أعراف غزالة الحازمي وقوارب الحب!! محمد جبر الحربي
|
(كما ينفتح قلب الوردة على العبير ينفتح وجدان الشاعر علي الحازمي على الشعر؛ هذا الفن الجميل والبديع الذي يتكون من الكلام المغمور بالشفافية والتوهج. علي الحازمي تعبير عن مخاض شعري يضيء الجزيرة العربية ويحرِّك وجدانها الساكن بعد صمتٍ طال قروناً، وبعد محاولات إقصاء طالت نصف قرن على الأقل. شعر علي الحازمي كصاحبه معتزٌّ بنفسه، ولا يصفِّق إلا للشعر وحده، ولا يستعجل الشهرة أو يركض وراء سراب المؤتمرات والفضائيات، إنه يعيش حلقات عُزلته المضيئة في ألَقٍ عذب يليق بالقصيدة).
بهذا الكلام الشعري الصادق المكثَّف الذي تكاد تلمس صاحبه يبوح لك بمحبة صديق قديم يقدِّم الدكتور عبد العزيز المقالح لمجموعة الشاعر الصديق علي الحازمي الشعرية الجديدة (الغزالة تشرب صورتها).
وهذا ليس بمستغرب على الدكتور الحبيب، فهذا ديدنه مع الشعر والشعراء في مختلف أنحاء الجزيرة العربية، فكانت هناك البدايات الجنوبية، وها هي ثمار البدايات الشمالية تتواصل.
وقد أعجبني هذا التقديم، أو هذه الخلاصة القارئة للحازمي وشعره، ووددت لو كانت لمجموعتي أنا، ولا غرابة في ذلك؛ فعليٌّ يشبهني، وأنا أُشبهه.
قسَّم الحازمي مجموعته إلى قسمين: (جمر يغفو.. امرأة تهب) و(حب مريض). وهو يذكرني بالحب المريض بما كتبته في قصيدة لي عن النساء لم تُنشر بعد ولم يسمعها:
(مرضى في الغرفِ الخلفيةِ
في قاعات العزلةِ
في الوحدة تقضم أطراف أصابعهن على درج النسيان)
في حين أن الرجال:
(مرضى من دون نساء)
لكن حبيبة علي حاضرة دائماً ومحرضة على جمال تزدان به قصائد المجموعة.
خرج علي إلى قصيدة التفعيلة من خيمة القصيدة العمودية المتميزة، كما هو حال معظم شعراء جيزان؛ حيث للكلمة مقام عالٍ في مجتمع تربَّت ثقافته وذائقته على الآداب والفنون، ويتمتع معظم شعرائه بأدوات شعرية يغبطهم عليها غيرهم، وأنا أحد الغابطيهم مرجعيتهم العذبة الشجية، وفضاءاتهم الساحرة، وأدواتهم التي تجيد النقش على شجر الحياة، والعزف بقصبها.
ولذلك يأتي شعر علي الحازمي من تمازج طبيعة الأرض مع طبيعة الروح:
(يا حبيبة مرِّي على الغيم
دعينا نطوِّح بالأمنيات على مفرق السهلِ
حين وُلدنا
كما العشب بين صخور التلال القريبةِ
كنا قريبين من سرِّنا
قاب قوسين من منتهى الأغنياتِ
التي يأسر الناي غُربتها في أنين القصب
كان طفل هوانا ندًى وشذاً ممكنا)
والحبيبة هي الوطن، وهي صورة الوطن، وهي البديل عن صاحبي الشاعر القديم، فبدل (خذاني مالك بن الريب) أصبحت الحبيبة الرفيق والصاحب في شعرنا الحديث، يبثُّها همومه وآلامه وآماله:
(يا حبيبة مرِّي على الغيم
أزجي العنان لخيل هواكِ
لنُفلت من ويل قنَّاصةٍ ينثرون
سهامهم حول تلك التلال القريبة
دَعِي الخيل تشرع من رغبةٍ
في جناح قوائمها
كي تعانق من غربة في دمي.. وطنا)
والذين يعرفون علي الحازمي يعرفون حزنه النبيل، وشفافيته، وأحلامه الكبيرة، وحبه المتدفق لكل ما حوله من شجر وبشر وحجر، كما يعرفون ارتباطه الوثيق بقريته ضمد في جنوب الوطن والقلب.
ولن يجد القارئ أية صعوبة في الانسياب مع قصائد المجموعة، ولا في التعرُّف على ما ذكرناه في عزفه المنفرد على الروح:
(ليس في العمر متَّسعٌ
كي نسير على ضفَّتين
ولن نتمكن من سرد سيرتنا
في كتابين منفصلين
عن الوقت والروح
وليس لنا من خيارٍ أخيرٍ
سوى أن نخبِّئ
في جسدٍ جسدين
فلا بد لي أن أكونك أنتِ
ولا بد من أن تكوني.. أنا)
هو الحازمي إذنْ بعد مجموعتيه (بوابة الجسد) و(خسران) يواصل ترسيخ تجربته الشعرية الحديثة، منطلقاً من بوابة الحب، بالحب، قاصداً مدينة الحب كما يفعل الشعراء الكبار الذين ينحتون من أنفسهم قوارب لنقل البشر إلى عالم أقل وحشة، وأكثر أُلفة، مُذيبين أرواحهم، مانحين أعمارهم فواكه لسلال الغير.
mjharbi@hotmail.com
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|