Culture Magazine Monday  25/06/2007 G Issue 204
فضاءات
الأثنين 10 ,جمادى الثانية 1428   العدد  204
 
جماليات فن المقالة «1-2»
1- الفضاء الموضوعي
منيرة المبدَّل

 

 

نقطة ضوء:

المقالة فضاء مفتوح، والفكرة ضالة الكاتب؛ أنى وجدها فهو أحق الناس بها!

تعد المقالة الفن الأوحد الذي يخترق حاجز الموضوعية المقننة، ويسبر عوالم بانورامية في مسار الطرح الموضوعي؛ مشكلاً الحضن الدافئ الذي يطرق بابه كل فكر، فتنال كل القضايا نصيبها من ذلك الاحتضان.

ومن غير المبالغة القول بتفوق المقالة بهذه الخصيصة على سائر الفنون الأدبية الأخرى، مانحة بذلك المقالي حرية في عبور كل جسور العلم والمعرفة والثقافة والغوص في مكنونات النفس عبر محيطها العام والخاص.

إذ تسهم المقالة بارتفاع سقفها الموضوعي وفضائها الرحب في عملية التواصل بين الكاتب والقارئ، وخلق الألفة والتفاعل معه من خلال عملية التلقي.

وعندما نقترب من المقالة موضوعياً، لنفصل المجمل من الحديث، فإننا نقف أمام فن تتعدد تصنيفاته وتتباين، نتيجة الأفق الواسع للموضوعات المعرفية والإنسانية التي تشكل مادة المقالة، حيث المقالة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والأدبية، والوجدانية، ومقالة السيرة الذاتية، والوصفية، والقصصية (السردية)، والعلمية.

وفي جعبة كل موضوع رئيس تفريعاته العديدة المتشعبة، التي سنبقى - في اعتقادي - عاجزين عن الإلمام بحدودها وأطرها.

ومقدرة المقالة على الجمع بين العلوم والذات الإنسانية هو ما جعلها تنال في المقام الأول شرف جمالية الفضاء الموضوعي بجدارة.

بل إن اتساع تعاطيها الموضوعي جعلها تتقاطع وتتعالق مع أجناس نثرية أخرى، خاصة فن السيرة الذاتية، وأدب الرحلات، والسرد بتصنيفاته وهذا التقاطع على الصعيدين الموضوعي - كما هو في هذه المقالة - والفني كما في حديث قادم بإذن الله مصدر قوة فعال كما أشار إلى ذلك الباحث التونسي أحمد السماوي في دراسة حديثة عن المقال - نستبشر بها - نشرت في مجلة عالم الفكر الكويتية في عددها الأخير (أبريل - يونيو 2007م).

إلا أن هذه الجمالية لم تنلْ عناية الدارسين والباحثين في حقل دراسة المقالة، الذين كتبوا عنها بتعمق كالدكتور محمد يوسف نجم في كتابه: فن المقالة (ط1، 1996م)، يقول في تعريف المقالة (قطعة نثرية محدودة الطول والموضوع، تكتب بطريقة عفوية سريعة خالية من الكلفة والرهق وشرطها الأول أن تكون تعبيراً صادقاً عن شخصية الكاتب) ص 76 من دون أن يشير تصريحاً أو تلميحاً إلى جمالية الفضاء الموضوعي)؟!

وعلى مساحة حرية أخرى، تنعم المقالة وهي أدب الفكرة، بما يطرحه المقالي من أفكار لا تقف عند حد من الحدود.. فالباب مفتوح على مصراعيه لتقديم مائدته الشهية كل يوم بما يختار من صنوف الأفكار والأطروحات التي يقدمها للمتلقي - القارئ.

ولعل هذه المساحة المفتوحة أمام الكاتب هي ما أوقعت بعض الباحثين والنقاد في دائرة الحيرة من عدم انضباط المقالة في صنف فكري أو موضوعي موحد، حيث استعصت على التصنيف؟!

لكنها - من وجهة نظري - جمالية يتمتع بها هذا الفن، لتجعله فناً قادراً على احتواء عوامل التعرية الأدبية التي قد تصيب بعض الأجناس بالهرم، وتجبرها أحياناً على التنحي جانباً!

فالمقالة فن صالح لأي بيئة زمانية أو مكانية مهما تعرضت للإهمال أو الإقصاء من الدرس النقدي، إذ لا يمكن لأي أدب أو صحافة قطع أواصر العلاقة مع هذا الفن تحديداً. وفي المقابل، فإن نوافذ المقالة الموضوعية المشرعة أمام المقالي، وحرية التناول لا تلغي من حساباته مسؤولية الكتابة وأمانة الكلمة، التي تجعله يمارس رقابة ذاتية فيما يختار ويقدم من موضوعات الحياة في قوالب مقالية تُقرأ في كل حين!

وهنا يأتي دور المقالي نفسه لا النقد ولا المجتمع، فالبحث عن الموضوع المناسب للقراء من خلال اعتبارات كثيرة هو الأفضل، مع عدم إلغاء رغبة الكاتب وأحقيته في انتقاء موضوع مقاله.

وفي حال غياب هذا الأمر، فإن القضية تتحول - في تصوري - إلى شيء أبعد ما يكون عن الجمال الذي نحن بصدده!

ليس ذلك فحسب، بل إن انحراف المقالي واستغلاله لهذه الجمالية في عرض اللا مناسب من الموضوعات، توقعه في شرك الكشف عن حقيقته وهويته كون المقالة تستند في الأصل إلى خلفيات الكاتب الثقافية وتوجهه الفكري!

* باحثة مختصة في دراسة فن المقالة - الرياض- mon2266@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة