الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 23rd June,2003 العدد : 17

الأثنين 23 ,ربيع الثاني 1424

بهاء بن حسين عزي ل اكتشاف شاعريتي أكبر أعبائي 2/1
الثقافية أريام عبد الله:
بعيداً عن التصنيع والدراسات والتصاميم..
وبالقرب من حدائق الأدب وجنة الشعر.. هنا نلتقي مع الدكتور "الشاعر" بهاء بن حسين عزي.. في حوار يحمل روح الإثارة، ويعبق برائحة الصدق.
إنه لقاء.. أقرب إلى الشفافية من البوح، وأدنى إلى التلقائية من السرد
سوف أختصر مقدمتي؛ فأدع لعيونكم مهمة التهام الأحرف النابضة؛ واستنباط شخصية الضيف الشاعر الأديب الدكتور بهاء بن حسين عزي من إجاباته:
مأسور بالمكان
* اللحظة التي عانقت عيناك بها الحياة؟ أين كانت؟ في أي عام؟ وهل ما زلت مأسوراً بالمكان الذي آخت الولادة بينكما فيه..؟؟
ولدت بالمدينة المنوَّرة، في بيتٍ قريبٍ جداً من المسجد النبوي الشريف. أما العام الذي ولدت فيه، فهناك اختلاف. ولذلك فأنا أتحاشى تحديده. وعلى أية حال، فأنا في الستينيات من عمري.
أما المكان، فإنني ما زلت مأسوراً به. ومن هو الذي يملك ألا يكون مأسوراً بالمدينة المنورة؟ إنها السنا المشع، والسناء العظيم. تلطفي، أيتها السيدة الفاضلة، واقرئي قصيدتيّ الشهيرتين عن المدينة المنورة.. وهما "عائد إلى طيبة الطيبة" و"أول حب في المدينة"، وقصائد أخر. وقد نشرت ، جميعا، في ديواني الأول.
تشتت.. تعدد
* التشتت وتعدد المدن.. والترحال؟ قاس في السنين الأولى، وربما مدمر لطفل يتعلم للتو أبجديات تكوين العلاقات.. إلى أي مدى وصل مثلث الثلاث مدن المسكونة بالطفولة.. المدينة، تبوك، خيبر، داخلك؟
التشتت وتعدد المدن والترحال.. هذا أبلغ تعبير سمعته في حالة كهذه، وينطبق على مرحلة الطفولة التي عبرتها إلى ما بعدها.
ففي مرحلة المدينة المنورة التي امتدت بي إلى سن الخامسة فقط، فكل شيء كان طبيعياً ومعتاداً. فالوالد، رحمه الله، كان من كبار المحامين الشرعيين فيها. وكنا نسير كما يسير غيرنا من أمثالنا، في طريق المستقبل.
وفي مرحلة تبوك، التي انتقل الوالد بأسرته إليها.. قاضياً لها، وكنت أنا في سن الخامسة، فقد كان حريصاً على مستقبلنا، أنا واخوتي، وكنا نسمعه ونحن في تلك السن المبكرة، في مدينة تبوك، حيث لا توجد إلا مدرسة تحضيرية صغيرة.. كنا نسمعه يقول، أنا لا أخشى إلا من ضياع مستقبل أبنائي. وكنا نتساءل فيما بيننا.. أي شيء هو هذا المستقبل؟ فنحن لم نكن نستوعبه، أهو إنسان، أم ماذا؟ وكانت أفعاله، رحمه الله، تجاهنا منبثقة من ذلك الخوف. فما ان انتهينا من المدرسة التحضيرية الوحيدة في تبوك، وهي ذات ثلاثة فصول فقط، إلا وبدأ في التعويض بملء الفراغ بكافة الأنشطة، من عمل لديه في المحكمة، ودروس خصوصية في اللغة العربية والرياضيات والخط وبعض الدروس الدينية، في المنزل. وامتد ذلك طيلة المدة التي مكثناها في تبوك وكانت تقرب من سبع سنين.
وأما في مرحلة خيبر، التي انتقل والدي قاضياً لها. فقد كان لما اكتسبته في تبوك من علم وخبرة عمل وتجارب طفولة بخطئها وصوابها، أثر بالغ في نضوجي السريع وتعلقي بمبادئ تتناسب مع المرحلة القادمة. فملأت وقت العمل، بمتجر صغير قرب مقر المحكمة، أدرته بنجاح. وملأت وقت الفراغ بحب الجياد العربية التي تكثر في خيبر في ذلك الزمان. واشترى لي الوالد جواداً عربياً أصيلاً، وأكملت ما بدأته في تبوك من إجادة الرماية بالبندقية إجادة كبيرة وبأنواع مختلفة من البنادق، وأجدت ركوب الخيل، حتى أنني كنتُ أركبها وأسابق بها دون سرج، مثل أقراني من فتيان خيبر الأشداء.
وأود أن تقرئي قصيدتي: "أنا وحب الخيل" المنشورة في ديواني الأول لتري أثر الجواد العربي الأصيل على حياتي الماضية في خيبر والمدينة المنورة، ثم في ما بعدهما.. في بريطانيا، ومزرعتي ذات الثمانية عشر فداناً في مقاطعة كنت التي استولدت فيها تسعة من الجياد العربية الأصيلة.
وعندما عادت الأسرة إلى المدينة المنورة، وقد قاربت سن الخامسة عشرة، وجدت أنني أبز أقراني في مجالات كثيرة، و هم، دون شك، كانوا يبزونني في مجالات أخرى. وكل ذلك أثر بالإيجاب على زيادة تقديري لما كسبت، وزيادة وعيي بأهمية ما أفعله للمستقبل، وعلى تعلقي بالعلم وآفاقه المتسامية، وعلى حماسي للاستفادة من العلم الذي تعلمت، وعلى الدقة في العمل، وأكسبني اعتزازاً عميقاً واعياً بالرجولة العربية الإسلامية، والسمات التي كانت تطلب دائماً في المجتمع شبه البدوي.
قرض
* قرضتَ الشعر في سنيِّك الأولى وصَمَتَّ طويلا، ثم استرسلت في النظم.. لِمَ..؟ وهل يمكن للمواقف كبح القريحة.. أم يمكن للقريحة أن تكبح المواقف وتجعلها تسير في صالحك؟؟. ولماذا لم تكبح بالقريحة المواقف..؟؟
بدأت في قرض الشعر والتشبه بالشعراء الكبار منذ نعومة أظفاري على يدي صديق الوالد الأستاذ ربيع بن علي التواتي، رحمهما الله. ولكن هذا لم يدم طويلا. فلقد وقفت رغبة الوالد أمام هذا التوجه. لم يرد لي أن أكون شاعراً، وإنما أراد لي أن أكون دكتوراً طبيباً، أو مهندسا يخترع الأشياء ويصنعها. وهناك قصة سببت ذلك.. ذكرتها في عدة مناسبات، وخلاصتها أنه كانت لي محاولة شعرية جريئة عرضتها على أستاذي، وأنا في تلك السن المبكرة، تحديت بها الشاعر الجاهلي أمرأ القيس، في بيت من الشعر. فمما ينسب إلى امرئ القيس أنه قال:
وقبّلتها تسعاً وتسعين قبلة
وواحدة أخرى وكنت على عجل
وذكرت لأستاذي أنني تحديت أمرأ القيس في هذا البيت، ببيت لي. فتعجب وقال: قل لي ماذا قلت. فقلت له البيت التالي:
وقبّلتها ألفاً وتسعين قبلة
وأضعاف أضعاف وما كنت ذا وجل
وبقدر ما أدهش هذا البيت الجريء أستاذي ولفت نظره إليّ كخامة شعرية، فإنه لم ينس أن يقرعني على جرأتي وتهوري. ونصحني بأشياء طويلة عريضة وبعدم الإغراق في هذا الخيال الجامح. ومع ذلك فقد بشر الوالد بمستقبل شاعر ظهر في الأسرة. وما ان غادر الأستاذ، إلا واحتد الوالد القاضي الجليل وأخذ ينصحني بنصائح ما زالت تسكن وجداني، وطلب مني ألا أهتم بالشعر ولا أقوله أبداً للسبب الذي ذكرته، فتوقفت برهة من الزمن.
وعندما عدت إلى المدينة المنورة التحقت بالسنة الخامسة الابتدائية وبدأت أكتب بعض ما يعنُّ لي خفية عن أعين والدي. ثم انتقلنا إلى مكة المكرمة والتحقت بالسنة السادسة الابتدائية في المدرسة الرحمانية. وأصبح لديَّ دفتر من ستين ورقة كتبت فيه كل ما جاءني من الشعر، وكنت أخفيه حتى رآني صديقي وأخي الأصغر، السيد فخري عزي رحمه الله، وكان في السنة الثالثة الابتدائية، وسألني عن هذا الشيء الذي أكتبه. فأخبرته عنه وعن أهميته بالنسبة لي وتخوفي من الوالد. وأسر في نفسه شيئاً. وبعد يومين رأيت المربي الجليل الأستاذ عبدالله الساسي، مدير المدرسة الرحمانية بمكة المكرمة، وبعض الأساتذة، يرحمهم الله أجمعين، يهددونه بأن يخبرهم عن مصدر هذا الشعر. فامتلأ رعباً وقال لهم إنه لأخي. وعندما سئلت جبنت، بسبب وعدي للوالد، فقلت إنه ليس لي. وما كان من الأساتذة إلا أن أخذوا تلك المسودة ومزقوها أمامي. فطار صوابي وملئت اكتئاباً لعدة أيام توقفت بعدها عن الشعر لسنين طويلة. ثم عدت إليه. ولما نضجت وانتقل الوالد إلى رحمة الله، شجعني أخي الأصغر نفسه على الإفصاح عنه. فدرست العروض دراسة علمية وبطريقتي الخاصة وبدأت بنشره، وما ذلك إلا منذ سنوات قليلة.
إذاً فالقريحة الأصيلة الصادقة تتحكم في المواقف وتتغلب على العقبات، ولو بعد زمن طويل.
الوقت
* دكتور بهاء، تحمل في داخلك موسوعة قيمة في شتى فنون الحياة.. كيف استطعت التوفيق بين دراساتك العلمية وعملك وهواياتك المتعددة الأخرى، ومن ثم كتاباتك للشعر الفصيح؟
أعترف بأنني لا أعرف الكثير، إلا أنني تعلمت منذ صغري أن أكون جاداً في استعمال وقتي والاستفادة مما أتعلمه. فالوقت المخصص للعب كان محسوبا، ولكنه كان كافياً لفتى في مثل سني.. وما بقي من وقتي كان مكرساً للدراسة والاطلاع والاستنتاج. وكنت أسبح كثيراً في الخيال البناء. أي أنني كنت أتخيل نفسي أقوم بهذا العمل أو ذاك، وأدخل مع نفسي في حوار عن أفضل السبل لتحقيقه. ولم يكن ليفارقني هذا النوع من الخيال لحظة واحدة. ثم لما أحسست أنني أحسن صنعاً في عدد من المجالات كان لا بد لي من تعلم فن إدارة الوقت واستغلاله لكي أتمكن من إشباع المجالات التي أحببتها وعشقتها بشكل راق ومستوى رفيع. فتعلمت في الجامعات فن إدارة الوقت واستغلاله والموازنة بين متطلبات العمل ومتطلبات هذه الهوايات المتعددة. فأصبحت خبيراً به بالعلم والممارسة في شؤوني الخاصة.
أما الشعر، فبداياته وسبب التوقف عنه فترة طويلة من الزمن، ذكرتها فيما سبق. لكن الكشف عن شعري، كان، فعلاً، هو أكبر الأعباء في مجال هواياتي الأخرى، كالتصميم المعماري الإبداعي، وتربية واستيلاد الخيول العربية وبعض المجالات الأخرى. فعند الكشف عنه لم أكن أرغب في أن يكون لي شعر ضعيف أو أن تكون فيه عيوب. فانتظرت مزيداً من الوقت حتى تمكنت من أدواته.
كيمياء
* بمعادلة كيميائية معقدة يمكنك الحصول على مركّب.. ولكن هل يمكن أن تقدم على تكرير المعرفة في مصفاة الحبك.. لتنعم بقصيدة رائعة تلونت بعملك المتعلق بالبترول وتكريره..؟؟
نعم.. من الممكن أن أقوم بذلك. أنظري قصيدتي "حوار بين شاعر وسفينة" المنشورة في ديواني الأول "عاشق من جبال السروات"، لتجدي أنَّ هناك حواراً أقامه الشاعر بينه وبين السفينة، وتحسين من خلاله، حقيقة، أن السفينة أصبحت تحاوره وترد عليه وتتكلم عن دورها ومساهماتها الممكنة، غير نقل البضائع، وعن فوائدها الأهم لنهضة الشعوب العربية في مجال القوة والقراع في هذا العصر.. عصر القوة والجبروت، وعن نقل التقنية وإقامة التصنيع الوطني الفعال، دون أن يخرج الحوار من جوه الشاعري. ولعمري فهذه القصيدة رائعة جداً في مجالها.
جياد
* الخيل معقود في نواصيها الخير.. أحبها شاعرنا منذ صغره.. وفتن بها.. هلا حدثتنا عن هذا العشق..؟؟
بدأ عشقي للخيل عندما انتقل بنا والدي رحمه الله إلى خيبر قاضياً لها. وكانت خيبر مليئة بالجياد العربية الأصيلة. فبهرني جمالها وبهرتني عناية أهل خيبر بها. فبالإضافة إلى الجواد الذي اشتراه لي الوالد أهدى الشيخ محمد فرحان الآيدا، رحمه الله، وهو أحد أكبر شيوخ عنزة التي لا تبعد عن خيبر كثيراً.. أهدى مهراً جميلاً إلى أخي الأكبر وصفي، رحمه الله. وكان والدي يهدف من شغل فراغنا بشتى الوسائل الى أن نستعمل وقت فراغنا في ثلاثة أشياء رئيسة، تحقيقاً للقول المأثور وهي: السباحة وركوب الخيل، وقد أجدتهما في خيبر، والرماية التي بدأت بتعلمها عندما كنت في تبوك ثم أجدتها تماما في خيبر.
وعندما عدنا إلى المدينة المنورة اصطحبنا جوادي معنا، ولكننا، بعد شهور، بعناه عندما انتقلنا إلى مكة المكرمة، وكان ذلك رغماً عني. وبقي حب الخيل ساكنا في فؤادي إلى أن واتتني الفرصة وانتقلت مديراً لإحدى شركات بترومين في انجلترا عام 1977م فاشتريت مزرعة من ثمانية عشر فدانا واشتريت فرسين ومهرة واستولدت منها، إلى أن أصبح العدد لديّ تسعة رؤوس جميعا من أنبل سلالات الجواد العربي الأصيل. ولي قصيدة شهيرة في ذلك عنوانها "أنا وحب الخيل" منشورة في ديواني الأول.
ثم لما أنشأت مركز الدراسات الاقتصادية والصناعية في جدة وضعت تصميما لمزرعة تكفي لما لا يقل عن خمسمائة جواد عربي أصيل، على أمل أن نجد المستمثر لهذا المشروع الضخم.
وإنني لا أزال أعشق هذه الخيول النبيلة، وعشقي لها ينبع من خبرة بها وعن علم بأصولها وفروعها وتربيتها ومداراتها وتدريبها، حتى أنني عندما كنت أدرس أو أعمل في الخارج كنت أُدعى، باعتباري عربياً يمتلك جياداً، لأبدي رأي فيها.
غربة
* عندما يبتعد الفرد عن وطنه.. ينبثق في داخله الشوق والوجد.. أرى ذلك جلياً في قصائدك الزاخرة بالأمكنة.. هل أجدت فن نقل الأخيلة والأماني.. وغرسها في الغربة القاتلة؟؟
نعم، لقد أجدت فن نقل الأخيلة والأماني كما تقولين وغرسها في الغربة القاتلة. فأنا لي خيال واسع ينقلني أو ينقل إليّ وطني وقتما أشاء، وخاصة بلدي المدينة المنورة. وفي كل مكان أذهب إليه تجدين في بيتي شيئاً يدل على أنني سعودي مدني عربي، ومسلم ملتزم التزاماً وسطياً، لا تزمت فيه ولا تفلّت. ولقد أدى هذا الأسلوب إلى إعجاب الكثيرين من أهل البلاد التي كنا فيها، وهي عديدة، بعاداتنا وتقاليدنا.. إعجاباً أدى بأكثرهم إلى محاكاتنا في تصرفاتنا، واعتنق بعضهم الإسلام بسببها.
وقصيدتاي بعنوان "أول حب في المدينة" و"سر بي إلى طيبة الطيبة" برهانان على قوة تخيلي للمدينة المنورة خاصة، حتى وإن كنتُ على مسافة آلاف الأميال منها.
شرود..!
* شرود الكلمات من بين شفاه الشاعر.. هل أرّقك، وكم من الوقت يكفيك لتجاوز عقبته؟
لا تشرد للكلمات ولا غيرها من بين شفتي. فمتى ما أردتها تأتي، إلا فيما ندر. المهم أن يكون الجو ملائماً لقول الشعر.. طيباً أو قاسياً، وأن يكون الموضوع الذي تقول فيه شعراً يستأهل، من وجهة نظر الشاعر، أن يقال فيه شعر قوي متميز.
+++++++++++++++++++++++++++
يتبع
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
المنتدى
كتب
مسرح
وراقيات
مداخلات
المحررون
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved