الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 24th July,2006 العدد : 163

الأثنين 28 ,جمادى الثانية 1427

على ضفاف (حمزة شحاتة)«6»
نايف فلاح
وعن أدب شحاته وفكره لم يصل إلينا إلا القليل، أو أنه - وهذا احتمال - لم ينشئ سوء هذا القليل الذي انضم شتيته في أربعة كتب خلا ديوانه الشعري. فكان (إلى ابنتي شيرين)، و(رفات عقل)، و(الرجولة عماد الخلق الفاضل)، وأيضاً (حمار حمزة شحاته) الذي لم أقف عليه، بل ولعلي ما كنت سوف أسميه لولا جهود بعض النقاد في الإعلان عنه. كل كتاب من هذه الكتب له موضوعه، وكلها صدرت عن مؤلفها من غير مواطأة، ما عدا (الرجولة عماد الخلق الفاضل) بما أنها محاضرة تهيأ لها الكاتب أكثر من سواها.
(إلى ابنتي شيرين) أول مطبوع خرج بعد (حمار حمزة شحاته).. بيد أنه يعبر عن شحاته وقد قرَّت فورته وهدأت ثورته، ولعل انطلاقه من موقع الأب، كما هو واضح من العنوان، كان علة هدوئه وارتياضه.. والكتاب عبارة عن ستين رسالة هي بعض مما بعث به شحاته إلى ابنته شيرين.. هي ستون رسالةً غير أنها ليست كما الرسائل، فهي ستون قطعة من النثر الفني الحديث العالي... فمن خفّت به العجلة ليخلع على هذه الرسائل النجح والتفوق، مبرزاً لها على رسائل نهرو، أو خليل مردم بك، أو حتى رسائل ديستوفسكي في الإخوة كارامازوف.. فلقد ظُنَّ به خطأً؛ لأن النتيجة الحكمية إزاء هذه الرسائل تظل واحدةً في حالي الإبطاء أو السرعة، ولن يبدل أحد من إعجابه مقدار شعيرة مهما اختلفت طريقة نظره إلى تلك الرسائل... لأن الأدب والفن في منزعه لدى شحاته كالكرامة الحقيقية الصحيحة، شيء في النفس وليس شيئاً في أعين الناس أو في تقديرهم.. وليس وجوداً مظهرياً يقتات على الضجة الخاوية ويدين بالشكل الخلاب، فهذا أدخل ما يدخل به هو الكرامة المزيفة.. وهذا السلوك المزيف لازم عن أخلاق الاشتباه التي لم يفتأ شحاته يفندها ويفضح خفيّها في كل كتاباته الأخلاقية على تفاوت المحطات أو المنطلقات.
وشحاته في هذه الرسائل قريب مما قاله عزيز ضياء بما حرفه: (ينطلق - أي شحاته - على سجيته وفي عفوية الأب الذي يتحدث إلى ابنته، فلا يتكلف الاحتراز من الخطأ، ولا يحرص على التأنق في العبارة، ولا يتحسب في وقع الفكرة على نفس القارئ - مع ملاحظة أنها لم تنشأ لجمهور القراء - فجاءت كل رسالة نموذجاً خاصاً، إن لم يكن فريداً بين كل ما كتب للنشر أو لأي صديق من أصدقائه. ومع ذلك، فإن ما يشيع فيها من لمسات جمال وفن ومنابع إشعاع فكري في هذه الشؤون التي نجده يعالج النصحة بها أو التنبيه عليها يرفعها إلى مرتبة النادر من الأعمال الأدبية، ليس فقط بالنسبة إلى كاتبها الكبير، وإنما - ربما - بالنسبة للأدب العربي الحديث.. يمتاز بمستوى من التكامل الفني فيما يكتب نثراً أو شعراً، وفي الرسائل التي كتبها إلى ابنته شيرين، أو في أي رسالة يكتبها إلى أي صديق.. إذ يستحيل تقريباً أن تضطرب عنده العبارة أو يضعف السبك أو يتعقد الترابط في تسلسل الجمل، أو تلتبس مفاهيم الفكرة ومراميها، وهذا إلى جانب تلك الأناقة العجيبة في خطه الجميل فكأن الكتابة عنده نوع من صوغ الجوهر الثمين الذي يستحيل أن يخرج من قلمه إلا رائعاً أخاذاً لا يسعك إلا أن تتأمله بكثير من التأمل والإعجاب).
هذه الرسائل هي المحجة التي يرقى بها عشاق شحاته في معرض الإثبات.. إثبات حجمه الأدبي ومكانته الفنية، ومدى همه الثقافي الذي كان يتفجر في كل زاوية من زوايا حياته الشخصية، لذلك أمست الرسائل التي تبتده دافقة بالفن عفواً على غير احتشاد أو تدبير، وهذا شأن مَن أضنته محنة الأدب وأعياه ثور الفكر.. حتى ما هو في حساب العارض والبديهي يجيل رأسه فيه، فلا شيء يمر دونما تأمل أو تمعن.. فكأنه لا يحس شيئاً ولا يشعر بشيء، ولا يقرأ شيئاً ولا يرى شيئاً ولا يسمع شيئاً إلا فكر في الصورة الكلامية له، وبعبارة أدق: إلا فكر في الصيغة الأدبية التي تظهر ما أحس وما شعر وما قرأ وما سمع: (ابنتي شيرين.. كيف طرأ لك أن تستعملي هذا الورق الرقيق لكتابة رسائلك.. ألكي تقيمي دليلاً على أن الإنسان في العصر الحجري كان يستعمل الصخور ورقاً لرسائله..). ترى مَن في ميسوره البرهنة على أن هذه الرسائل نجمت عن مربّ لأربع فتيات، أو البرهنة على صدورها عن شحاته الأديب المتفنن؟!
باب الاحتمال مشرع.. فالرسائل ذاتها مترعة بما لا يرجّح احتمالاً على آخر.. يبقى السؤال مفتوحاً: هل ثمة اتفاق صامت أو عقد مضمر كان يسري بين الفتاة وأبيها أم لا؟!


Nf1392@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved