الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 22nd May,2006 العدد : 154

الأثنين 24 ,ربيع الثاني 1427

السلطة والفرد
تأليف: برتراند راسل
ترجمة: نوري جعفر
ألمانيا: دار الجمل 2005م
يتضمن هذا الكتاب للفيلسوف برتراند راسل، محاولة للتوفيق بين الحرية الفردية وبين التنظيم الاجتماعي الذي انقسم علماء الاجتماع حوله وحول علاقته بحرية الفرد إلى قسمين متعارضين أشد الاعتراض.
ويرى الفريق الأول بأن الحرية لا تتحقق على وجهها الأكمل إلا إذا تمتع الفرد بحقوقه وامتيازاته كافة ويتم ذلك التمتع كاملاً عن طريق تقلص ظل الحكومة تقلصاً كبيراً.
إذ تعد الدولة والمنظمات السياسية الاجتماعية وسائل لخدمة الفرد لا غايات يخدمها الفرد. ومن أشهر دعاة هذا المذهب، وهم كثيرون، مونتسكيو وروسو وفولتير في فرنسا، وجون ستورت وآدم سميث وجرمي بنثام في إنجلترا، وتوماس جفرسن والرئيس هوفر في الولايات المتحدة الأمريكية.
ويرى الفريق الآخر من المفكرين بأن الحرية لا تتم إلا عن طريق الخضوع للدولة.
ويعد هذا الفريق من الكتاب الأفراد وسائل لتحقيق المثل العليا التي تسعى الدولة إلى تحقيقها. ولا يصبح الفرد بنظرهم إنساناً بالمعنى المراد إلا إذا انضوى تحت لواء دولة معينة. ومن أشهر دعاة هذا المبدأ من القدامى، شيخ الفلاسفة أفلاطون، ومن المحدثين هيغل وشينغلو وروزنبرغ في ألمانيا وكروتشي وجنتيلي وموسوليني في إيطاليا. والكتاب الذين يؤمنون بالمذهب الدكتاتوري كافة.
ويستطيع الباحث المتعمق في كلتا المدرستين السالفتي الذكر أن يستنتج بأن في كلتيهما خطأ مشترك. ذلك أنهما نظرتا للأمر من طرف واحد وأغفلتا طرفه الآخر تماماً. فقد اعتبرنا كلاً من الحرية الفردية والتنظيم الاجتماعي شيئين متناقضين.
وعدّ أنصار الحرية الفردية، وهم دعاة المدرسة الأولى، تدخل الحكومة في شؤون الأفراد اعتداء على حرياتهم. بينما خالفهم دعاة التنظيم الحكومي، وهم أنصار المدرسة الثانية، واعتبروا الحرية الفردية خروجاً على النظام ونقضاً لمبدأ الحرية نفسه.
ويرجع سبب ذلك، من الوجهة النفسية، وعلى ما نظن، إلى أن الإنسان عادة، ولا سيما المفكرين من بنيه، يميل إلى اعتبار الحرية الفردية شيئاً أساسياً في الحياة حينما يرى الدولة تتدخل لعرقلة تحقيق تلك الحرية تدخلاً لا يرى له من مبرر.
وتنعكس الآية عندما يرى الإنسان الحرية الفردية تأخذ شكلاً بعيداً عن التنظيم وعن المصالحة العامة، كما يراها، فيدعو إلى وضع القيود التي يراها ملائمة لتحديد حرية الأفراد كي يسود بنظره، القانون والنظام.
وفي المدرستين، إضافة إلى ذلك، نقص مشترك، هو أن كلاً منهما، بمحاولتها التخلص من بعض القيود التي شاهدها دعاتها في المجتمع الذي عاشوا فيه تطرفت تطرفاً لا مبرر له فوقعت في خطأ فظيع.
فالتنظيم الاجتماعي لا يكون تنظيماً مثمراً إذا رافقته حرية فردية. والحرية الفردية شيء والدعوة للقضاء على التنظيم السياسي شيء آخر.. كما أن الإيمان بضرورة التنظيم الاجتماعي للقضاء على الفوضى شيء آخر كذلك. ويعتقد أن نقطة الضعف الأساسية عند دعاة كل من المدرستين تعود إلى تفسير معنى كلمة الحرية، فالحرية وإن كانت كلمة واحدة إلا أنها ذات معانٍ عديدة لا تختلف عند الأفراد في المجتمع الواحد فحسب، بل وعند الفرد نفسه في أوقات مختلفة، ولعل الاختلاف في تفسير معنى الحرية هو الذي أعطاها هذا الحب السحري عند كثير من الأفراد والجماعات.
فما هي الحرية، إذن؟ الحق أن تلمس الإجابة المقنعة على هذا السؤال ليس سهلاً.. وإن الفرد لكي يحاول أن يجيب عنه إجابة مثمرة ينبغي له أن يلم بعلم النفس، فيما يتعلق بمعرفة الطبيعة البشرية، وفي علم الاجتماع فيما يتعلق بمعرفة القوى الاجتماعية التي يخضع الفرد لها فتتعدل طبيعته وسلوكه.
إن الحرية وسيلة لا غاية بحد ذاتها.. أي أن الإنسان عن طريق تمتعه بالحرية يسعى لتحقيق غايات خارجة عنها. ثم ان الحرية ينبغي أن يصاحبها شعور بالمسؤولية وإلا انقلبت إلى فوضى وفقدت أهميتها من الناحيتين الاجتماعية والفردية. وإذا سلّمنا بأن الحرية شيء مكتسب، يتلقفه المرء من بيئته الاجتماعية كما يتلقف عاداته وعقائده في الدين والاجتماع جاز لنا القول بأن تحقيقها لا يتم إلا عن طريق التنظيم الاجتماعي والتشريع السياسي.
وهذا يعني أن المرء يكتسب حريته بواسطة تدخل الحكومات في تعيين ما له من حقوق وما عليه من واجبات.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved