Culture Magazine Monday  25/06/2007 G Issue 204
سرد
الأثنين 10 ,جمادى الثانية 1428   العدد  204
 
قصتان قصيرتان
عبد الله الوصالي

 

 

(1)

من النافذة

من بين أنفاسي المتصاعدة كنت أحاول اقتناص لحظة ابتلع خلالها ريقي، منتظراً أن يكف قلبي عن سكب الضجيج في أذني، وأن تتلاشى عن عيني طبقتها الحمراء .

جسدي العائد إلى حالة السلم يعثر في طريقه على أوجاع متفرقة وذاكرتي تستعيد دقائق تفاصيل المعركة . .

فقد كنت الأسرع من بين القاطنين استجابة للاستغاثة التي صدرت من أعماق الحي. دون سابق تخطيط وجدتني أمام الخصم ساداً عليه طريق الهرب . . بدا قوياً مفتولاً يفوقني قوة بمالا يقل عن ضعفين . . لم تطل نظراتنا الفاحصة لبعضنا، التحمنا في عراك زاده الخوف شراسة واقتتالاً.

كتلة الخصم اختزلت الكون فيها. حاولت انتهاز كل فرصة سنحت لإعطابه، ولم يدخر جهداً في إلحاق الضرر بي ومحاولة الفرار.

تقاذفنا ككرتي مطاط بين الجدران . . جثمنا فوق بعضنا . . تدحرجنا على الأرض، لينتهي بي الأمر حيث أتكالب مستنداً إلى الجدار بجسد منهك.

- يا لك من واهن.

تسلل صوت من ثغرة في الضجيج المتراجع.

كيف جعلته يهرب منك بهذه السرعة..؟

أدركت أني المقصود بعد سماع الصوت الثاني!..

ألم تكن تسمع ما كنا نشير عليك بعمله أثناء المعركة..؟

كنت أتلمس مصدر الصوت حين قال رابع:

- دعوه، لقد أصم الجبن أذنيه..

رفعت نظري استطلع الأمر وسيل التقريع يواصل انهماره، كانت الساحة خالية إلا مني بينما نوافذ جميع بيوت الحي المطلة على الساحة مشرعة.. تطل منها وجوه لا تتشابه قسماتها إلا في العبوس والازدراء وأنا حيث أنا أتمنى لو استطعت بلع ريقي وحين ظننت أني استطيع أحسست بمرارة لعابي الشديدة تكاد تخنقني فبصقته أحمر ذا فقاقيع.

(2)

ظلال

اضطر في لحظات معينة أتذكر لعبة كنت أمارسها في صغري حين يصطحبني أبي معه في بعض الليالي خارج المنزل إذ أتملص من قبضته، التي لم تكن على أية حال بالشديدة، أثناء مرورنا في الأزقة الشاحبة ذات الأنوار المتفاوتة فألحق بظلي المرتسم على الأرض أطارده . . أحاول القفز فوقه فينسل هارباً من تحت قدمي . . أباغته لأطأ جزءاً منه فأخطئ الهدف ويظل يقصر ويستطيل ويتلبس في أشكال عدة دون كلل.

وأهرع إلى الإمساك بقبضة والدي حين يلوذ ظلي بعتمة سباطات كانت تعترض سيرنا، يحتجب أثناءها تماماً ويصبح من المستحيل رؤيته حتى عند أسفل قدمي حيث منبته، لأعود أطارد متعتي من جديد حال اجتيازها.

لا أذكر تحديداً متى كففت عن تلك المحاولة لكن ظلاً، ينتحي دائماً زاوية خلفي، ظهر بمحاذاتي عندما رشدت. ليس فيه تلك الخفة والتمرد المعهودان في ظلي القديم لا يستجيب شكله الرتيب للضوء بل يزداد امتلاء مع الوقت فيثقل كاهلي يبدو في متناولي في كل حين على الرغم من انه يحبذ دائماً أن أطأه في الظلام.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة