الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 23rd August,2004 العدد : 73

الأثنين 7 ,رجب 1425

حياة الزبادي لـ«الثقافية»:
المعاناة ليست سبباً مهماً لصنع عمل إبداعي

* حوار سمر النصار :
الفن هذا العمل الخالد والغامض الذي يلف من حوله مدارس البحث وتدور في محاولة لا تنتهي لتفسير ظاهرة الإبداع عند الإنسان ابتداء من إنسان الكهف حتى إنسان الفضاء طارحاً عبر مسيرته الكثير من التساؤلات... هل الفن وسيلة من وسائل الإنسان للسيطرة على الواقع وإخضاعه لمطالبه المادية والروحية أم هي وسيلة تعبير عن استسلام للطبيعة؟
وهل هي محاولة لتجميل الحياة وإضفاء طابع مثالي عليها أم هو تقديس لها وتسجيلها إعجاباً وحباً بها؟ للإجابة عن مثل هذه الاستفهامات نلتقي في هذا الحوار مع الفنانة التشكيلية حياة الزبادي لنقف على أبعاد مكنوناتها ونكشف إحساسها الداخلي
* بين انطلاقة فنان ونهايته: أين يكمن الإبداع؟
الفن ريشة حرة تدور حول الروح لترسم دائرة واسعة دونما بداية ودونما نهاية، ومن عمق تلك الدائرة يبزغ نجم الإبداع راسماً شعاعه الذي لا ينطفئ! و حتى عندما يموت الفنان فإنه لا ينتهي، بل يستمر ذلك الشعاع في إضاءة ظلمات الحياة الرتيبة عبر كل أثر يتركه لنا.
* يقول (أوسكار وايلد): كل رسم بعاطفة وإحساس هو رسم للفنان لا للنموذج الجالس أمامه. قل لي ماذا ترسم، أقل لك من أنت! ومن ظلال طيف ألوان.. وبين وميض رؤيا فنان؛ أين تكون وجهة سفر فكر الفنان؟
إلى كل مكان.. وكل زمان، إلى ما وراء الحدود.. وما فوق السدود، ومن ليس على أعماله أختام نقاط التفتيش العديدة وتأشيرات السفر الفكري البعيد فهو فنان اصطلاحي، يعني حكايته مع الفن مجرد بريستيج!!
* بين عمق إحساس.. وتضارب عصور: كيف يترجم هذا الإحساس على جسد اللوحة؟
إلى حد الدخول في بعد ألا زمان و ألا مكان ضمن ميتافيزيقية العمل الفني الذي نؤديه، وإذا حدث أننا لم ندخل البعد الخاص بالعمل فإننا ننتج عملاً فقط ولكن ليس فناً.
* بين جزر.. وبحيرات: ما مدى ابحار ريشة الفنان؟
إلى موانئ دنيا المغامرة.. وشطآن أساطير الطبيعة.. وكنوز الألوان السحرية الغارقة في الأعماق.
* بين خطوط الطول.. وبين خطوط العرض: أين تجدين مكانك في الفن التشكيلي؟
مكاني يقع خارج بيروقراطية التصنيف وديكتاتورية التحديد وحبس الفنان ضمن خريطة المواقع والمراكز، لأن الذي يؤمن بالفن يؤمن بأن الفنان لا يخضع لسذاجة القياسات الجغرافية، ومن الجهل أن نفترض أن للفن خريطة تزدحم بخطوط الطول والعرض لنضع هذا الفنان هنا وذلك الفنان هناك، ولو فعلنا..
فأين سنضع براءة امرأة ترسم ابتسامة الحب على عينيها؟ أين سنضع القمر وهو يرسم بريق النور السحري على وجه الليل؟ أين سنضع صيادي اللآلئ وهم يحضنون السفن الراسية على الرمال ليرسموا لوحات شواطئ البحر الآسرة؟ وأين نضع الأيادي الخشنة تنبش الأرض وتغرس الأمل لترسم خضرة السنابل؟؟! لا يبدو أن خطوط الطول والعرض تعترف بهؤلاء بل وبحشد من الفنانين الآخرين! إن عقلية المساحات وتحديد الأماكن تقتل الإبداع، ذلك أن أدق خريطة لتحديد مكان الفنان هي ألا تكون هناك خريطة!
* هناك أربعة فصول في السنة، متى يكون ربيع الفنان؟ متى يكون خريف الفنان؟ متى يكون شتاء الفنان؟ ومتى يكون صيف الفنان؟
عندما يكون للفنان رسالة؛ فكل فصوله ربيع!
* متى يتوقف نبض الإحساس باللوحة.. وينقطع وريد اللون.. وتنكسر ريشة الفنان؟
عندما يتوقف الفنان عن الإيمان بفنه.. وتنقطع إرادة المواصلة.. وتنكسر عزيمة الطموح.
* بين ماضٍ.. وحاضر.. متى يحدد الفنان الخطوط العريضة للمستقبل في شكل اللوحة الفنية؟
إلى أقصى آفاق الروح، تقفز وتعلو.. تخترق الحواجز الأيديولوجية وتحلق في الفضاءات الحميمة للحياة، لكن هذا يحدث فقط عندما تعزف الريشة أنشودة لونية صادقة الكلمات، وتتلاشى كل مسرحيات تقنين الإبداع وتحديد شكله، عندئذٍ لن يبقى غير حقيقة روح الفنان.
* في تضاريس و مرتفعات اللوحة: ما الوقت الذي تستغرقه الريشة لتجاوز هذه المطبات الجغرافية؟
بقدر ما تستمر قيثارة الروح المبدع في الغناء!
* في أخدود الحياة: هناك مواضيع مدفونة، كيف يستطيع الفنان حفرها.. ونقشها في ذاكرة اللوحة؟
إذا أردنا استخراج كنوز الحقيقة المدفونة لنحفر اسمها و ننقش ملامحها في ذاكرة اللوحة الأزلية، فعلينا أولاً أن نعلم إرادتنا قوة الاستمرار الدائب وأن نزرع في إبداعنا بذرة الإخلاص والصدق.
* بين إقبال فكرة وإدبارها هناك رابط بينهما، هل يكون العامل النفسي.. أم العامل البيئي.. أم الإحساس بمعاناة تفرض على
الفنان مواصلة ضربات الريشة و تركها تسترسل الأفكار؟
الفن لغة الروح.. لا أفكاراً تغدو وتروح! قد تقبل الأفكار وقد تدبر، وقد يكون لدى شخص ما كومة من الأفكار العظيمة و عشرات الدوافع و جميع العوامل الملائمة و ربما هو يمر بمعاناة حقيقية وبالغة، لكنه مع ذلك لا ينجح في صنع عمل مبدع! ذات يوم قال (مانويل توريس) لمغنٍ في أحد المناسبات: عندك صوت، عندك أسلوب، ولكنك لن تصادف النجاح، فليس عندك روح مبدع!، إن ما يفرض على الفنان مواصلة العملية الإبداعية هو تلك القوة العظيمة التي تهز أعماقه دونما تدخل منه.. قوة لا يمكنه حتى هو التنبؤ بمداها ولا بشدة عواصفها الهائجة، إنها تلك القوة التي يصفها (ف.غ.لوركا) بأنها تحرق الدم كزجاج مطحون.
* في خريطة جغرافية الفنان: ما هي مدن مواقع معرضك؟
أعرض أعمالي في مدينتين هما قلب الإنسانية المتعب المكدود و روح الحقيقة التي طردتها أنانية إنسان المادة لأجدها ذات يوم تطلب اللجوء إلى قلبي!
* بين بدء انطلاقة معرض.. وبين إقامة آخر، هناك خلجات مختلفة تصنع رؤى مختلفة؛ ما هي حصيلة تلك الرؤى؟
الحصيلة هي: هناك فرق شاسع بين فن الرسم و بين رسم الفن، لأن فن الرسم يمكن اختزاله بعبارة هندسة حلوة!! أما رسم الفن فيسافر في بحور الشعر العميقة.
* تشريح لوحة فنان تحت ميكروسكوب الناقد سواء نقد بناء هادف أو نقد هدام.. أيهما يسرع حركة تطور الفنان؛ ولماذا؟
المسألة نسبية شخصية، لكن أحياناً يحتاج الفنان إلى شيءٍ من هذا و ذاك بين الحين والآخر ليروض نفسه على التعامل الإيجابي مع النقد كيفما كان!
* يقول (هنري وود بيتشر): كل فنان يغمس فرشاته في روحه ويرسم طبيعته الخاصة في رسومه، في حالة الفنان وهو يقف على حافة الطريق بين أشلاء لوحة مبعثرة في الرياح.. وريشة تمشي حافية الأقدام فوق أشواك أفكار.. وألوان طيف تقطر دماً، كيف يستطيع الفنان تجسيدها؟
بشجاعة التعبير والصراحة في نقل المشاهد الماثلة في أعماقه، فعمل فني واحد قد يكون روحاً لثورة وليدة يؤمن فيها الفنان بحقه في أن يتمرد على فيزياء اللوحة و واقع الطبيعة، فيزرع النجوم في الحقول ويلون الشمس بكل الألوان و يطلق لخيول البراري حرية أن تجري حول مرجان البحار وبين أذرعة الطحالب الخضراء.
* يقول (توما الكويني): الفن هو مجرد طريقة صحيحة لصنع الأشياء وإن اختيار الفنان لا يكمن في الإرادة التي تحده للعمل ولكن في إتقان العمل الذي ينتجه، إذن متى يكون الفنان مميزاً؟
عندما يكون حراً!
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved