الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 25th July,2005 العدد : 116

الأثنين 19 ,جمادى الثانية 1426

محمد البساطي لـ«الجزيرة»
روايتي ليست فانتازيا والريف عالمي المفضل

* القاهرة مكتب الجزيرة إنصاف ذكي:
في روايته الجديدة الخالدية يجوب الأديب محمد البساطي في عوالم وأجواء إبداعية يدخلها لأول مرة وهي عوالم (الفانتازيا) وأجواء المدينة، بعد أن كان الريف والحياة الواقعية هي عالمه المفضل.
ففي روايته الجديدة نجد مدينة وهمية اسماها الخالدية تدور فيها الأحداث، غير أن البساطي ينفي كل ذلك ويؤكد أن روايته الجديدة ليست (فانتازيا) ولكن واقعية. ويقول: لعل خيال بطل الرواية هو الذي يعطى ذلك الانطباع ويضيف البساطي في حواره أن الخالدية اسم قسم شرطة وهمي في مدينة وهمية اخترعها خيال موظف صغير يعمل في قلم الحسابات بوزارة الداخلية، وبعد أن أعطاها ذلك الاسم اختار الصعيد مكاناً لها، لأنه يعتقد أن الصعيد مليء بالمدن الصغيرة التي لا يعرفها.
هذه القصة ليست خيالية ولكن واقعية حدثت بالفعل وعايشتها عن قرب أثناء عملي في الجهاز المركزي للحسابات وهو الجهاز المعني بمراقبة الحسابات وقد تم اكتشاف هذه الواقعة عندما قام بالتفتيش على حسابات قسم الشرطة الوهمي.
ويشير البساطي إلى أن الرواية تتناول حدثاً حقيقياً ولكن خيال بطل الرواية جعل البعض يطلق على الرواية وصف (فانتازيا)، فبطل الرواية وظف خياله في خدمة جيبه الفارغ حتى يمتلئ، فقام بتزوير أوراق ومكاتبات رسمية لإنشاء قسم شرطة وهمي في مدينته الوهمية، بما في ذلك كشوف رواتب ومكافآت كان يضعها في جيبه بدأت الفكرة بلعبة ولكن نسي الهدف الأصلي من اللعبة، فتحولت من عملية نصب إلى حياة موازية استغرق فيها خيال اللص وامتصته شيئاً فشيئاً حتى أصبحت حياته الوحيدة مستبدة بيقظته ومنامه، فهو رجل خصب الخيال يحب التأمل ويهوى أن يعيش في خياله، وهذا الخيال الحي يقتله في النهاية.
في بداية اللعبة يجد المحتال صعوبة في اختراع أسباب لكشوف المكافآت المزورة، فيبني مدينة من الصلصال على ماكيت خشب لتساعده على تخيل الحياة في المدينة وقسم الشرطة التي يحرسها، لكن الخيال يجره ويسلب لبه، فينسى النصب والتزوير، ويعيش شيئاً فشيئاً، ويغوص شبراً فشبراً، في أحداث وشخصيات مدينته الوهمية وهي رغم أهميتها شديدة الواقعية، لأن الخيال صناعتها يستقى مادته من خبراته وتجاربه.
* في الرواية استغراق للخيال، هل هذا هروب من الواقع؟ ليس هروباً من الواقع وإنما فكرة الرواية هكذا مستقاة من الواقع، كما أنها بعيدة عن الإسقاطات وهذا على عكس روايتك السابقة أوراق العائلة؟
الرواية بها انعكاسات من الجو العام وروح العمل لا يخلو من التأثيرات التي نعيشها، فهناك انعكاسات تتواري في العمل، أما في أوراق العائلة، فهناك انعكاسات لا يمكن أن تتوارى، ففي الرواية البطل والشخصية الواضحة هو الجد الكبير الذي أضاع كل شيء وجلس بجوار جثة ابنه الذي مات في صمت تام، والذي هو مسؤول عن موته بصورة غير مباشرة، والابن الذي يحمل من الصغر هم البحث في أوراق العائلة عمّن يكون فهو لا يعرف أين جذوره ولا هو ابن من؟ فهو يحيا بلا يقين وهذه الأمور التي سارعت بموته.
وأرى أن كل هذه انعكاسات التي لا يخلو منها أي عمل، فاستحالة ألا يكون المبدع مهموماً بكل الأحداث التي حوله، وهذا انعكاس للوضع المتخاذل المنحدر الذي يعيشه العالم العربي، فنحن لا نكتب من فراغ، فالمبدع مشحون بكل هذه الأحداث حتى بدون وعي من الكاتب.
* خرجت في روايتك الجديدة عن عالمك المفضل وهو الريف هل يعني هذا عدم العودة إليه مرة أخرى؟
ليس معنى الكتابة عن موضوع خارج الريف عدم العودة إليه مرة أخرى، فالريف كان وما يزال عالمي المفضل، ففي الريف الحدوتة تأتي وحدها وتنبثق من القدم وتجدها تولف نفسها وتكتب شخصياتها ولكن المدينة لا أرى أنني سوف أكون سعيداً وأنا أكتب عنها، ولم أتناول المدينة سوى في رواية التاجر والنقاش التي استعدت فيها أحداث حدثت في عهد عبد الناصر، وصدرت في يناير 2000 فأنا لا أكتب عن حدث إلا عندما يتعمق في وجداني ككاتب وهذا ما حدث في روايتي الخالدية.
وهذا يوضح أيضاً تمسكي بالقرية، لأن عادة عندما يكتب الكاتب يجب أن يتحرك في مكان يعرفه جيداً ويعرف ناسه، واختلافاتهم وأن المكان أمان ومدروس جيداً، فأنا أتحرك في هذا المكان بسهولة، ما عدا جغرافيا المكان التي تتشابه بشكل ما.
والريف هو المنطقة والعالم التي تجد لمحاتها حاضرة حتى الآن في حياتي وهذه المنطقة التي عشت بها في فترة الصبا، لذلك تجد علاقة وثيقة بين الريف والأعمال الإبداعية كلّها ما عدا (ليلة أخرى)، فهي الرواية التي كتبت عن فترة السبعينيات، والأحداث التي مرت بها القاهرة، ولأنني أكرهها بشدة، وهي الفترة الساداتية، وهذه القصة الوحيدة التي كان بها نوع من المباشرة، فقد عشت فترة من التخاذل الذي عاناه في النظام المصري أمام العدو، فكانت الرواية هذه التي تحمل صفة المباشرة، حتى إنه في أحيان أذكر بها الأسماء الحقيقية لبعض الشخصيات، وهذه الرواية تحكي قصة امرأة عاشت هذه الفترة، وكانت لها شخصية مهمومة بالوطن ومن خلالها استعرضت الفترة والانفتاح وقبحه فيما عدا ذلك، تجد أنني تناولت المدينة في قصص قصيرة أخرى، وتناولت تهجير أهالي مدن القناة، فالمنطقة التي عشتها والخاصة بي عبارة عن بحيرة وزراعة، فهناك روايتان عن علاقات المجتمع الريفي وكان من ضمن هذه الأعمال (ويأتي القطار) و(أصوات الليل) والتي بها شيء من السيرة الذاتية الخاصة بي.
وهذا نوع من الالتصاق بالقرية، فكل مرة أشرع في الكتابة عن روايه تدور أحداثها في المدينة، أجد أن القرية تجذبني إلى حكاويها التي لا تنتهي، ولكن أن يكون هناك عالم خاص بي، فهو نوع من الطموح إذا استطعت أن أحققه كان بها.
* هل هناك شخصية تشبهك في رواياتك؟ وما هي أقرب الروايات إلى نفسك؟
كل شخصية من رواياتي تحمل بعضاً مني غير أن البعض لاحظ شبهاً بيني وبين بطل رواية أوراق العائلة الذي أخذ يفر ويبحث في أوراق العائلة، ويحاول استعادة ما رأى في طفولته وما سمعة من أمه، فالموضوع أن الراوي هنا هول الطفل الذي يحاول أن يفهم وتنتهي الرواية دون أن يفهم، فدائماً الريف قادر على أن يسيطر على المسائل الخاصة بهن، فالرواية تحمل طابع الولد الصغير الذي يقرأ أوراق العائلة و(ينكش) الماضي في البحث عن الحقيقة ولكنه لم يصل، وكذلك رواية (فردوس) التي عشت أحداثها وأنا في العاشرة من عمري، و(أوراق العائلة) بها شخصيات كنت أعرفها جيداً وعايشتها في مرحلة الصبا ولكن هناك الكثير الذي اختلقته، ومن حيث أقرب الروايات إلى نفسي، هي رواية (ويأتي القطار)، لأن بها جزءاً كبيراً من أحداث حدثت لي، فهذه كانت أقرب الروايات إلى نفسي، فقد كتبت فيها عن أشياء حدثت لي، وأحداث حدثت لأشخاص أعرفهم ولكن أفضل رواياتي لا أعرفه وهذه تختلف فيها حسب تذوق المتلقي.
* هل الإمساك بالعمر الهارب هو دافعك لكتابة الرواية؟ أم ولعك بالنهايات؟
عدّ لحظات النهاية محطة للاسترخاء، لكنى حتى الآن لم أبحث في نفسي عن دافع الكتابة، وربما كان هو الإمساك بالزمن الهارب إلى جانب دوافع أخرى، وأنا عامة لا أشعر بوجودى إلا في الكتابة.
* أحياناً تبدو رواياتك كالقصص المتتالية، وقصصك كرواية واحدة مقسمة، فما رأيك؟
لست من أنصار التصنيف، فأنا كقارئ استمتع بالقصة القصيرة وبالرواية بنفس القدر، وككاتب استمتع بالاثنين معاً أيضاً، لكنى أحسب نفسي قاصاً، أما كتابة الرواية بالنسبة لي فتأتي بالصدفة، فالرواية تبدأ بقصة ثم تروح تبني نفسها، ويجد النقاد مثلاً أن فصول مبنية كبناة القصة وتكنيكها، وهو الملاحظ في مجموعة (ساعة مغرب)، فقد أردت كتابة قصة عن التمثال وفوجئت بتنويعه على هذه القيمة فتوقفت ورأيت أن رواية سوف تظهر للنور لكنها للأسف كانت قد انتهت عند القصة الثالثة من المجموعة، فقد لفتت الناقدة الدكتورة لطيفة الزيات رحمها الله نظري لذلك في دراسة لها عن مجموعة (منحنى النهر)، حيث تشكل بعض قصص المجموعة وحدة وحدة.
الصفحة الرئيسة
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved