرة - أولاً - على سمو أمير المنطقة وسمو نائبه، وأن يقوم بتسجيل الفعاليات كلها وتوثيقها، وعاتبته وزملاءه، بحضور بعض زملاء الجامعة في الباحة، على خلفية نقدهم المكرور في الصحافة لنادي الباحة الأدبي الذي لن يجد من يتحرى الصدق والمسؤولية كثيرون في إخلاص وجدية ووقار وخبرة رئيسه الأستاذ المربي سعد المليص.
أثق تماماً - الآن - في أن حكمة الأمير المثقف ستغلب الوشايات الصغيرة، وربما لا ينشر هذا المقال إلا بعد افترار نواجذ الدكتور الرباعي وزملائه عن الشكر والعرفان.
لكن ينبغي أن نعي أن من الخير للمثقفين - دوماً - أن يبحثوا عن المفاتيح لا عن الأقفال.


Zayyad62@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved