الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 23rd August,2004 العدد : 73

الأثنين 7 ,رجب 1425

مساقات
أين اللغة العربية في عصر العولمة؟
د. عبد الله الفَيْفي
(1)
مثل هذا السؤال يفترض أن اللغة العربية تشهد تهديداً حادثاً، مع أنها مهددة قبل العولمة وبعدها. إلا أن التباكي والنحيب لن يغنياها شيئاً، فاللغات تقوى بقوة أهلها وتضعف وتضمحلّ بضعف أهلها واضمحلالهم.إذن البكاء على اللغة العربية هو انشغال بالجزئي عن الكليّ، ذلك أن الأمة العربية مهددة في وجودها كله، وما اللغة سوى المرآة. والأمة العربية مهددة بمحض إرادتها هي لا بعدوان خارجي، فنحن أعداء أنفسنا بأنفسنا، لقد بدأنا ما سميناه بالنهضة العربية الحديثة قبل اليابان، ولكن لننظر الآن أين نحن وأين اليابان؟! بل أين نحن من دول كانت أقل شأناً منا من بلدان العالم الإسلامي نفسه كإندونيسيا، وماليزيا؟
نحن أمة استمرأت تعليق عيوبها الذاتية على شيطانٍ ما، كما تعلق آمالها وأحلامها على منقذ ما قادم من عالم الغيب! ولهذا لا نحن نعالج عيوبنا بفاعلية ولا نحن نصل إلى أحلامنا، إلا في أحلام اليقظة والمنام، وهكذا فإن سؤال اللغة يحملنا صوب القضايا كلها!
الإجابة عن مثل ذاك السؤال سهلة، بأن نقول:( نعم، اللغة العربية في عصر العولمة مهددة بالخطر، بل إنها لإجابة مفروغ من معرفتها، لكن الصعوبة في أن نواجه الإجابة عن: لماذا هي مهددة؟ وكيف تتخلص من ذلك التهديد؟ وعندئذ سنكون إزاء سؤال موجه إلى كل شؤون العرب، سياسياً، اقتصادياً، صناعياً، وحضارياً. أما اللغات من حيث هي تأثراً وتأثيراً، حياة وموتاً فلها سنن ثابتة، لا تجامل ولا تحابي، فيوم أن كانت الحضارة العربية الإسلامية تعولم العالم وتقولبه، كانت اللغات الأخرى هي التي تشكو شكوانا اليوم من العولمة والتهديد اللغوي العربي، وقديماً حديثا (ابن خلدون) عن سلطة الغالب على المغلوب، تلك السلطة التي تتجاوز المادة إلى الروح والثقافة، فكان رجال الدين في إسبانيا واوروبا يتذمرون من شغف الناس هناك باللغة العربية والشعر العربي وتقاليد الثقافة الإسلامية، التي غزتهم عبر الأندلس، إذ كان ذلك الاستقطاب قد بات تهديداً للغة
اللاتينية الأم التي يمارس بها أولئك شعائرهم الدينية وطقوسهم، وبهذا يتبين أن دولة اللغة تبع لدولة اصحابها بكل مقدراتها، وحين تتوالى الانهيارات في هذه الأخيرة فإن اللغة تتهاوى بدورها، حتى في عقر دارها وبين أبنائها، ولا جدوى إذن من دعاوى التسهيل (البائتة)، ما نحيي من اللغة وأدواتها وما نميت، على طريقة صاحب كتاب (تحيا.. ويسقط) تلك الطريقة القديمة المستهلكة.
ومن هنا يتبدى أن علينا قبل الإجابة عن سؤال اللغة، أن نجيب عن سؤال
(من نحن في العالم؟ ماذا قدمنا وماذا سنقدم؟)، وتلك مسؤولية فعل لا قول وتنظير، إذ يكفي أن ينتج شعب ما آلة أو يصدر محصولاً زراعياً، ليحمل ذلك المنتج عنه لغته ويفرضها حيثما وصل، أما إذا كان ذلك الشعب شعباً مستهلكاً فقط حتى للأفكار الإنسانية الأولية لا ينتج ولا يصدر شيئاً، فلن يكون للغته موقع من عالم العولمة ولا غير عالم العولمة، والمفردات العربية التي لا بديل عنها اليوم في معاجم اللغات الأخرى شواهد حية على هذا، أما إن اكتفينا بالتباكي كلما استيقظنا على واقعنا الموجوع عموماً ولغتنا المنكوبة خصوصاً، فسنستمر هكذا إلى يوم القيامة، ولن تبكي علينا
أرض ولا سماء!
(2)
وقد يعن سؤال آخر، بعد التهديد الخارجي، عن التهديد الداخلي، فما أثر تفشي العامية مثلاً يوماً تلو آخر على العربية؟ أليس في احدى الاستراتيجيات الأولى للعولمة تفتيت الهويات اللغوية والثقافية القومية.
إن العامية عربية أيضاً، وبعضها ما زال أفصح مما نعده عادة فصيحاً، وإن ظنناه بعكس ذلك، لكن هذا لا ينفي أنها في مجملها لغة عليلة، وأنها بحالتها هذه من مصادر الضعف اللغوي العربي، وأنها تعد معول تفريق لرابطة اللغة، التي هي الخيط الوحيد الذي مازال يجمع العروبة، بعض سيحتج بالقول: إن العامية العربية قديمة، وهذه حجة لا معنى لها، فليس كل قديم بصحيح ومفيد. وأمة بلا لغة صحيحة، واحدة موحدة، أمة ضائعة الهوية، مفرقة الكلمة، كتفرق العرب اليوم حسب تفرق لهجاتهم، وآخرون يحتجون لاستعمال العامية بوجود عاميات في لغات أخرى، وهذه وإن لم تكن بدورها حجة ذات معنى إلا أن فيها إلى ذلك مبالغة كاذبة، فليس في الانكليزية اليوم مثلاً تلك المسافة الشاسعة الموجودة لدينا بين عامياتنا وفصحانا، أي بين لغة الشارع ولغة الكتابة، وأقول:( عامياتنا) لاننا امام عاميات شتى من الخليج الى المحيط،
يكاد بعضها لا يفهم عن بعض، ولما كانت اللغة الإنكليزية لغة واحدة، لا ازدواج فيها كما لدينا بين المنطوق والمكتوب، كانت قادرة على أن تجمع اهلها تحت مظلتها وتغزو سواهم، إن بقوتها الذاتية او بقوة الحضارة التي تقف وراءها، وهي لذلك لغة مستقيمة الهوية، يحاسب المرء فيها أشد الحساب على وضع نقطة او فاصلة، ناهيك عن الإملاء، والصرف، والنحو، والأسلوب.
لكن إذا كان تفشي العامية في الشارع العربي مظهراً لغوياً غير صحي، فإن تفشيها في المدارس والجامعات والإعلام اكثر خطورة، ذلك أن المسألة ستتعدى هاهنا الخطورة على اللسان إلى الخطورة على الفكر، فهناك تلازم طبعي بين اللغة والفكر كما يقرر علماء اللغويات لان الإنسان لا يفكر إلا من خلال لغة، أياً ما كانت طبيعتها، وعليه يمكن تصور أن مخرجات اللغة العامية الفكرية تكون فكراً عامياً سوقياً كذلك، يحمل ذات الأنساق الفكرية والثقافية السائدة في قاع المجتمع، بطبيعة تصوراتها وتحليلاتها واحكامها، وتلك الأنساق الفكرية والثقافية السائدة في قاع المجتمع مشبعة بالعلل المتراكمة، عبر تاريخ الشعوب من جهة، وبأمراضها الأخرى التي مردها إلى المحيط الثقافي المختلف الذي تنتمي اليه، من جهة أخرى، فكيف الحال إذن حينما تصبح تلك اللغة بكل ملوثاتها هي لغة المدرسة وقاعة التدريس الجامعية ووسيلة الإعلام؟
وهل هذا بفعل العولمة وتهديداتها أم هو بفعل تخلفنا المتشعب نحن؟!
مقام:
... ولكن من (عولمةٍ) للرق
وتبديل للأسماء؟!
لو بعض مذاق للكلمات،
وبعض رواء!
...........
مشطوري القامة،
(نمشي)،
مكسوري المبنى!
فبأية ما نحو عربي نعربنا،
وبأي عروض شعري نبني الوزنا؟!


aalfaify@hotmai.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved