الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 23rd January,2006 العدد : 137

الأثنين 23 ,ذو الحجة 1426

أبو بكر باقادر في حوار حول مشهد الثقافة بالمملكة:
وزارة الثقافة ليست

*الثقافية: عبدالله السمطي:
(أتمنى أن يشكل المثقفون هياكل ثقافية محايدة وموضوعية هدفها أن تساعد وتدعم وتحتضن وترعى وتشجع وتوسع من تأثير وصول الثقافة إلى أكبر مدى ممكن، وهنا في هذا المجال أتصور أن وزارة الثقافة والإعلام يتمثل دورها في ألا تعطل أو تربك أو تكون لها وصاية أو تتدخل في هذا الشأن أو ذاك. لها أن تحمي، وأن تساعد).. هكذا يتحدث الدكتور أبو بكر باقادر وكيل وزارة الثقافة والإعلام للعلاقات الثقافية في حوار معه حول ما يشكل تصوراته للعمل الثقافي في المرحلة المقبلة، ورأى باقادر أنه ينبغي أن ننظر إلى الخطاب الثقافي باعتباره خطابا آخر يعكس روح المجتمع وتطلعاته، ويقدم وجها آخر إنسانيا للمجتمع، وأشار إلى أن ما تميزت به الثقافة في العقدين الماضيين هو صلابة وارتفاع صوت وصورة الخطاب الديني على حساب الخطابات الثقافية الأخرى، وبالإضافة إلى محاور أخرى ثقافية ونقدية عبر باقادر عن رؤيته لتقديم عمل ثقافي متميز، كما تطرق لبعض قضايا المشهد الثقافي، وهذا نص الحوار:
* التغيرات التي شهدتها المملكة بعد أحداث 11 سبتمبر هل تتطلب تغيرات أخرى في الوعي الثقافي في المؤسسة الثقافية بوجه عام؟
- المؤسسات عندنا، لم تعكس التنوير والامتزاج الموجود في هذه البلاد المترامية الأطراف حتى من كان لديه تجارب مختلفة أحيانا، فالادعاء بأنه لا تاريخ في الثقافة خارج نطاق الخطاب الديني أمر يحتاج إلى برهان.
بل إن الدلائل تشير إلى عكس ذلك، وهذا أمر استمر أحيانا بصوت عال، وأحيانا بصوت منخفض.
ما تميزت به الثقافة في العقدين الماضيين هو صلابة وارتفاع صوت وصورة الخطاب الديني على حساب الخطابات الثقافية الأخرى التي أصبحت محدودة الجمهور، ولعلها أحيانا تصطدم ببعض الأفكار الموجودة في الخطاب الديني السائد وبالذات في المرحلة المعروفة بالصراع بين الجناح الديني أو السلفي والحداثي، وللأسف هذه الفترة صورت الأمر كما لو كان معارضة ومواجهة بين الخطابين، مع أن مسألة التقاطع الثقافي قد تكون واردة بين الجناحين، فالثقافة تنهل من التراث ومن المخزون العربي والإسلامي.
صحيح لقد جنح بعض الشعراء من تيار الحداثة إلى استخدام بعض الرموز القديمة الموجودة في المنطقة لدى البابليين والآشوريين والكنعانيين، أو رموز بربرية قديمة أخرى، وهذه رموز تستخدم شعريا، يمكن أن نتفهم بعضها، وبعضها يعد خروجا على الذائقة.
وفي المملكة العربية السعودية فإن الصوت الأكثر حداثة هو ما ينسجم ويدخل في إطار ثقافة المجتمع، وما أخذ به من رموز عبارة عن اقتباسات، بعضها في سياقه وبعضها خارج عن سياقه من أشخاص قد يكونون رموزا للتجديد في الشعر العربي، لأنهم إما من دين آخر وإما من مذاهب إسلامية تعتبر خارجة عن الإجماع العام.
* وهل ترى أن ثمة تطورات ثقافية حدثت لإبراز الخطاب الثقافي؟
- أرى أن هناك تغيرا في الخطاب الثقافي في جميع عناصر الثقافة، والسؤال هو عن مشروعية هذا الخطاب وجماهيريته أو ظهوره العام الموجود في الأوساط العامة، ودعنا نأخذ مثلاً: الفنون التشكيلية، فهي قائمة ونجد بعض المدن مشهورة بفترة النشاطات التشكيلية والفنون الفوتوغرافية، وتوجد مساحة لا بأس بها من المعارض وصالات العرض، وبالنسبة للفنون المسرحية فهي أبرز ما تكون في الجامعات، وفي العقد الأخير تشهد المملكة طفرة كمية ونوعية في هذا المجال، وكذلك في الشعر، وفي القصة القصيرة التي وصلت إلى مرحلة النضج الفني، ويمكننا أن نتباهى بوجود هذه التجربة القصصية الفنية، وهناك عدد كبير من الأمسيات الشعرية والقصصية.
وبالنسبة للحركة النقدية أعتقد أنها بدأت تزدهر، وأصبح هناك أصوات شابة كثيرة بعضها تقليدي يأخذ آليات النقد العربي القديم، وله دراسات في الشعر العربي القديم ولبعضها توجه أكاديمي، وهناك أيضا اهتمام بالرقصات الشعبية، ويقدم مهرجان الجنادرية السنوي مساحة كبيرة من الإبداع على هامش فعالياته. الثقافة إذن موجودة، لكن السؤال هو كيف نطور ونوسع من إطار الفنون في المملكة خاصة مع تشكيل وزارة الثقافة والإعلام، نتمنى من الدولة أن توسع من هذا المشهد الثقافي بشكل كبير. فالدولة في اعتقاد المثقفين ليست لديها أية موانع من ممارسة الفنون بشرط أن تستوفي الشروط الثقافية والمجتمعية للمتلقي.
* هل ثمة لملمة لخطاب ثقافي واحد ومركز حتى يمكن القول بتأثيره؟
- الجهود التي كانت متناثرة، وقد كانت جهودا عظيمة وموفقة، الآن بسبب ضمها وجمعها مع بعضها البعض نتمنى أن تفرز منها مؤسسات ذات فاعلية أكبر، كما نتمنى أن تساند الخطابات الثقافية والخطابات الدينية بعضها البعض، وقد كان الفقهاء الذين يتعاملون مع النصوص الدينية ينظرون بشكل جيد للفنون، وكثير من الفقهاء كانوا يقرضون الشعر، فينبغي أن ننظر إلى الخطاب الثقافي باعتباره خطابا آخر يعكس روح المجتمع وتطلعاته، ويقدم وجها آخر إنسانيا للمجتمع لا يتقيد بشكل حرفي بقواعد معينة أو تصورات معينة، وكل جيل جديد يمكن أن يبدع بشكل عام.
* هل النشاطات الثقافية التي كنت تشرف عليها في وزارة الحج بزخمها الكبير يمكن أن تنتقل إلى وزارة الثقافة والإعلام بعد انتقالك إليها؟
- أتمنى ذلك، وأنا أعتقد أن السيد إياد مدني هو رجل مثقف قبل الوزارة، وبعد الوزارة، وهو رجل يؤمن برسالة الكلمة ورسالة الحوار والفكر. أنا أتوقع أن ما يحصل هو أمر طبيعي جدا خاصة أننا نتحدث أيضا عن جانب من الوزارة وهو الثقافة. العالم العربي والإسلامي المحيط بنا يذهل من المصادر الأساسية للثقافة العربية الإسلامية، ونحن نمثل قلب العالم العربي، فاصحاب المعلقات كانوا في جزيرة العرب، واللغة العربية الفصحى، وأرضنا هي أرض الرسالة الإسلامية، ومكان الحرمين الشريفين، فيجب أن تكون ثقافتنا على هذا القدر من التميز.
* بإشارتك للتراث، هل من الممكن أن تقيم المملكة مهرجانا ثقافيا يحمل اسم (سوق عكاظ)؟
- من الممكن ذلك، ولكن بلا شك نتطلع أن يكون هناك تفعيل ثقافي متميز، بحيث يكون سوق ثقافة حقيقيا، لأن أسواق الثقافة تأخذ أشكالا مختلفة بعضها شكل معالم، وبعضها طرح صيغة ثقافية معينة، وأعتقد أن تجربة الأيام الثقافية السعودية في تونس كانت ركيزتها الأساسية على تقديم المشهد الثقافي بكل فنونه، من حيث الفنون التشكيلية والزخرفية والخط والأدب: شعراً وسرداً ونقداً، والمسرح، والفكر. وعبر هذا التنوع يمكن أن تتميز السوق الثقافية.
* ما يلحظه كثير من المثقفين أنه لا يوجد نوع من الحراك أو التواصل الفكري والثقافي بين الجامعة والمجتمع.. هل ترى أن للأكاديمية دورا بارزا في تحريك الخطاب الفكري في المجتمع السعودي؟
- إن المؤسسات - كما يقول علماء الاجتماع عادة - لا تتغير بداخلها إلا ببطء، وما يسمى بالحرس القديم يكون متمسكا بالقديم سواء بالمشهد الأكاديمي أو الثقافي أو الاقتصادي وليس فقط في المملكة العربية السعودية، بل في جميع أنحاء العالم. الذي يحدث هو تغيير في بعض المفاهيم يؤدي إلى تراكمات، ويسمو إلى تغيير في تلك الأوساط.
أمامك ما شهدناه في الثلاث سنوات الماضية حيث أدخل عدد كبير من المفاهيم الجديدة التي لم تكن موضع طرح، والتي كان الناس يتوجسون منها بداعي أنها لا تمثل الاتجاه العام أو لا تمثل الطرح الذي يتوقع به المجتمع أن تتم به معالجة القضايا والأمور، ولا شك أن هذا سوف يكون له تأثير. ستكون هناك مقاومة، سيكون هناك من يتردد أو يفكر في هذه الأمور، لكن أعتقد أننا بدأنا نتلمس الطريق، ونشاهد الحيوية ففي الصحافة السعودية مثلا هناك رؤية جديدة في تناول كثير من الموضوعات وسوف ينعكس ذلك بلا شك على الوسط الأكاديمي، وما طرحته أنت فيما يخص الرسائل العلمية أعتقد أنه قائم.
أنا بحكم ممارستي للتدريس أشعر بأن موضوعات الرسائل بدأت تسعى لمعالجة موضوعات ما كانت تطرح من قبل، أو لم تكن قضايا قائمة.
أيضا بالنسبة لأساليب التعليم ونوعيته، أعتقد، لأسباب ليس لها علاقة بالأحداث الأخيرة ولكن لها علاقة بنوعية الخريجين، والأعمال التي يمكن أن يتخرجوا بها كان لها تأثير كبير جدا في إعادة هيكلة كثير من البرامج التعليمية قبل المطالبة من قوى خارجية، وطبعا القوى الخارجية لعلها أعاقت في بعض الأحيان، ولكنها أيضا بسبب مشروعات معينة خاصة بالعلاقات الدولية والأخذ بالاعتبار ما يجري في العالم.
* انتقدت بشكل واضح في مقالة مطولة لك بمجلة المجلة ما طرحه الدكتور عبدالله الغذامي في كتابه: (حكاية الحداثة).. ما الموقف بالضبط؟
- الدكتور عبدالله الغذامي صديقي، ومن الاشخاص الذين أعتز بصداقتهم وأخوّتهم، وما زلت أكرر أنه أحد الرموز الكبيرة، ليس في المملكة العربية السعودية فحسب وإنما في العالم العربي.. ولقد ذكرت من قبل عبارة: أنا لا أستطيع أن أتخيل الساحة الثقافية في المملكة العربية السعودية، أو ربما حتى في العالم العربي دون تأثير الدكتور عبدالله الغذامي.
إن الدراسة التي نشرتها أتمنى أن تكون موضوعية، ولا شك يبقى التفسير والتأويل الإنساني عرضة للمراجعة.
لكن أنا درست كتابا محددا هو: (حكاية الحداثة) وكان لي وجهة نظر، ولمعرفتي الشخصية بالدكتور عبدالله الغذامي، ومدى سعة صدره ومحبته للنقد، وأنا متأكد أنه اطلع على ما كتبت وحتى لا يحرجني لم يتصل لا معاتباً ولا مستفسراً.
* أخيرا.. بماذا تبشرون المثقفين الذين يترقبون الجديد من وزارة الثقافة والإعلام؟
- أريد أن اقول أولاً: إن الثقافة هي شأن عام، يلعب فيه المثقف دوراً كبيراً، وبهذا فإن نجاح فاعلية تنمية الثقافة هو أمر يعود بدرجة كبيرة على المثقفين. لابد للمثقفين أن يكسبوا ثقة الناس في أن لديهم الكثير مما يقدمونه، وأن ما يقدمونه نافع ومبهج وممتع للمجتمع، هذه المسؤولية الأولى.
وأتمنى أن يشكل المثقفون هياكل ثقافية محايدة وموضوعية هدفها أن تساعد وتدعم وتحتضن وترعى وتشجع وتوسع من تأثير وصول الثقافة إلى أكبر مدى ممكن، وهنا في هذا المجال أتصور أن وزارة الثقافة والإعلام يتمثل دورها في ألا تعطل أو تربك أو تكون لها وصاية أو تتدخل في هذا الشأن أو ذاك. لها أن تحمي، وأن تساعد.
وأعتقد أن الوقت ملح في إعادة التفكير في نوعية ما نتصوره بما هو (ثقافي) ولعل في كثير من البلدان العربية يظنون أن الهدف الثقافي يتمثل في الشعر والسرد والدراسات النقدية، ويختصر الأمر في هذا.
أعتقد أن المسألة أوسع اليوم، وأن كثيرا من ألوان الاهتمامات الثقافية تسمح بالفنون السمعية والبصرية والمحسوسة ضمن هذا الإطار الثقافي، وأيضا يؤخذ في الاعتبار كثير مما يجري في الحياة اليومية وورودها على شكل مأكل أو ملبس أو صورة من صور قضاء وقت الفراغ أو حتى ما يستجد من فنون وما يرد في الشبكة العنكبوتية العالمية وهذا كله يدخل في مجال الثقافة.
بل وأتمنى أن تحظى المعارف الاجتماعية بالاهتمام، تلك التي تجعل حياة المجتمع نفسه موضعا للتأمل والبحث والدراسة.
أتمنى أيضا على وزارة الثقافة والإعلام أن تؤكد على مسألة: ذاكرة المجتمع وتحولاته من عقد إلى عقد، ويأتي اليوم الذي نذهب فيه مثلا إلى متحف حتى لنعرف ما كان عليه المجتمع في الستنييات أو السبعينيات أو التسعينيات.
أتمنى أن ندخل في فنون السينما وبالذات السينما التوثيقية بحيث نشاهد أفلاما تصور الحياة العامة الاقتصادية والسياسية والثقافية والتاريخية ... إلخ كما أتمنى أن تكون هناك هيئة لكتاب تنشر وتوزع بشكل واسع وتشجع على تنشيط القراءة لأنها أمر هام في حياتنا، وأن تسهم المملكة بثقلها الديني والمالي في مشاريع ثقافية فكرية كما تعمل كثير من الدول العربية وبعض دول الخليج تحديداً.
إن جزءاً كبيراً من هذه المسؤولية يقع على عاتق المثقف.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved