الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 23rd August,2004 العدد : 73

الأثنين 7 ,رجب 1425

هل من قارئ كتاب؟
محمد المنيف
كنت يوماً مع صديق اديب اعتز به حيث التقيته قبل ثلاثين عاماً في احد المعارض التشكيلية مبدياً اهتمامه بهذا الفن موضحاً قوة الترابط بين هذا الفن وبين فنون الفكر الاخرى ومنها النتاج الادبي شعراً ومقالة وقصة ورواية، هذا الصديق الذي يبلغ السبعين عاماً من عمره المديد بإذن الله لديه الكثير من المخطوطات التي لم تتم طباعتها مع ما قام بطباعته من كتب ادبية في سنوات خوالي كان ولازال صداها يتردد والاقبال عليها لم ينقطع، وكنت دائم التساؤل عن عدم طباعته لبقية انتاجه، فكان يرد بهدوء العاقل والحكيم قائلا (وهل هناك من يقرأ يا ولدي؟!) اذاً لماذا نُتَعِّب من يقوم على اعداد الكتاب من المهنيين وعمال المطابع! مضيفاً بقوله: نحن يا بني في عصر غير عصر الكتاب. ثم صمت وانغمس في كتاب اختاره من بين مئات الكتب في مكتبته الثرية بكل أطايب الفكر والإبداعات الأدبية لمختلف المبدعين في عالمنا العربي.
هذا الموقف اعادتني اليه زيارتي لبعض المكتبات التجارية والتي احرص على ان يكون لها بين مشاغل الحياة حيز وموعد شهري، فقد ساءني ان ارى رواد تلك المكتبات من طلاب وطالبات الجامعات ممن لا يقتنون الكتاب الا بناء على توجيه او طلب من دكاترتهم لكتابة البحوث، ناهيكم عن المكتبات العامة والمؤسسات الثقافية الحكومية ومنها مكتبة الملك عبدالعزيز أو مكتبة الملك فهد ومركز الملك فيصل للبحوث الى آخر منظومة منابع ومناهل الفكر العظيمة والمنتشرة في مختلف مدن ومناطق ومحافظات الوطن، فروادها فئتان الاولى الباحثون ومعدو دراسات ومتطلبات دراسية وهؤلاء مكرهون لا راغبين في الاستفادة. والفئة الثانية وهي القلة القليلة من كبار السن الذين ولدوا وفتحت اعينهم اول ما فتحت على الكتاب فأصبحت علاقتهم به علاقة ازلية وعشق لا ينقطع.
هذه الحال وهذا الواقع الذي آل اليه واقع الكتاب لازالت الكثير من الجهات ومنها وزارة التربية والتعليم تبحث لها عن حلول ناجعة لكنها في واقع الامر ضئيلة ومحبطة امام ثورة التكنلوجيا ووجود أجيال تربت على الحليب الصناعي وتتلقى معلوماتها معلبة عسرة الهضم لا تشبع ولا تغني من جوع عبر مختلف سبل التقنيات وأسرعها وبوسائل إغراء لا يمكن منافستها تتجه بسفينة الشباب الى بحار لا مرسى لها.
أما الجانب الأكثر أسى فهو في كثافة ما تتم طباعته في الآونة الاخيرة ما يجعل الباحث عن الجديد في عالم الاصدارات والكتب يشعر بفارق كبير بين ما نحن في حاجة اليه وبين ما اصبح يغطي اكبر مساحة من ارفف المكتبات اغلبه غثاء اضاع الثمين ما يدفعنا للتساؤل حول إمكانية ايجاد سبيل لترشيح ما يصل الى عقول القراء وإيقاف ما يتسبب في تلوثها لتعود الى المكتبة هيبتها وللكتاب قدره ومقامه.
أما الجانب الآخر الذي اتمنى ان يكون فيه بصيص امل فهو في الاتجاه الى الكتاب الصغير واعني به التوجه بشكل مباشر للناشئة الصغار بتأليف ما يتناسب مع عقولهم ومع متطلبات مرحلتنا الحالية وما شابها من ظروف تحتم علينا مضاعفة الجهد لتقويم ما يمكن ان يعوج نتيجة ما يبث او يوجه به الاجيال القادمة، وليكن المؤلفون والكتاب لهذه الاصدارات من أبناء الوطن والاستعانة بالمتخصصين في مجال الطفولة ذهنياً ونفسياً، وبذلك يمكن لنا ان نقرب المسافة بين الكتاب وبين من نسعى لتعويدهم على القراءة.
في الماضي يقال ان بإمكان أي منا معرفة مستوى عقل صاحبه بمجرد معرفة ما يقرأه. واليوم بعد اختلاف المفاهيم اصبحت معرفة عقول الاجيال بحجم ما تختزله من مواقع الانترنت واسماء قنوات الطرب والافلام وبما تحتويه ذاكرة الجوال من الجمل والعبارات والصور، لينتج عن هذه الحال انعدام اللفظ الراقي والمفردة الادبية والحوار المفيد والمعلومة الغنية بمختلف مشارب المعرفة التي كان الكتاب مصدرها الأول والأخير.
تلك الحال التي وصل اليها الكتاب دفع بالكثير الى الاكتفاء بطباعة اعداد محدودة يقدمها مؤلفوها الى الأقسام الثقافية في الصحف للحصول على اقل المكاسب والمتمثل في الإعلان او اهدائها للاصدقاء والاقارب ممن ضاقت مكتباتهم الخاصة ان وجدت مجاملة أكثر منها اقتناء للقراءة.
هذا القول بالطبع لن يثني ارباب الكلمة عن ركضهم في ميادين الكلمة والكتاب، فالمبدع لا يحيا أو يحسب أيام عمره إلا بحجم ما قدمه للحياة من ابداع تخلده الايام فهو في عالمه الابداعي مسير لا مخير.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved