الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 22nd August,2005 العدد : 119

الأثنين 17 ,رجب 1426

في ذكرى وفاته الثالثة والعشرين الأنصاري .. الرائد العملاق

الأستاذ الأديب، الصحفي النابه، العالم المحقق المدقق، الأثري المؤرخ، اللغوي المجمعي، الأستاذ عبدالقدوس بن القاسم بن محمد بن محمد الأنصاري الخزرجي.
ولد في المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى التسليم.. كان مولده في عام 1324هـ.. توفي والده ولم يتجاوز السادسة من عمره.. كفله عمه وشيخه العلامة الشيخ محمد الطيب الأنصاري، عالم المدينة المنورة، وهو والد الأستاذ الدكتور عبدالرحمن الأنصاري.
تلقى علومه الدينية واللغوية والتربوية على يد شيخه وأستاذه العلامة محمد الطيب الأنصاري في المسجد النبوي الشريف، حيث كان بداية خطوه نحو المجد.. وأنعم بها من بداية.. بل إنها بداية الخير والفأل الحسن في جوار الرسول الأعظم سيد ولد آدم أجمعين، عليه وعلى آله وصحابته أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
بدأ الدراسة وعمره لم يتجاوز الخمس سنين، وفيها حفظ القرآن الكريم، وأعقبه بحفظ المتون في علوم التفسير والحديث والفقه واللغة.
في عام 1341هـ افتتحت مدرسة العلوم الشرعية في المدينة المنورة، وقد أنشأها فضيلة السيد أحمد الفيض آبادي لتيسير التعليم الديني والعربي، وقد عين الشيخ محمد الطيب الأنصاري رئيساً لمدرسيها.. وبطبيعة الحال التحق بها (عبدالقدوس الأنصاري)، وتخرج فيها في عام 1346هـ بتفوق وامتياز.. يقول الانصاري في ذكرياته لتلك الفترة: ( وكنت أول الطلاب في أخذ علامات النجاح العليا) ص 632 عدد شوال وذو القعدة 1401هـ.
وكان أن حضر الاختبار العمومي الذي أجري لطلاب المدرسة رئيس ديوان امارة المدينة المنورة الشيخ اسماعيل حفظي، وكان أن أعجب بالأداء المتفوق للشاب النابه (عبدالقدوس الأنصاري) فأشار على وكيل الامارة بأن يلحقه بديوان الإمارة، وابلغ الانصاري بهذه الرغبة، حينئذ استشار الأنصاري شيخه واستاذه الشيخ محمد الطيب الأنصاري وهذا من عظيم أدب البُنوَّة للأبوّة ويصف الأنصاري ذلك بقوله: (.. وثاني يوم بعد نجاحي في الاختبار الشاق العنيف، كنت جالساً على مكتبي في ديوان إمارة المدينة المنورة موظفاً صغيراً بها.. أصغر من جميع الموظفين به.. كان ذلك في غرة شهر رمضان 1346هـ).
ليس هذا فحسب، بل بعد تخرجه من مدرسة العلوم الشرعية رغب اليه السيد أحمد الفيض آبادي مؤسس وصاحب المدرسة أن يكون استاذا للأدب العربي فيها.. وحقق رغبة أستاذه وظل أستاذاً فيها زهاء اثني عشر عاماً.. هذا اضافة لاعماله الأخرى.
مكث الأنصاري في الديوان الملكي يتقلب في وظائفه حتى عام 1359هـ، حيث نقل بعد ذلك إلى مكة المكرمة في وظيفة رئاسة تحرير الجريدة الرسمية (أم القرى) وتم ذلك بارادة ملكية برقية صدرت من الملك عبدالعزيز عليه رحمة الله تعالى إلى إمارة المدينة المنورة.
واستمر في وظيفته تلك حتى عام 1361هـ، حيث صدر أمر سمو الأمير فيصل ولي العهد آنئذ بنقل الأستاذ عبدالقدوس الانصاري ليعمل في ديوان سموه في جدة.. وبقي فيه حتى عام 1386هـ حيث تفرغ بعد ذلك تفرغاً كاملاً لمجلته المنهل التي أنشأها في عام 1355هـ 1937م وظل يصدرها باستمرار رغم كل تلك المشاغل والوظائف والمهام. ورغم كل تلك التنقلات.. من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة إلى جدة.. ينتقل بها حيث ما انتقل.
هذا مختصر ميسر للحياة الوظيفية للأنصاري عليه رحمة الله تعالى لم نرد البسط فيها، فقد كان أداؤه فيها كبيراً وملحوظاً، وهذه الصفحات لا تكفى أذن لنبسط الحديث بسطاً ميسراً ايضاً في حيواته الفكرية والثقافية والأدبية والعلمية.
** عبدالقدوس الأنصاري كان طموحاً متصاعد الطموح، وكان صاحب منهج في الحياة والمجتمع ألزم به نفسه.. وهو طالب في مدرسة العلوم الشرعية، كان همه أكبر بكثير من هذا الفصل الدراسي، كان يفكر في ترقية الحياة الأدبية والفكرية لبني قومه في المدينة المنورة، وهذا ما تؤكده لنا مجموعة مقالاته التي كتبها في وقت مبكر من حياته، وتؤكده أيضاً أنشطته الثقافية والأدبية التي كان يقوم بها، من عقد الندوات واللقاءات، ثم انشاء أول ناد أدبي في المدينة المنورة. كان مشغولا بتصحيح الأخطاء اللغوية التي حدثت بمزاحمة اللغة التركية للغة العربية. كان همه ومبتغاه أن يحقق آثار المدينة المنورة، مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ومدينة أصحابه.
كل هذا، كان يشغل بال وفكر الأنصاري وهو لا يزال على مقعد الدرس في مدرسة العلوم الشرعية.
إذن، لم يكن همه ومبتغاه أن يجمع اليه العلم من أطرافه، فحسب، بل كان همه ايضاً أن يفيد مجتمعه من هذا العلم، ولقد بذل من الجهد وسعه لتحقيق هذه الغايات النبيلة.
إذن، لنقرأ ما كتبه الأنصاري في (قصة حياتي) لنقف على المجاهدات العلمية والأدبية والاجتماعية لهذا الشاب المتصاعد في طموحه، وهو لا يزال في مقاعد الدرس.
يقول الانصاري:(.. أثناء الدراسة كنت لاحظت أن ما كان سائداً من ألوان الانشاء هو لون الانشاء القديم المسجع الركيك.. فضايقني ذلك في نفسي وصرت أبحث عن منفذ جديد، واتفق أن وردت الينا كتب المنفلوطي: العبرات والنظرات وغيرها، كما وردت الينا في ذلك الوقت بعض الصحف المصرية الأدبية، البلاغ الاسبوعي، الهلال، المقتطف، الشرق الأدنى، المرشد العربي.. فأثرت هذه على اتجاهاتي، وصرت التهمها التهاماً واعنى بمسايرة اسلوبها انفكاكا من أسلوب الانشاء المسجع الركيك الذي كان نتلقاه من معلم الخط، وهكذا بدأت ارسم خطى الحديث، جاعلا من مطالعتي استاذي الخاص).
ملحق العدد الصادر في ذي القعدة وذي الحجة 1403هـ. ص 1516 قصة حياتي.
وهذه الجملة الأخيرة (جاعلاً من مطالعتي استاذي الخاص).. تشير إلى الهم الفكري والثقافي الذي كان يعايشه الانصاري، ويبحث جاهدا لتجديده، وهذا أول معالم التجديد عنده.
والانصاري لا يعيش لنفسه، بل يعيش ومعه قومه وأمته، لا يعمل على نهوضه هو فحسب، بل يسعى لان ينهض بقومه، فكراً وثقافة وأدباً، وأسلوب حياة، وهذا قدره وقدر الرواد من امثاله.
ويتأكد لنا هذا التوجه عند الانصاري بقراءة هذه الفقرة حيث يقول: (.. فعكفنا نحن الاثنين الانصاري وصديقه السيد عبيد مدني عليهما رحمة الله تعالى على هذا الاتجاه، وسعينا ننشر الأسلوب الحديث الذي نزاوله في الناشئة في المدينة المنورة).
وقد بدأت الخطوة الأولى للحركة الأدبية في المدينة المنورة بتوجيه الاستفتاءات الأدبية الحديثة المحركة للنشاط الفكري، وكانت أول حركة يقظة أدبية حديثة سنة 1341هـ. المصدر السابق نفسه ص (16).
أي أن هذا النشاط الطموح بدأ قبل تخرجه بخمس سنوات، إذ كان تخرجه في مدرسة العلوم الشرعية عام 1346هـ أي أن الانصاري كان عمره آنئذ سبعة عشر عاما.
شاب في السابعة عشرة من عمره يحمل هذا الهم الثقافي الفكري، في بيئة لا يوجد فيها آنئذ ما يساعد على هذا النشاط.
ويتصاعد الطموح عند الأنصاري، وتترسخ في أعماقه فضيلة العمل، كسبا معرفيا وعلمياً وفكريا لنفسه، وإفادة لقومه وناسه، نهضة وارتقاء في سلم المجد.
ويسجل في وعي تام تلك الخطى، إذ يقول: ( وفي سنة 1345هـ بدأت المحاولة تعطى ثمارها، فبدأت الأماني الحالمة البعيدة المدى والتحقيق تطرق أدمغتنا بإنشاء صحف ومجلات تنشر أدبنا وأفكارنا، وبدأنا ننشد عالماً أدبياً أفضل) نفس ص (16).
إذ كان الطور الأول هو طور القراءة والاطلاع، فإن الطور الثاني هو (إنشاء صحف ومجلات).
كل هذا والانصاري لا يزال في مقاعد الدرس لم يغادرها، ولكنه كان يتصاعد آمالاً عريضة وطموحاً لا تحده الحدود.
وبنمو الحركة الثقافية والفكرية بصورة أوسع في المدينة المنورة فإنه بجهد الانصاري وزملائه، أنشئ أول نادٍ أدبي في المدينة المنورة.
وفي هذا يقول عبدالقدوس الانصاري: في سنة 1355هـ أقام راقم هذه السطور مع زملائه بالمدينة المنورة نادياً أدبياً لتفتيح الأذهان وترقية مستوى البيان العربي واصلاح المجتمع وسموه، باسم لم يسبق له مثيل، من ناحية ادخاله صيغة (السعودي) فيه والأسم هو (نادي الحفل الأدبي للشباب العربي السعودي المتعلم) بالمدينة المنورة.
(مجلة المنهل العدد الصادر لشهري المحرم وصفر 1405هـ ص 57 موضوع (حياتي) بقلم عبدالقدوس الأنصاري.
ونلحظ هنا بوضوح أن أهداف انشاء وتأسيس هذا النادي كانت واضحة المعالم في ذهن الاستاذ الشاب عبدالقدوس الانصاري وهي (تفتيح الأذهان ترقية مستوى البيان العربي واصلاح المجتمع).. وهذه الأهداف في كل أبعادها كانت تمثل طرفاً من (المشروع الحضاري) الكبير الذي كان يتقد به ذهن الأنصاري، والانصاري جعل من مجلته المنهل التي أسسها في 1355هـ، الميدان الأرحب لاظهار هذا المشروع الحضاري الكبير.
في عام 1346هـ،نشر الأنصاري أول مقال له في مجلة الشرق الأدنى التي كان يصدرها الأستاذ أمين سعيد بمصر وكان موضوع المقال جريئاً بالنسبة لظروف ذلك العهد.
يقول الأنصاري: ( كان الموضوع بماذا ينهض العرب وقد أبديت رأيي في أن نهضة العرب مرتبطة بوحدتهم، ووحدتهم مرتبطة بوجود زعيم عربي يوقظ النائمين ويتقدم سير القافلة إلى قمم الوحدة المنشودة، واحدث المقال دويا، وقد اعجبت بالمقال كما يعجب المرء بأول وليد) ص 16 قصة حياتي المرفقة في آخر عدد ذي القعدة وذي الحجة 1403هـ.
وحق له أن يعجب بما كتب.. شاب في الثانية والعشرين من عمره يكتب عن نهضة العرب، وشروط النهضة المبتغاة.. لا نقول إنه الشاب الوحيد في العالم العربي الذي يحمل هذا الهم، لكنه بالتأكيد واحد من مجموع تلك الصفوة، على قلتهم.
سبق أن ذكرنا أن الأستاذ عبدالقدوس الأنصاري قد عين موظفاً في ديوان امارة المدينة المنورة بعد تخرجه من مدرسة العلوم الشرعية بيوم واحد، وجاء قرار توظيفه بتوجيه من أمير المدينة المنورة آنذاك، وكان أصغر موظف في ديوان الامارة.
( وكان يُعنى بإصلاح الكلمات المغلوطة في الرسائل الرسمية التي تصدر من ديوان الامارة آنذاك) ص 58 مجلة المنهل عدد المحرم وصفر 1405هـ.
ترى هل كان أمر الاصلاحات اللغوية بالنسبة له سهلاً ميسوراً، في وقت شاعت فيه الأمية وغلب عليه الجهل، لقد كانت اصلاحات الانصاري اللغوية مكان استهزاء زملائه، وموضع تندرهم، ذلك لأنهم عهدوا الامر عندهم هكذا، فكيف يأتي شاب في العقد الثاني من عمره ليغير ما عهده الناس في كتابة رسائلهم.
ولكن الشاب الطموح الانصاري صاحب رسالة وصاحب الرسالة لا توقفه العثرات.. ويسجل الأنصاري بقلمه مدى المعاناة التي وجدها في هذا السبيل الذي اختطه.
يقول في موضوع (حياتي):
(.. وقد قاوم بجهده هذا التيار الفاسد، وما بالى بالتعنت والسخرية، اللذين ينصبان عليه من كل صوب وحدب، من الموظفين الزملاء وغير الزملاء) ص 5859 مجلة المنهل عدد المحرم وصفر 1405هـ.
ويعلل ذلك بقوله: ( وأعمال الاصلاح دائماً تلاقي معارضات شتى، وتتطلب قياماً واستمراراً، وشجاعة كافية لمقابلة الحملات المتعاقبة) نفسه ص (59).
في شهر ذي الحجة من العام 1355هـ 1937م أصدر الأستاذ عبدالقدوس الأنصاري أول عدد من مجلته (المنهل) وتوالى اصدارها في غرة كل شهر من دون انقطاع، إلا في سني الحرب الكونية الثانية، بسبب ارتفاع سعر ورق طباعة الصحف والمجلات، ثم عاودت الاصدار، واستمر هو بصحبتها وهي بصحبته حتى تاريخ وفاته في صفر 1424هـ رحمه الله وأحسن اليه.. وتظل راية المنهل مرفوعة بتوفيق الله تعالى على يد الحفيد الاستاذ زهير الأنصاري أمد الله في عمره، وأدام توفيقه.
ولكن.. إنشاء وتأسيس مجلة في ذاك الوقت منتصف القرن الرابع عشر الهجري لم يكن بالأمر الميسور ولا الهين.
يقول الأستاذ عبدالقدوس الأنصاري مسجلاً تلك البدايات:
( في عام 1348هـ اتضحت لدي سبل اصدار مجلة علمية تدفع عن العروبة والاسلام التيارات الجارفة إذ ذاك من الاندفاع نحو التغرب في كل شيء، وتجدد شباب الأدب العربي في هذه البلاد.. فقدمت طلباً بذلك إلى إمارة المدينة المنورة، وكان الاسم الذي وقع عليه اختياري هو (المنهل) ورفع الطلب إلى جلالة الملك عبدالعزيز.. وفي ذي القعدة 1355هـ 1937هـ صدر الأمر الملكي بالموافقة على اصدار مجلة المنهل، وصدر صك شرعي بالاذن لي باصدار (مجلة المنهل).
(وصدر أول عدد من المنهل في ذي الحجة 1355هـ أي بعد شهر واحد من صدور الأمر الملكي ولم يكن معي سوى اربعين ريالا سعوديا وقت اصداره دفعتها كلها للمطبعة وبقي علي عشرون ريالا.
ولكني لم أيأس فدفعت بمواد العدد الثاني، عدد المحرم 1356هـ إلى المطبعة فصدر ايضاً، ثم رأيت نقل طبع المجلة إلى مكة المكرمة فطبع بها العدد الثالث، وهكذا توالى صدورها منذ ذلك الوقت) ص 1617 ملحق عدد ذي الحجة 1403هـ.
ويؤكد الانصاري هذه الريادة الصحفية بقوله:
( مجلة المنهل كانت الطليعة الأولى لصدور المجلات الأدبية في المملكة العربية السعودية) ص 53 (حياتي) عدد المحرم وصفر 1405هـ.
قامت المنهل على منهجية واضحة في هذه مؤسسها وصاحبها الاستاذ عبدالقدوس الانصاري، وهي تمثل شخصيته في كل توجهاتها: الروحية والتربوية والسلوكية، الانسانية والاجتماعية، العلمية والأدبية والثقافية، الوطنية والقومية والإسلامية.. بل تمثل توجهه النازع ابداً إلى التوثيق والتدقيق في بحوثه ودراساته اللغوية والتاريخية والأثرية.
والمتصفح لمجلة المنهل منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا يستبين ما ذهبنا إليه، ويتحقق من أن المنهل تمثل حقاً شخصية مؤسسها الرائد.. ولا تزال مجلة المنهل وفية مخلصة لكل قضايا العلم والثقافة، والأدب والفكر، وقضايا الوطن والأمة العربية والإسلامية.
وتحت عنوان لمحات من تاريخ المنهل يقول الانصاري: ( ولقد صدر المنهل في منتصف العقد السادس من القرن الهجري الرابع عشر وكان الاستعمار الأوروبي يومئذ في عنفوانه جاثماً بكلاكله على أكثر ربوع العرب والمسلمين. نافثاً سموم دعاياته، ناصباً أحابيله في كل الأوساط المثقفة وغير المثقفة مضللا نفراً من تلاميذه الأوفياء الذين رباهم ومريديهم السذج عن الصراط السوي جاعلاً نصب عينيه الدعوة إلى:
1 لهجة عامية متفرقة ومفرقة.
2 وإلى قلب الحروف العربية لاتينية.
3 والى تليين قناة الشعر العربي وتحويله إلى قالب لاتيني المعنى عربي الشكل، إمعاناً في الكيد للعروبة والإسلام.
4 تحييد الثقافة العربية الأصيلة، وجعل الثقافة الغربية الدخيلة ثقافة أصيلة لسائر أوطان العرب والإسلام.
5 إبطال قواعد اللغة العربية (نفس المصدر السابق ص 9).
ويقول:
( إن الدعوة إلى هذه الأمور الفتاكة بمقوماتها على أمة لها حضارة عظيمة وتاريخ عريق كانت سائدة يومذاك بشكل شامل، وقد تصدى لها نفر من نبهاء العرب، وفطناء المسلمين بالنقض والدحض).. وقد اخترمت هذه الحركة الدفاعية في فكر صاحب هذه المجلة وهو يافع وآمن بها إيماناً كاملاً، فقرر أن تصدر هذه المجلة لتكون من جنود المقاومة لعوامل الهدم التي كانت مسلطة لهدم كياننا من جذوره).
في مقال له بعنوان (مجلة أدبية هادفة) نشر في عدد شعبان 1385هـ/ 1965م، ركز الاستاذ عبدالقدوس الأنصاري على الاعتبارية المنهجية التي قامت عليها مجلة المنهل، والتي ظلت مسيرتها عليها لم تحد عنها، وهذا المقال يشكل التنفيذ الفعلي والحقيقي لما اختاره الأنصاري منهجاً لمجلته المنهل، وهو من جانب آخر يمثل المنهجية التي ينبغي اتباعها في الصحافة الملتزمة.
يقول في هذا المقال:
(أنشئت هذه المجلة واتخذت من يومها مبدأ لها، العناية بشئون الفكر والادب والمجتمع، موضوعياً لا شخصياً، وأعنى بشئون الفكر والأدب والمجتمع هنا ما يشمل تاريخ هذه البلاد في علمها وعلمائها، وفي فنونها وآدابها وفي آثارها واوضاعها الاجتماعية والاقتصادية والصحية والرياضية.
وقد صدفت صدوفاً كلياً عمداً وقصداً عن سبيل المهاترات والتنابز بالألقاب التي كان أمرها مستفحلاً منذ صدورها، وتمكنت من ضباط اعصابها ازاء المغريات والدوافع المتضافرة، ولم يكن الوعي عميقاً ولا شاملاً ولا كان القراء بهذه الكثرة اليوم.. ومع ذلك ضحت المجلة بمصالحها المادية حيال انجاح مصالحها الفكرية والأدبية، فلم تنجرف في تيار المهاترات.
وذلك بالرغم من انتشار الفكرة القائلة بأن الأدب والصحف لا يرتقيان ولا يروجان الا على أشلاء ضحايا المهاترات والتنابز بالألقاب والاحساب والأنساب).
(كانت معركة فكرية عارمة بين مجلة المنهل والجو الذي تتنفس فيه حينذاك، وانها طالما قررت في افتتاحياتها تلازم أدب النفس مع أدب الدرس، وأنه لا يفيد ادب درسي مهاتر لمجتمع معاصر يريد رفع مستواه ونشل كيانه من هوات الانحلال والتأخر.
واخيراً.. انجلى غبار المعركة، وقد ادرك الناس أن خطة المنهل الموضوعية في النقد والأدب والفكر هي الخطة القويمة السليمة التي من دأبها أن ترفع مستوى الأدب والفكر في البلاد.. أدركوا ذلك من طول ما شبعوا من الكلام الذي يورث الأحقاد ويؤرث العداوات ولا يجدى فتيلاً للنهوض بأدب وفكر ومجتمع).
(وكان ادراك الناس لسلامة هذا المنطق نصراً مؤزراً للمنهل نفسه في خطته الأدبية العلمية السلمية تجاه الخطة التنابزية السلبية).
( ولا غرو، فالمنهل إنما أخذ اسمه في الأصل من منهل الماء الزلال.. الذي يروي الظمآن وينظف الأقذار ويصفي الأكدار ويلطف الجو ويهيئ القراء لحركة ايجابية بناءة لا يضعضعها غرض ولا عرض ولا مرض).
ولتحقيق هذه الغايات النبيلة، يؤكد الانصاري في مقدمته للعدد الأول الصادر في ذي الحجة 1355هـ، سنبذل قصارى الجهد في سبيل احاطة هذا المنهل بسياج متين من أسباب الوقاية حتى لا يتلوث معينه، ولا يتعكر صفوه بجراثيم التراشق والاسفاف، شاعرين بأن التطور من سنن الكائنات) ص 4 المقدمة.
الانصاري، جعل من مجلته المنهل ميداناً فسيحاً للكلمة البانية والموضوع الجاد، التقى على صفحاتها الكثير من أقلام العالم العربي والإسلامي.
انشغل الأنصاري بقضايا وطنه، وتفاعل معها، وسجلها دقيقها وكبيرها، وكانت له أولياته التي حفظت له حق السبق المبكر بالدعوة الجادة للأخذ بأسباب النهضة والتقدم في كل أنحاء الحياة، فقد دعا لتأسيس وإنشاء الكليات والجامعات، والصناعات والزراعة والتعليم، وغيرها من أسباب التقدم والنهضة، وامتاز الانصاري بالمتابعة الدقيقة الحصيفة لتحقيق مقترحاته.. راجع مجلة المنهل العدد 581 مقال بعنوان:( الانصاري ودوره في حركة التنمية والنهضة في المملكة العربية السعودية.. المقال لراقم هذه الأسطر.
والانصاري انفعل كذلك وتفاعل مع القضايا المصيرية للوطن العربي الكبير، وقضايا الأمة الإسلامية.. ودراساته ومقالاته، واستفتاءاته المنشورة في مجلته المنهل تشهد له بذلك.
الاستاذ عبدالقدوس الانصاري، كان صحفياً بارعاً ومبدعاً.. الموضوع الغليظ الجاد الموغل في جديته، نجد الانصاري يذلل صهوته، ويلين قياده بقلم الأديب المبدع طيع الكلمة. فيسوقه اليك سوقا ميسورا، تطالعه في حميمية من لا يود مفارقته، ويتضح هذا بخاصة في كتاباته في الآثار والرحلات.
هذه كلمة تعريفية مختصرة جاءت بمناسبتها.. لهذا الرائد العملاق، عبدالقدوس الأنصاري عليه رحمة الله تعالى ودراساته وبحوثه ومقالاته المنشورة في مجلة المنهل فقط، تحتاج دراسات متعمقة من دارسين متعمقين.. لا سيما أن كتاباته قد غطت الكثير من مجالات الدراسة والبحث.


* كلمة أسرة تحرير مجلة المنهل

الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved