الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 23rd January,2006 العدد : 137

الأثنين 23 ,ذو الحجة 1426

(شظايا العمر) ديوان شعري

د. أحمد الخاني
في ثلاثائية النادي الأدبي بالرياض بتاريخ 11-11-1426هـ وزع النادي ديوان (شظايا العمر) للشاعر خالد بن محمد الخنين، وهو ديوان من القطع المتوسط أنيق يقع في 276 صحيفة. عنوان الديوان هو عنوان القصيدة الأولى فيه ومطلعها:
بسطت له النجاح هوى فآبا
خريف شب في عمري فشابا
ثم يأتي عنوان: (من كتاب الحياة) وهو من شعر التفعيلة، وهو ما تجاوزته قراءتي لهذا الديوان، فأنا أريد أن أقرأ شعراً، وما يسمى بشعر التفعيلة ليس بشعر، وهذا ما جعلني أصاب بالإحباط في تلك الأمسية التي أعلن عنها في جوالي أنها شعرية، وإذا بي أضيع وقتي لأسمع نثراً عدا بعض المقطعات التي لا تبين ملامح الشاعر الشعرية.
قصيدة: (أحلى المنى) ومطلعها:
غني لنا فإن الشدو ملء حياتي
غني لنا ياحلوة الخفرات
ثم يأتي عنوان: (أمطار الهوى) ومطلع قصيدته:
يا أيها (الحلم) الساري به الخبر
ماذا أقول (لعصر) كله كدر؟
وما زال شاعرنا يراوح بين شعر التفعيلة والشعر العمودي إلى أن نقف على رائعة الديوان.
(إلى بيروت) والواقع أن هذه القصيدة هي التي شدتني إلى الكتابة عن هذا الديوان.
(إلى بيروت) قصيدة بلغت 52 بيتاً.
تفاحة العشاق خدك واليد
وقصيدة الشعراء أمسك والغد
قرأت القصيدة وتذوقتها ولأتبين الآن معالمها فلأقم برحلة معها لأعلى الطريقة الحداثية في تشريح النص، فالنص ليس بجثة ميتة، وإنما النص زهرة فلأستنشق عبيرها، وهي (تفاحة.. كما قال شاعرها) فلأشم مسكها ولأتأمل جمالها على طريقة الجرجاني في شكلها ومضمونها أو على طريقة مدرسة بدر الشعرية في أن نكتشف (الشاعر) من وراء الألفاظ والتراكيب. (تفاحة): بيروت تفاحة وماذا تعطي هذه الفاكهة؟
تعطي الجمال في الشكل، لقد استحالت بيروت إلى تفاحة بمنظرها الجمالي، وماذا في التفاحة؟ التفاحة حلوة، وهذا التذوق الحسي، والتفاحة ذات عبق عطري، فبيروت حلوة حساً ومعنى، وهذا ما يوحي بأن الشاعر عاشق بيروت في إحساسه ووجدانه أو أن بيروت سكنت في أعصاب الشاعر، وفي شرايينه وفي دفق كل قطرة من دمائه، كما أنها عاشت في مخيلته سكنتها وكانت مصدر إلهامه وإيحاءاته.
وبيروت بالنسبة للشاعر أكثر من تفاحة بيروت طلبة الشعراء ومصدر إلهامهم.
وما زالت مواسم العطاء من بيروت تنثال على عقل الشاعر الباطن، وما زالت العين التصويرية تمد الشاعر بالصور الإبداعية المؤتلقة.
وحصانك المسروح من حبق ومن ورد بذاكرة المواسم يشرد حصان بيروت من ورد أو سرج حصان بيروت من ورد ولو غير الشاعر كلمة (حبق) إلى (فل) لكان أجمل.
الأرز.. الميناء، الشاعر الفنان وظف هذه الحلية:
قمران في شفيك وجه صبية
وقصيدة في بال ارزك تولد
لنسلم على عميد البلاغة العربية عبدالقاهر
الجرجاني ونسأله عن كنه هذه الصور في هذا البيت فماذا يقول؟
يقول الجرجاني: شبه الشاعر بيروت بالفتاة الجميلة وشبه شفتيها بفلقتي القمر وشبه حروفها بأنفاس شعر، وشبه الشاعر الأرز بالفتاة حذف المشبه به وأبقىعلى شيء من لوازمه وهو الولادة.
لنعش مع القصيدة نفسها لنسألها:
كيف انصهرت نفسية الشاعر في بيروت الجميلة؟ كيف اتحد جمال الطبيعة مع نفس الشاعر العاشقة للجمال؟ كيف انصهر شاعر التروبادور الجوال في آفاق بيروت، وجهها، أرزها، مينائها، كيف طويت الحجب بينه وبين بيروت، كيف ألقت إليه بيروت بكنوزها الجمالية؟.
فبأي ميناء سأرسي مركبي
والموج يرغي في الضفاف ويزيد؟
ولأي دوح سوف يأوي طائري
والحب في أضلاعه يتنهد؟
ولنا وقفة خاصة عند هذا البيت
بيروت، جئتك حاملاً في دفتري
ذكرى، برجع حروفها أتعبد
وهذا المعنى عندنا لا يصح، وكأن من حق الشاعر الذي أنبتته أرض الوحي واستظل بسمائها أن يقول:
بيروت جئتك حاملاً في دفتري
آياً، برجع حروفها أتعبد
لأن الشاعر امتداد لأجداده العظماء الفاتحين الذين حملوا الراية باليمين ونقلوها إلى العالمين.
والشاعر متمكن من فنه الشعري، وقد ربط بين مسقط رأسه وبين بيروت بتواصل وجداني:
أنا قادم، ورد الرياض جوانحي
وعلى ذرى جبل الخلود أغرد
(ذرى) جمع ذروة فحقها الكتابة بالألف الممدوة (ذرا) ثم يوظف شاعرنا تاريخه الغرامي توظيفاً موفقاً، فهذا الصمة بن عبدالله القشيري العاشق الذي مات ويده على كبده وتحت رأسه قصيدته ومنها:
وليست عشيات الحمى برواجع
عليك ولكن خل عينيك تدمعا
فيقول الشاعر:
لي من (عشيات الحمى) متفيأ
وشذى صبا نجد بها لا يجحد
فلو كانت (يتورد) بدل (يجحد)
ثم يؤكد الشاعر هذا القاسم المشترك الوجداني والحضاري بين الأرز والنخيل أو بين الشعبين معاً:
ما بين أرزك والنخيل أخوة
وهو بكل قضية يتأكد
ويوظف حب عمر بن أبي ربيعة لهند ويعرج على الأخطل الصغير وهؤلاء رموز شعراء الحب قديماً وحديثاً.
ويختم الشاعر رائعته بهذا البيت:
قلبي - ويا بيروت - نبع سائغ
للشاربين ودرة لا ينفذ
والكلمة الأخيرة يجب حذف النقطة ليصبح الحرف دالاً (لا ينفد) فماذا بعد؟
لقد بسطنا ساحة الشاعر البيانية، ورأينا شاعرية متوقدة فطرية، رأينا شاعراً ذا طبيعة رومانسية، وقد أدى هذه الدفقة الشعورية بقيمة تعبيرية مبدعة فجاءت أساليبها لولباً من الصورالأنيقة التفجرية أساليب متوقدة لا ترهل في مكامنها، وقد أدى هذه العطاءات بأسلوبين مختلفين: أسلوب الأصالة وأسلوب الشعر المبتور أو المنتوف وشعراء هذا الشعر أصناف ثلاثة:
1 - شارع لا يقول إلا الشعرالحر، وهذا من الشعراء الملونين.
2 - شاعر يهرب من الشعرالاصيل إلى شعر التفعيلة وذلك هو الشاعر الكسيح الذي يخاف الكسر في الوزن والإيقاع.
3 - شاعر متجمل هو الذي ينظم الشعر الأصيل ويتجمل بشعر التفعيلة ومن هؤلاء شاعرنا.
شعر التفعيلة أقمت له ندوة في خيمة الأدب في بيتي، وكان أقطابها المتحاورون الفريق يحيى المعلمي- رحمه الله- والدكتور عدنان النحوي وأحمد سالم باعطب وأحمد يحيى البهكلي وسناء الحمد بدوي.
وقد سجلت هذا الحوار وضمنته كتابي (الصالونات الأدبية في المملكة العربية السعودية) تدور به الآن أحبار المطابع.
وقد رفعت إلى نازك الملائكة رسالة مفتوحة حاورتها في الشعر الحر من خلال طرحها لنظريتها هذه في كتابها (قضايا الشعر المعاصر) نشرتها جريدة الجزيرة وطبعتها في كتابي.
(القهوة والحب) ولما وقفت نازك على رسالتي تراجعت عن الشعر الحر واقتصرت على الشعر الأصيل- رحمها الله-، فما بال شعرائنا يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟!
أقترح على شاعرنا أن يعيد صياغة شعر التفعيلة بأسلوبه الأصيل على غرار قصيدته (بيروت) أو أن يلغي هذا النثر من ديوانه، ويكتفي بالأصالة حتى نسمع منه الشعر.
ولا يستشف من شاعرنا مذهب معين في الحب، وإن أسقط انطباعاته على بعض رموز هذا الحب، فالصمة القشيري من أصحاب الواحدة وعمر ابن أبي ربيعة من أصحاب التعدد، ولا أريد أن أطيل على القارئ، فشكراً للشاعر على إبداعه.
وشكراً للنادي الأدبي راعي الكلمة المضيئة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved