الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 22nd December,2003 العدد : 40

الأثنين 28 ,شوال 1424

السلطة المعلوميات ؟!(1)
سهام القحطاني
أيقونات:
يقول عالم الطبيعة البريطاني اللورد كيلفين: «عندما يستطيع المرء قياس ما يتحدث عنه، ويعبر عن ذلك بالأرقام، فإنه يكون قد بلغ شيئاً من المعرفة بما يتحدث عنه، ولكن عندما لا يكون بمقدور المرء قياس ما يتحدث عنه، ولا التعبير عنه بالأرقام، فإن معرفته بالشيء عندئذ تكون ضئيلة ولا تشفي غليلاً».
إن منهج فهمنا للأمور عادة ينطلق من ثلاث ركائز، قيمنا الاجتماعية، اعتقادنا للمفهوم، ومرجعنا المعلوماتي، فهذه الأمور المتشابكة هي التي تصنع مواقفنا نحو الأشياء بالرفض أو القبول، التطوير أو التجمد في مجالات العصرنة المختلفة، التي عادة ما تربط تبعيتها بالتقدمية المادية والفكرية، وكلمة التقدم مفهوم محايد قد تعني الارتقاء والتصاعد وقد تعني النحو صوب الأسوأ، والمسألة تظل نسبية عند الأمم ليست تجمع اتفاق غالباً.
إن الوعي بماهية التقدم وأشكاله ولا أقصد بالأشكال المعطيات الجاهزة، وإن كنت لست ضد التنميط، إن كان هذا الأمر في مصلحة توثيق التجربة النهضوية الناجحة ويساعد على صياغة واضحة للمنجز، أقول أن معرفة ماهية التقدم يلزم معرفة ما هو التخلف وأشكاله، فنحن لا ندرك السواء إلا برمزية الاعوجاج، ولعلنا بذلك نتمسك بالخطوط الأخيرة من ليل الإضداد، الذي بدأ ينقرض منذ إعلان جان بودليار «نهاضة الأضداد»، ودون هذه المواجهة، لا أظن أنه يتيسر لنا التعامل المفروض مع مسوغات التقدمية كتطوير تنموي للمكتسبات النهضوية، والتقدم أصبح مجموع معلومات، فالقوة المعلوماتية هي التي تؤسس العالم اليوم وما بعد اليوم، هذا العالم الذي وصفه الدكتور نبيل علي الخبير المعلوماتي عندما قال: (عصر تتألف فيه الأشياء مع أضدادها، فالمعرفة قوة والقوة أيضاً معرفة، فالمعلومات مال بعد أن أصبحت مورداً تنمويا يفوق في أهميته الموارد المادية)، فاختلفت ملامح الأشياء وصورها، وأصبحت المعلومات عموداً فقرياً لاستقامة الثقافة، وتحولاً في صياغة الهيمنة الجديدة، إن القوة الجديدة في عالمنا اليوم قوة المعلومات، وأي مجتمع يتمكن من السيطرة على هذه القوة من خلال الصناعة الإلكترونية فله السبق والسلطة، والمعلومات سلطة من خلال توظيفها في استحضار التجربة الناجحة، ومن خلال منهج صياغتها فيما نحتاجه من تكوين للخطاب الحضاري المثري بالرؤى والمفاهيم المنقوص في تجربتنا الحضارية، وأعود للخبير المعلوماتي الدكتور نبيل علي الذي يصف الجو الثقافي في المجتمعات العربية فيقول: (لقد اختلفت قوانين اللعب في الساحة الثقافية، بعد أن صار الأداء الكلي للمجتمع هو محصلة الخطابات التي تسري بداخله: الخطاب السياسي والاقتصادي والديني والإعلامي والتربوي والعلمي والتكنولوجي.. وهلم جرا. لقد انقضت تكنولوجيا المعلومات على الثقافة من عليين، من فضاء طبقات الأثير خلال نظم الإعلام الجماهيري الحديث، وها هي توشك أن تنقض عليها من فضاء عوالم الرمز الخائلية عبر شبكة الإنترنت، التي تتحول تدريجيا إلى وسيط إعلامي جديد ومثير وخطير.
وعلى المثقف أن يواجه خياره المصيري، فإما أن يدرك ما تعنيه تكنولوجيا المعلومات ولجماهيره، وأن يتقن استخدام أدواتها، وإلا ففناؤه لا محالة، تاركاً وراءه فراغاً ثقافياً أعدت له منصات هوائيات الثقافة الجماهيرية أو محطاتها كل ما يتطلبه سد هذا الفراغ من مضخات الملأ وإعادة الملأ). المعرفة لا تعني كما نحن نفهم بالضرورة كما لا تعني ما لم نفهمه بالضرورة، أقصد ليس ثمة شيء يمكن أن يضيء فاصل الظلمة القابع وراء الجبل العظيم سوى فهم ما يمكن أن يحقق قدرة الذات على التقدمية، فالخطاب العلمي مثلاً، تكمن أهميته في تفسير تراكيب الأشياء وظواهرها بالشرح والتشريح والتحليل والتقنين، لكنه لا يمنحنا أنسنة الوجود الذات، لأن هذه مهمة الثقافة، فالمسألة ليست أحادية الاتجاه، كيف نحصل على المعلومات، بل معها مرادفات أخر، كيف نستفيد من المعلومات، كيف نوظف المعلومات، كيف نجدد المعلومات، وهذه أمور في تواجدها الإجرائي تحتاج إلى وعي ثقافي يواكب ثورة تغير الواقع، وعندما أقول وعي ثقافي فأنا أخص المثقف بالإشارة إليه (التكنو مثقف)، الذي يجب أن يؤمن بالتوجه الجديد التقني للجمهور ويستوعب تركيبته ليستطيع تنفيذ دوره التوعوي هذا هو مثقف ما بعد الحداثة عند ميشيل فوكو (الميكروبولتيك)، وهذا يلزم المثقف من إعادة إعداد نفسه ومن خلال منهجه ورؤيته نحو السلطة الجديدة للثقافة، سلطة المعلومات.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
وراقيات
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved