الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 22nd December,2003 العدد : 40

الأثنين 28 ,شوال 1424

قصة قصيرة
ليلة هموم وقلق
ضيف الله مهدي

الدموع تتساقط من عينيها.. تحاول أن تخفيها لكن هيهات فقد فضحتها بحة الصوت وحزنه، وتحاول مسحها بمناديل الفاين وتتسلى، حتى لا يتكدر زوجها وبالتالي تزداد صحته سوءاً.. وهي بجانب رأسه تبلل رأسه بقطع الشاش المبرد، وتضع الثلج على رأسه، وهو في حرارة مرتفعة ومتعب جدا.. وتقول بصوت منخفض وحزين: يا رب اشف زوجي من هذا المرض، يا رب ليس لنا في هذه الدنيا إلا أنت ثم هو.. كيف ستصير حياتي إن هو فارق الحياة؟ كيف ستكون أيامنا، هل ستزورنا السعادة في يوم ما بعد رحيله؟!!
من لي بهؤلاء الاطفال؟ من سيتحمل معي تعب تربيتهم والانفاق عليهم، ومن سيوصلهم الى مدارسهم؟ ومن سيقضي ديوننا؟ ومن.. ومن.. أسئلة كثيرة تدور في رأس هذه المسكينة، وحيرة وخوف تترجمها دموع الحزن والوجل والقلق. وزوجها قد اشتدت عليه الحمى ووطأته بأنيابها ومخالبها، وهو يطلق زفرات من شدة الألم والمرض.. لكنه يفيق بين الفينة والأخرى فيراها بجانبه فيبتسم في وجهها ابتسامة امل تفتح لها الدنيا على مصراعيها، فيتبدد ذلك الحزن والخوف والقلق، وما يلبث ان يعود الى مصارعة الألم والمرض ويشتد عليه ويضيق عليه ويحاصره من جميع الاتجاهات، تقوم إلى الهاتف ترفع سماعته وتضرب الرقم: ألوه، ويرد ذلك الصوت الخشن من؟ تقول له: أنا أختك، إن زوجي مريض جدا، هل تأتي وتذهب به إلى المستشفى؟. يرد قائلا: أنا عندي شغل وما أنا قادر أروح الآن المستشفى.. خليه حتى الصباح، وإذا بقي تعبان جئت وذهبت به إلى المستشفى.. ترد طيب تعال اشتر لأولادي عشاء، إلى الآن باقي ما تعشوا، وفاطمة ما عندها حليب..
يقول الله الله أقول لك عندي شغل وتقولين وتقولين..!! ايش هذه المصيبة الآن. ماني جاي، تضع السماعة وهي في حزن شديد، وتذهب لتطمئن على زوجها فتجده قد خفت حرارته وهدأت زفراته ودخل في نوم عميق، وتقول في نفسها يا الله نوم العافية يا الله نوم العافية.. تفكر وتقول في نفسها: طيب من أروح أقول له يجيب لنا عشاء ويذهب بهذا الرجال للمستشفى..
انتهى زمن المعروف والمروءة وإلا إيش ما ألقى واحد يقدم لنا هذه الخدمة. الأطفال يبكون: يا أمي ما فيه عشاء الليلة، وفاطمة تبكي تريد حليباً وهي محتارة في أمرها.. تقول لهم: خلاص انتم اجلسوا هناك في الغرفة وأنا أجيب لكم الأكل بعد شوية تذهب إلى المطبخ وتفتح الثلاجة وتفتح بعض المعلبات وتقوم بطبخها وتسخن العيش الموجود في الفرن من الصباح وتجد في بعض العلب حليباً لفاطمة، وتجهز للاطفال عشاء وتضع الطعام على السفرة، هيايا عيال قوموا تعشوا، العشاء جاهز، ويقوم الاطفال يأكلون، ومحمد يمتنع عن الأكل، ليه يا محمد ما تأكل، هذا العشاء ما هو العشاء الذي نأكله كل ليلة. تقول الأم يا محمد بابا مريض وإن شاء الله بكرة يكون بخير ويجيب لك الأكل الذي تحبه، قم كل وبكره يصير خير. انتهى الاطفال من العشاء ثم غسلوا ايديهم وتوجهوا الى غرفة النوم.. نام الاطفال.. تأتي لتطمئن على زوجها فإذا هو نائم.. تبقى بجانبه ويطول الليل فتسرقها عينيها وتأخذها نومة وتستيقظ على دفء تلك اليد، يد زوجها، مالك يا أم محمد نمت هنا وبهذا الوضع المتعب لجسمك وصحتك؟!! أنا كنت بجانبك فسرقتني عيني.. أنت كنت مريضاً ومتعباً جدا وحرارتك مرتفعة.. يرد عليها مبتسما لكنني الآن والحمد لله أشعر أنني بخير وصحتي جيدة.. هيا قومي اذهبي الى غرفتك ونامي.. وأنت؟، أنا سأصلي الفجر واذهب إلى السوق، أكيد الأولاد بحاجة إلى طعام وحليب.. نعم كانت ليلة عصيبة علينا.. ما أحد زارنا ولا أحد جاء يشتري لنا أي شيء ولا احد تفقدك وقال فين فلان.. الله يا أبا محمد تغير حال الناس كثيرا.. يوم كنت طفلة عندما يمرض أبي، كان جماعة المسجد كلهم يأتون لزيارته والسؤال عنه، والجيران كل واحد منهم يعرض علينا خدماته.. لكن كان إخواني كبار لا يجعلونا نحتاج لأحد.. وأنت ما أحد زارك ولا سأل عنك بالرغم أنك تصلي معهم أربعة فروض.. في أي زمان نحن وعلى أي كوكب عايشين.. ليه الناس تغيرت وما أصبحت زي زمان.. يرد عليها زوجها قائلا الحمد لله لا زلنا بخير ولا نعلم ماذا يخبئ لنا الزمان.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
وراقيات
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved