الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 23rd August,2004 العدد : 73

الأثنين 7 ,رجب 1425

أعراف
حوار الحياة والهوية
محمد جبر الحربي
في قصيدته الجديدة: طباق عن (إدوارد سعيد) يواصل الشاعر الكبير محمود درويش غناءه العذب، وتدفقه الشعري النهريّ، وكلماته المائية الصافية.
ينهل درويش من معين لا ينضب ولا يتكدَّر، ويحافظ على نقاء صوته المتفرِّد، وبوجهه الدافئ. ويحافظ على هويته الشعرية، متشبثاً بهويته الفلسطينية التي لم تستطع المنافي، ورياح التغيير كسر أغصانها، أو إسقاط براعمها.
تغيَّر العالم وظلت أشجار درويش الشعرية محمَّلة برائحة الليمون والبرتقال والأعشاب السحرية، وبالملامح والأسماء والمدن والحضارات.
قصائد من مديح ورثاء وحنين واغتراب، ولكنها ليست كالمديح ولا الرثاء ولا الحنين ولا الاغتراب.
قصائد لوطن مفقود موجود، ولأصدقاء راحلين حاضرين من سرحان سرحان إلى ماجد أبوشرارة إلى إدوارد سعيد.
قصائد من نارٍ ونورٍ، وجثَّة وجحيم، وموت وحياة.
بل هي قصائد الحياة كما اشتهاها له ولوطنه ولأهله في الداخل والمنافي.
وهي العودة للنبع الأول، والأحلام الأولى، والمنافي التي تمتد عبر الرحلة المكتظة بالمدن والأسماء.
ولربما كانت قصيدته الشهيرة
(سنة أخرى سنة) ومنها: (أصدقائي لا تموتوا مثلما كنتم تموتون..), مفتاحاً لفهم روحه وحميميته ودفئه، وهذا الفيض الشعري، هذا التشبث بالوطن القضية، والحرص على إظهار الجانب الثقافي والحضاري مقابل الدمار والرصاص والقنابل.
ومن قصيدته الجديدة هذا الحوار بينه وبين الراحل إدوارد سعيد:
(أقول الحياة التي لا تُعرَّف إلا
بضدّ هو الموت ليست حياة.
يقول: سنحيا، ولو تركتنا الحياةُ
إلى شأننا، فلنكن سادة الكلمات التي
سوف تجعل قرّاءها خالدين على حدِّ
تعبير صاحبك الفذ ريتسوس)
وريتسوس هو الشاعر اليوناني الفذ، والمتعاطف مع القضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
ويذكِّرنا درويش هنا ببيته الشهير:
(نحبّ الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا)
ثم يستمر الحوار حيث يوصيه إدوارد:
(وقال: إذا متُّ قبلك،
أوصيك بالمستحيل!
سألت هل المستحيل بعيد؟
فقال: على بعد جيلْ
سألت وإن متُّ قبلك؟
قال: أعزي جبال الجليلْ
وأكتبُ: (ليس الجماليُّ إلا
إن متُّ قبلك أوصيك بالمستحيل!).
لكن سؤال الحياة والهوية أسبق وأعمق وأهم حين يسأل درويش:
(والهوية؟ قلتُ
فقال: دفاعٌ عن الذات..
إن الهوية بنت الولادة، لكنها
في النهاية إبداعُ صاحبها، لا
وراثة ماضٍ. أنا المتعدد.. في
داخلي خارجي المتجددُ. لكنني
أنتمي لسؤال الضحية. لو لم أكن
من هناك لدرّبت قلبي على أن
يُربي هناك غزال الكتابة..
فاحمل بلادك أنّى ذهبت وكنْ
نرجسياً إذا لزم الأمرُ)
إذاً يعود درويش هنا بل يستمر عائداً، إلى حبيبته الأولى، وقضيته الأولى، ورموز الثقافة الأوائل الذين دافعوا عن الهوية سواء بإبداع الدم، أم بإبداع الكلمات.
وكما ذكرنا في (أعراف) الماضية على سبيل المصادفة، أي قبل نشر هذه القصيدة، فإن عناد الهوية، ومقاومة الذوبان هما السلاح الأنجح لكسب الحرب ولو بعد حين، ولكسر وإفشال خطط العدو الرهيبة لاجتثاث البشر والشجر وإلغاء الأوطان من الخريطة والذاكرة.
وهذا ما كتبه التاريخ
ولم يقرأه الغزاة
وهذا ما غنَّاه درويش، وحاول ويحاول المحتلّ منعه وحجبه..
ويأبى الزيتون.


mjharbi@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved