الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 22nd December,2003 العدد : 40

الأثنين 28 ,شوال 1424

دارين : موج ودانة وقصر
محمد العلي

ولد محمد العلي في سنة 1932 في الاحساء، حصل على البكالوريوس في سنة 1961 من جامعة بغداد. عمل في المجال التعليمي في النجف والدمام وترأس تحرير جريدة اليوم في الدمام. نشر اشعاره ودراساته الفكرية في الصحف والمجلات المحلية والعربية.
كتب عنه الناقد حسين بافقيه دراسة بعنوان «الايديولوجيا المرجأة: مقاربة نقدية لخطاب محمد العلي الفكري» وكتب عنه شاكر النابلسي ضمن شعراء مبدعين سعوديين آخرين في كتابه نبت الصمت. «لم اطلع على الكتاب وانما تكرم الاستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي وزودني بملحق القصائد وترجمة لحياة الشاعر اما المؤلفة عزيزة فتح الله، فقد ركزت في كتابها الشيق، وشم الذاكرة: اصدقاء وادباء من الخليج الى المحيط. دار المريخ، على الجانب الشخصي والانساني لهذا الشاعر الطليعي. واوردت بعضا من قصائده التي اعجبت بها مثل «لا ماء في الماء» و«مطر».
يرى الناقد حسين بافقيه «ان قصيدة محمد العلي» «لا ماء في الماء» 1975م قد اسهمت في تبوئه مكانة خاصة في سياق الشعر السعودي الحديث بسبب قدمها وقيمتها الفنية».
يستخدم محمد العلي في هذه القصيدة كما هو الحال في معظم قصائده رمز الماء بشكل لافت للنظر. فقد تحول الماء عنده من عنصر طبيعي ومصدر للحياة الى رمز للانعتاق والتحرر والسفر والعودة، والى زمن شعري تتدفق فيه تجاربه الشخصية الانسانية وتجري في نسغه احلامه المرتقبة.
يتجلى هذا الشغف المائي في عناوين قصائده «لا ماء في الماء» و«العيد والخليج» و«مطر» كما توحي عناوين القصائد الاخرى بحضور البحر في «هيلا هوب هيلا» و«دارين» وفي الاستعارات المتناثرة في قصائده مثل «أجنحة الماء وتحجر البحر. وفي كلماته المائية النثرية.
يستخدم الشاعر التصوير الوصفي لتشكيل ثنائية صوره الشعرية الغنائية من خلال جدلية الاضداد: الماء/ الصحراء، الرواء/ العطش، الاثبات/ النفي، الثواء/الابحار. ويقوم تصويره الوصفي على استخدام استعارات تكسر افق توقع القارىء مثل «ينز الجدار.. غبارا» و«الجدار مترعا» و«بوح الماء» والخليج عنده مشتبك بطقوس الغوص وصيد اللؤلؤ والقمر الاسطوري.
سوف اقتصر في هذه العجالة على قراءة قصيدة «دارين» التي كتبها سنة 1975.
تستمد جزيرة دارين الواقعة على الخليج العربي بالمملكة العربية السعودية حضورها وشهرتها من الموروث الشعري القديم «المعري» والشعر الحديث «سعدي يوسف» وغيرهما.
لا يكتفي العنوان باضاءة موضوع القصيدة وانما يستحضر ما اشتهرت به دارين من رخاء تجاري تمثل في بجر الحقائب، ويستدعي المسك الداريني الثمين.
تبدأ القصيدة بحاسة الشم «في شفاهك رائحة البوح» كاسرة افق توقع القارئ الذي ينتظر كلمة «طعم، مذاق الشفاه». يلي ذلك اشراك حاسة السمع «ان العصافير هاجعة» ثم توجيه التساؤل الاستفهامي المتوسل بالدرر الى دارين المؤنسنة فتنفتح كوة الحنين على ماض غني بدرره وحكايات غواصيه وقصص اسفارهم.
فالحنين ما زال منتظرا في المدارات..
هل تقبلين اللآلىء جارية، اذا يراودك النوم
تنسج من قصص البحر والريح فيما مضى
هودجا لرقادك؟
ولكن ماضي دارين ليس رخاء كله ورغدا، فكما عاشت ازمنة اللؤلؤ والمسك وبجر الحقائب، فقد عانت وخز الرماح التي امتصت شيئا من دمائها: «هيا اكشفي لي الجراح التي نهلتها الرماح وتلك التي وضعت في الحقائب».
إلا أن دارين ما تزال جميلة على الرغم من تلك الاصابات الموجعة الماضية.
تتحول القصيدة الى الزمن الحاضر مستخدمة اسلوب التكرار لمحاكاة صورة تلاطم امواج البحر وتتابعها موجة بعد موجة من خلال تكرار الكلمة المفردة.
حسناء، حسناء
ما زلت مفعمة كالعناقيد
ناضجة كعناق المحبين.
وعلاوة على ذلك فان التفعيلة المفردة لبحر «المتقارب» فعولن فعولن تحاكي تكرر الامواج وتكسرها على البعد موجة تجري وراءها موجة. وتغدو اغاني العاشقين من خلال التكرار أمواجاً من الكلمات المتوالية.
والعاشقون يزفون:
لحنا، فلحنا.
وتصير دارين فتاة جميلة مترقبة.
«كنت الصبايا الحييات يملأن اعينهن انتظارا على البحر».
وتنتهي القصيدة بمشهد وصفي تتحول فيه دارين من خلال الاستعارة الى قمر. ليس قمرا كسولا وبعيدا وانما قمر متحرك وقريب.
كذا كنت دارين.
هكذا كنت سامرا قمريا
يتلوى فيه على البوح بوح.
انها قمر شبيه بالقمر المثيولوجي، واهب الحياة، حسب الاسطورة، وخالق ايقاع المد والجزر الراحل والعائد بالغواصين.
تغطس القصيدة هنا في بحر القصص المثيولوجي فمثلث الصورة المتشكل من البحر واللؤلؤ والقمر، مثلث اكدي سومري يتكرر في قصص انكيدو وحكايات قلقامش حسب النقوش الأثرية في مقابر اور الملكية.
لقد سلك الشاعر «دارين» درة في عقد الابدية. وهذا المفهوم تؤكده النهاية المفتوحة للقصيدة حيث يصير البوح المتكرر جزءا من الخليج الابدي من خلال الاسلوب التكراري المحاكي تتابع الامواج وتلاطمها واحدة تلو الاخرى.
«يتلوى على البوح بوح».
فكلمة البوح تتكرر في مطلع القصيدة ونهايتها كالموج المتتابع، تعيد الاشرعة دائما وابدا الى دارين. تلك الاشرعة التي تترقبها «دارين» وتتحكم في زمن عودتها. فدارين قمر يخرج من ظله كل شهر ليحرك المد والجزر والامواج المتكررة العائدة بالأحبة والاصدقاء.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
وراقيات
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved