الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 23rd January,2006 العدد : 137

الأثنين 23 ,ذو الحجة 1426

النظرية العربية عند النقاد القدامى من منظور حديث
ابن طباطبا والنقد الأدبي الحديث 7

*د. سلطان سعد القحطاني
نالت نظرية ابن طباطبا شهرة أكثر من غيرها في الزمن الذي ظهرت فيه، وهو زمن ازدهر فيه الفن الأدبي وتعقد في آن واحد، وتأثر العلم بالعلوم الأخرى بالرغم من الإبداعات الكثيرة التي ظهرت في هذا القرن، مما حدا بابن طباطبا وأمثاله إلى تأليف مصنفات عن الحياة الأدبية وتصحيح الكثير من المسارات النقدية والعلمية العربية، في مواجهة التيارات الأخرى في شرق الدولة العربية الإسلامية بالتحديد، فقام بتصحيح بعض المغالطات النقدية في حق العرب، وخاصة موضوع التشبيه عندهم، ووصف أركانه وما يجب أن يكون التشبيه عليه من أركان لا يكتمل إلا بها، ودافع عن المفردات العربية التي لم يفهمها من تعلم العربية ولم تكن دارجة في زمانهم، وأكد على أن الفن ينبع من بيئة المبدع.
وسنذكر بإيجاز بعض آراء الدارسين للنقد الأدبي الحيدث: يقول الدكتور بدوي طبانة: (وقد تحدث عن طريقة العرب في التشبيه وانتزاعه من بيئاتهم وحياتهم في كلام نقدي بديع) ويلاحظ ابن طباطبا أن التشبيهات العربية نابعة من تكوين العرب ومدركاتهم الحسية، ولذلك لابد للدارس من فهم أحوال العرب، وهذه ملاحظة ربما لم يسبق إليها، وهي من الملاحظات النقدية التي يجب على الناقد التمسك بها، وألا يعزل المبدع عن إبداعه. وله في التشبيه رأي لم يسبق إليه، فهو يرى أن التشبيه الكامل ما تعادل فيه المشبه والمشبه به فإذا عكس التشبيه لم تتغير صورته، وربما يكون في هذا الكلام مبالغة في التشبيه عند البلاغيين، وقد حدده في ثمانية أقسام، وفيه نقص كثير، لكنه من الدراسات الرائدة في مجاله في زمن لم يأخذ علم الأسلوب العربي وضعه الحقيقي، وهنا ملاحظة جديرة بالاهتمام، لاحظها عليه الدكتور محمد زغلول سلام: (لا نستطيع أن نلومه في هذا التقصير فالدراسات الأسلوبية لا تزال في مراحلها الأولى ولم يسبقه من حدد جوانب التشبيه وأركانه وضروبه ومن تفوقه فيه بل كانت كل دراسات سابقيه التي تتعرض للتشبيه، تتناول جوانب منه وتغفل أخرى، وربما كان هو أكثرهم تحديداً وتعديداً..) ولا نود أن نغالي في نظرية ابن طباطبا وابتكاراته، بل إنه - كغيره من النقاد - تأثر بمن سبقه كما ذكرنا من قبل وخاصة ابن قتيبة والجاحظ وأثر فيمن بعده، لكنه تفرد بآراء لم يسبق إليها، كوحدة القصيدة، وقد أشاد النقاد بهذه الجهود، ممن ذكرنا وممن سنذكر بعد قليل، ومنها:
1- تعليله وبيان سبب استحسانه للنص الأدبي أو استهجانه.
2- بالرغم من اعتماده على الذوق، لم ينجرف وراء النص بتحيز.
فالذوق عنده لا يعني جودة النص من رداءته، لذلك عده الدارسون من النقاد الموضوعيين، ويذكر الدكتور محمد غنيمي هلال أصالة ابن طباطبا وتقدمه في زمانه، من خلال المعالجات الفنية في موضوع الصدق الفني، فيقول: (أصالة الكاتب في تعبيره ورجوعه فيه إلى ذات نفسه لا إلى العبارات التقليدية المحفوظة، وهذا الصدق الفني أو الأصالة هو أساس تقدم الفنون جميعاً) وكان الموضوع الذي طرقه النقاد في مجملهم في زمان ابن طباطبا ومن جاء بعده، ولم ينته إلى نتيجة علمية مرضية، وكان لابن طباطبا رأي فيه استحسنه الدارسون في القديم وفي الحديث، وهو موضوع (السرقات) وهذه الكلمة ثقيلة على السمع ومباشرة للغاية، وكان ممن انصف المحدثين في زمان كانوا فيه في محنة من قلة المعاني التي سبقوا إليها، ومثلها الغموض ولم يتفهمها النقاد ولم يضيفوا إليها شيئاً جديداً، وقد أشار بعض الدارسين لأدب تلك الحقبة من المحدثين إلى جهود ابن طباطبا فيما يخص هذا الموضوع، ويعترف الدكتور محمود السمرة بفضل ابن طباطبا في هذا المجال، فيقول: (والجديد عن السرقات في كتب العامة في النقد والبلاغة تقع عليه في عيار الشعر لابن طباطبا العلوي: فقد تكلم عن المعاني الشعرية، وكيف أن الشعراء السابقين قد غلبوا عليها، وبذلك ضاق السبيل أمام المحدثين فلم يكن من التقليد والأخذ بدٌّ.. ولكن إذا تناول الشاعر المعاني التي سبق إليها فأبرزها في أحسن الكسوة التي عليها لم يعب، بل وجب له فضل لطفه وإحسانه فيه).. فالدكتور السمرة يرى أن ابن طباطبا خلص هذه الفئة من التهمة السخيفة التي ألحقت بهم وإذا عدنا إلى رأيه في نظم المنثورة ونثر المنظوم في النص الأدبي نجد ملاحظته في مكانها، وقد أجريت بحثاً على هذا الموضوع واتخذت قصيدة الحطيئة وطاوي ثلاثاً) نموذجاً لهذه الدراسة ووجدت أنها نواة للرواية قبل أن يظهر تكنيكها الحديث في أوروبا، وأنها كاملة الأركان الثلاثة التي تحدث عنها النقاد والمنظرون البريطانيون على وجه التحديد، كما أن وحدة القصيدة قد نالت حظاً من العناية، وهذا سبب من الأسباب التي جعلته يتميز عن غيره في الموضوع الذي عالجه، فآفة السرقة كما تناولها النقاد العرب منشؤها من اتخاذ البيت الواحد نموذجاً للمطابقة في النقد العربي، بينما نموذج النقد الغربي وحدة القصيدة، لذلك لم يعتبر الغربيون تقليد شاعر لآخر سرقة، وحددوه بمصطلح(Imitation) أي المحاكاة، واشترطوا فيها الإضافة، فما دام أضاف جديداً من نفسه إلى ما قلد فليس بسارق، ولهذا لم يتهموا الشاعر (كيتس) (john Keats) بالسرقة من شكسبير، لأنه تأثر بفنه وأسلوبه الشعري، ومن هذا المنطلق يمكننا إعادة قراءة نقد ابن طباطبا، من خلال قراءة النص الكامل، سواء كان نصاً شعرياً أو نصاً نثرياً، يقيم من خلال وحدة عضوية واحدة، في هيكل كلي.
ونخلص من هذه الدراسة إلى ما يجب علينا من إعادة لقراءة التراث العربي النقدي برؤية جديدة تواكب الدراسات العالمية، ودراسة التراث النقدي تتطلب منا الوقوف أمامه واستخراج ما يتفق منه مع النقد الحديث، وبذلك نكون لنا منهجاً نقدياً بجانب الدراسات الأخرى، وما يتفق مع الثقافة العربية بين القديم والجديد.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved