الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 23rd January,2006 العدد : 137

الأثنين 23 ,ذو الحجة 1426

خطاب الأنا العربية بين التقليل والتضخيم
(قراءة في وعي الشخصية العربية) «9»
سهام القحطاني
أما الجانب الآخر من نتائج هزيمة 1967 فهو وقوف وعي الشخصية العربية الواقعي وجهاً لوجه مع مشكلاته من فقر وأمية، وزاد الأمر سوءاً إهمال النخب السياسية خطط التنمية، وانشغالها - بعد الهزيمة - بتصفية الحسابات وترحيل الاتهامات؛ مما أدى إلى تقوية قبضة الاستبداد والقمع، وأصبح أمر الثورة والثوّار أقرب إلى قول عبد الله القصيمي: (لقد مت, لقد مات ذكاؤك ورفضك وغضبك واحتجاجك ورؤيتك لأنك تغذيت طويلاً طويلاً بالخراب وبالفواجع وبالحشرات؛ لأنك تغذيت طويلاً طويلاً بعاهات (...) وذنوبها، وبعاهات الطبيعة وذنوبها، وبعاهات البشر وذنوبهم، وبعاهات ذاتك وذنوبها).
وانتفضت النخب الثقافية العربية الدكتاتورية الموالية للأنظمة الثورية المستبدة، بتضبيب وعي الشخصية الشعبية والتقليل من هذه الهزيمة بأن 1967م مجرد نكسة لا هزيمة ستتجاوزها القومية العربية.
لقد قسّمت هزيمة 1967م النخب الثقافية إلى قسمين؛ قسم كسّرته هذه الهزيمة فبدأ يمارس نوعاً من الانتحار النفسي من خلال جلد ذاته؛ كونها الممثل الرسمي أمامه الآن للقومية التي آمن بها، (فعند الصدمات الكبرى يبدو الشعور بالضعف أسهل العواطف التي تحرك وعي الإنسان ووجدانه)، وهذا القسم الذي كفر بفكرة القومية وبالثورة، منهم من أصبح وجودياً، فوجد في فكر سارتر وديكارت خروجاً نهائياً من الزيّ الوجداني لثقافته الأم، والباقي من هذا القسم ظل متشرداً ينظم من انكساراته النفسية أناشيد لخيالاته، غارقاً في غربته واغترابه وغموضه والعبث بعورات الأمة؛ من أجل تحصيل شهوة الاستمتاع؛ يقول مظفر النّواب:
كيف اندسّ بهذا القفص المقفل في رائحة الليل
كيف اندس كزهرة لوز
بكتاب أغانٍ صوفية
كيف اندس هناك على الغفلة مني
هذا العذب الوحشي الملتهب اللفتات هروباً ومخاوف
يكتب فيّ..
يمسح عينيه بقلبي
في فلتة حزن ليلية
يا حامل مشكاة الغيب بظلمة عينيك
ترنم من لغة الأحزان
فروحي عربية
ويقول أحمد مطر:
أيقظوني عندما يمتلك الشعب زمامه..
عندما ينبسط العدل بلا حدٍ أمامه..
عندما ينطق بالحق ولا يخشى الملامة..
عندما لا يستحي من لبس ثوب
الاستقامة
ويرى كل كنوز الأرض
لا تعدل في الميزان مثقال كرامة..
سوف تستيقظ.. لكنْ
ما الذي يدعوك للنوم
إلى يوم القيامة؟!
ويقول عمر أبو ريشة:
أمتي هل لك بين الأمم
منبر للسيف أو للقلم
أتلقاك وطرفي مطرق
خجلا من أمسك المنصرم
ويكاد الدمع يهمي عابثا
ببقايا كبرياء الألم
أمتي كم غصة دامية
خنقت نجوى علاك في فمي
أي جرح في إبائي راعف
فاته الآسي فلم!! يلتئم
ألإسرائيل تعلو راية
في حمى المهد وظل الحرم!؟
كيف أغضيت على الذل ولم
تنفضي عنك غبار التهم؟
أوما كنت إذا البغي اعتدى
موجة من لهب أو من دم!؟
كيف أقدمت أحجمت ولم
يشتف الثأر ولم تنتقمي؟
اسمعي نوح الحزانى واطربي
وانظري دمع اليتامى وابسمي
ويقول نزار قباني في قصيدته (وفاة العرب):
أحاول أن أتبرأ من مفرداتي
ومن لعنة المبتدأ والخبر..
وأنفض عني غباري
وأغسل وجهي بماء المطر...
أحاول من سلطة الرمل أن أستقيل..
وداعا قريش...
وداعا كليب..
وداعا مضر..
أحاول منذ بدأت كتابة شعري
قياس المسافة بيني وبين جدودي العرب
رأيت جيوشا.. ولا من جيوش....
رأيت فتوحا... ولا من فتوح....
وتابعت كل الحروب على شاشة التلفزة....
فقتلى على شاشة التلفزة....
وجرحى على شاشة التلفزة.
ونصر من الله يأتي إلينا على شاشة التلفزة...
ويقول أحمد مطر:
ما تهمتي... تهمتك العروبة... قلت لكم ما تهمتي... قلنا لك العروبة.. يا ناس قولوا غيرها.. أسألكم عن تهمتي ليس عن العقوبة.
ويقول في نص آخر:
الإعدام أخف عقاب... يتلقاه الفرد العربي... أهناك أقسى من هذا؟... طبعا.. فالأقسى من هذا.... أن يحيا في الوطن العربي!!
أما القسم الثاني فكان الموالي للأنظمة الثورية وتحددت مهامه في عمليات تجميل وجه القومية الذي حرقته هزيمة 1967م، وبعد سقوط الأنظمة الثورية، لفّت هذه النخب حبلها على بلدان (النفط)!
هذا التقسيم أخرج وعي الشخصية العربية بهمومها وإشكالاتها المادية والتعليمية والتنموية من دائرة اهتمام النخب الثقافية. واختلاف محتوى وعي الشخصية الشعبية الواقعي عن محتوى وعي النخب الثقافية الفوقي والمخادع، أدى إلى أزمة عدم التطابق بين حدّ التلاؤم ومقاربة الواقع ما بين الوعي الفوقي للشخصية النخبوية بشقيها السياسي والثقافي والوعي الواقعي للشخصية الشعبية.
ومن الأزمات التي افتعلتها النخب الثقافية العربية الدكتاتورية أزمة النفط عندما قسمت وعي الشخصية العربية بدرجاتها المختلفة إلى كائن نفطي وكائن غير نفطي، مجتمع نفطي ومجتمع غير نفطي، ثقافة نفطيّة وثقافة غير نفطية، مضيفة نوعاً آخر من التشطيرات للوعي العربي (التي لم تجلب للعرب غير الفرقة) - مساءلة الهزيمة - محمد جابر الأنصاري - ص69، وأعطى هؤلاء المثقفون أنفسهم حق تقويم المجتمعات النفطية وخاصة المجتمع الخليجي، كونهم مجتمعات بدوية لا تقدّر قيمة هذه الثروة، مسفهة كل سلوك ناتج عن أصحاب المجتمعات النفطية، مبلورين قاعدة سلوكاتهم (الذين لا تحتوي رؤوسهم إلا على ما يطلبه البطن والفرج)، وإن كان ذلك جزءاً من الحقيقة لكنه لا يمثل الحقيقة كلها (واختزالها بهذا الشكل لا يزيد الصورة السريلبية العربية الشاملة إلا تشوشاً) - مساءلة الهزيمة - محمد جابر الأنصاري - ص 76 ومسطّحين كل فكر ناتج عن أصحابه، وكأنهم هم من يمثلون الفكر الأعلى والسلوك الأرقى وهم مجرد ثلة من المرتزقة، يسيرون في ذيل كل من يدفع لهم، يبيعون أوطانهم من أجل حفنة دنانير. إن الاعتبارات التي يقدمها هؤلاء المثقفون المرتزقة، في تقويم المجتمع الخليجي النفطي، بأنه تقدم شكلاني، لكن بنيته الأولى ما زالت معفرة بتراب البداوة وبروث الأغنام وبخشونة الصحراء، وبجاهلية العصبية، أنستهم في ضلال غرورهم أن المجتمع الخليجي النفطي استطاع في سنوات أن يحقق من التقدّم التنموي ما عجزت عنه المجتمعات الثورية. أما فيما يتعلق بمشكلات المجتمع الخليجي من غياب للديمقراطية والبطالة وحقوق المرأة، فهي مشكلات تشترك فيها كل المجتمعات العربية، ولعل المنطق يحاكم المجتمع الأقدم في إخفاقه في حلّ مشكلاته.

seham_h_a@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved