الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 23rd February,2004 العدد : 47

الأثنين 3 ,محرم 1425

قصة قصيرة
خواء
منى وفيق المغرب

حالمة سهلة البكاء أنت.. نورس جنونك يحلّق في فضاء الحلم.. وما تلبثين تمضين وحدك إلى وحدك..
كذا تهمس لي ذاتي الّلعينة الّتي أقسم أنّها جحيم آخر.. وأيّ جحيم!!..
فراغ روحيّ رهيب يجتاحني هذا الصّباح.. تناولت بإفراط كبير كلّ علب الشّكولاته.. كسّرت كل هداياهم فهي مرايا ملامحهم البذيئة.. صرخت وصرخت وصرخت ما دامت الكلمات سرّ شهوة الجسد..
فعلت كل ما قد يكون أفقا للانفجار ولا جدوى!!.. هو ذا الوجع يتناسل فيّ.. حتّى أنّي أكاد أسمع تنهيداتي المتألّمة.. بروحي الخرساء وجسدي الّذي لا يبصر، أقرر الذّهاب إلى الجامعة علّ هذا الخواء اللّعين الّذي يستوطن كل ذرّة من كياني يغادرني أخيرا..
يستقبلني فكري بابتسامته الطّفوليّة الرّامزة لغد أفضل وأجمل. وبفراسته اللامعهودة يلحظ عينيّ الدّامعتين.
يشتمّ رائحة الحزن والاحتراق الّتي تفوح منهما بشدّة.. ويسألني مازحا:
أتراه الحبّ هو سبب بريق العذاب هذا الذي أراه ينزّ من مقلتيك الحجريّتين؟!
أبتسم له دون أن أعلّق.. بيد أنّ ذاتي اللّعينة تجيبه رغما عنّي:
ماذا لو علمت أنّها كانت متيّمة بهواك حتّى وقت قريب؟!! لكن.. الأكيد المؤكّد أنّك لا تدري أنّ بقلبها كما في أيّة قصيدة أشياء لا يفهمها أحد.. هي أكبر من أي حبّ أو هيام!
لا رغبة لي بالحديث لذا أستأذنه، وأهمّ بالدّخول لقاعة الدّرس.. غير أنّي ألمح إعلانا عن دعوة لحضور محاضرة حول ضرورة التّحاورالحضاري.. أتراها محاضرة أخرى تذر الرّماد في العيون؟!!.. ماذا لو حضرتها؟.. تروقني الفكرة جدّا فعلى الأقلّ سأنجو من دروس اللّغة الإنجليزيّة وسيّما هذه الحصّة حول تاريخ الويلات المتّحدة!!.. تالله كلما حضرت هذه الحصّة أظلّ ساهمة في البعيد.. فذاك أفضل من أن أضحك من الأستاذ والطّلبة ضحكا لن يوجع سواي!.. لكنّي ذات مرة سألت صديقاتي مازحة بمرارة خفيّة عليهن: نحن ندرس تاريخ الأمريكان فهل يدرسون هم تاريخنا نحن؟! أم أنّنا منبوذون حتّى في كرّاساتهم؟!!؟؟!.. وبمرارة أكثر أضفت: لعمري أنتنّ تعرفن تاريخ سيّدة العالم المتعجرفة كما أنفسكن.. فماذا عن تاريخكنّ أنتن؟؟!!
أدخل المدرّج حيث المحاضرة فأراه شبه فارغ.. فليس ثمّة سوى خمسة أشخاص.. يعدّل ملقي المحاضرة من ربطة عنقه لإخفاء الارتباك والإهانة من هذا الحضور القليل.. يبدأ بإلقاء المحاضرة.. يستفزّني تغابيه المتذاكي.. ولكأنّه يقول لك أنّ مضغ النّعناع والجزر يعطيانك طعم الأناناس!!!؟؟!.. وأغفو.. أفرّ إليك يا أحلام اليقظة الحبيبة علّك تدثّرينني ولو للحظات... أدقّ عنق هذا الوزير وأجبره أن يقبّل يد طفل الشّارع هذا وذاك والآخر حتى يلعق قذاراته من أيدي هؤلاء البؤساء.. أضرب هذا اللّصّ على مؤخّرته فيعجز أن يجلس على هذا الكرسيّ ما دام أكبر منه.. أفرغ جيوب هذا الأستاذ الّذي تغيّب تلكم الحصّة وأوزّع نقوده على الطّلبة الّذين أتوا مستمتعين بضربة شمس صحيّة، راكبين هذه الحافلات الفخمة الّتي تجعل أمعاءك لا تمتزج داخلك أبدا!؟!.. أستمتع بساديّة لذيذة وأنا أسمّم كلب تلك العجوز المتصابية علّي أحظى بكميّة اللّحم الهائلة هذه الّتي يلتهمها كل حين، بل إنّي أكتفي وأرضى بالنّوم ساعة واحدة في غرفة الخمس نجوم المخصصة له!! الله.. الله.. هاهو الخواء بدأ يختفي.. ويصلني بريد الشّمس فأترنّح لذّة وانتشاء.. أحضن ضوء القمر.. وأحلّق بعيدا كما النّوارس!!.. لكن.. ما الّذي يحصل؟؟ كثير من الصّراخ يجعل روحي تغادر عبثها.. إنّها مظاهرة جديدة للطّلبة.. ويبدو أنّ الحرس الجامعيّ يتفنّن في طرق التّحاور الحضاريّ مع الطّلبة.. أختنق أمام هذا الاضطهاد.. وأحسّ بالخواء يتسرب من جديد داخلي.. فجأة.. شيء ما ينزل على ظهري ويهشّم عظامي.. إنّه أحد هؤلاء الرّعيان خالني من المتظاهرين.. آآآآآآي.. ضربة أخرى لكن هذه المرّة على رأسي.. تدور الأرض من حولي.. هي غيبوبة قادمة لا محالة.. أبتسم لذاك الوغد قبل أن أفقد الوعي.. هو لا يدري أنّه أسدى لي خدمة كبيرة.. كيف لا وأنا سأتخلّص من خوائي إلى حين.. ولو إلى حين.... !
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved