الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 25th August,2003 العدد : 26

الأثنين 27 ,جمادى الثانية 1424

صدى الإبداع
الغرب يكيل بمكيالين (61)
د. سلطان بن سعد القحطاني

تحدثنا عن مأساة عدم الفهم المتبادل بين الشرق والغرب، وقصور الفكر العربي في مواجهة الغربي، وظهر على هذا الفكر المتقوقع المتخلف فكر تغريبي، منطلق من واقع هذه الأمة المأساوي المتخلف ليدين تاريخها كله (حاضره وماضيه) ويحكم عليه بالزوال، ويتهمه بأنه السبب في تأخرها، يقول ان الشاعر العربي سبب الهزائم المتوالية، وأن المفكرين والمصلحين يمشون في ركاب الحكام، وان اللغة الجامدة سبب رئيسي في عدم قدرة الأمة على الإبداع، ويدعو إلى تقليد الغرب في حضارته، باعتبارها المنجاة من أسر الانحلال والتقهقر، وقد يستغرب البعض إذا قلنا إن الغرب يشجع هذا التقوقع والتقليدية والانحلال ويكيل لهذه الشعوب بمكيالين، يدعي انه جاء ليطورها ويصلح من أحوال أهلها، وينشر فيها الحرية والديموقراطية والعدل، ويساويها بموطنه الأصلي، وقد صدّق البعض من المثقفين الذين بهروا بحضارة الغرب المادية، هذه الدعاوى ونادوا بهذه المبادئ للخلاص من الجمود الذي يعاني منه المجتمع، بكل طبقاته، حتى الذين يمارسونه ويجنون منه ثمار مصالحهم الخاصة، وفي كلتا الحالتين، يكون الغرب هو المستفيد الأول، من كل من الطرفين، ضمان عدم استفادة أصحاب الفكر الجامد من منجزات الغرب الحضارية، في مجال الصناعة والتكنولوجيا، وإدراك معنى الحرية الفكرية في ممارسة الفكر الحضاري على جانب التمسك بالثوابت الدينية، من دون تزمت ولا تطرف، واعمال الفكر في مستجدات الحياة العلمية وتطوير الفكر، ومن ناحية اخرى يشجع على ترويج التيار التغريبي، لمسخ العرب والمسلمين عن ذاتهم القومية، وذلك بزرعهم في عالم غير عالمهم، وبهذه الطريقة يسد الطريق امام أي تقدم يكون من شأنه ظهور حضارة عربية إسلامية متقدمة، تتجاوز في منجزاتها منجزات حضارة الغرب المادية ،الغرب يعرف ان حضارته حضارة مادية لا تستطيع القيام بدور امبراطوري دون أن يكون بجانبها حضارة روحية، لذلك ركز كل جهوده على منطقة الشرق الأوسط (كما اصطلح عليها) لكنها في الواقع تعني المنطقة العربية، بتراثها وحضارتها، التي انهارت بانهيار الإمبراطورية العربية، في بغداد، كما ذكرنا من قبل، وعندما يئس من الهيمنة الاقتصادية على الشرق البعيد (كوريا واليابان والصين وحتى الهند) لم يكن امامه إلا الشرق الأدنى، أو الأوسط، كما هي التسمية اليوم، ولم يكن ذلك بالجديد على الغرب، فقد تنبه إلى ذلك منذ الغزوات الصليبية، في القرن الحادي عشر الميلادي. ومن تتبع الفكر الغربي، وما انبثق عنه من نتائج، عسكرية وسياسية واقتصادية، نجده مركزا على المنطقة العربية، التي اقام من خلالها الإمبراطوريات، التي سادت ثم بادت، وأول تلك الإمبراطوريات، الإمبراطورية اليونانية، بقيادة الإسكندر المقدوني، وآخرها، الإمبراطورية البريطانية، وكل من تلك الإمبراطوريات اقامت حضارة خاصة بها من خلال معطيات البلاد العربية الحضارية، التي لم تستغل من قبل أهلها، فمنذ الحملة الصليبية الأولى نقلت المخطوطات العربية إلى أوروبا، وتمت ترجمتها الى اللاتينية، وفي أولويتها، كتب الطب والفلسفة والأدب، وبقية المعارف، وفي العهود المتأخرة نقل الباقي إلى مكتبات أوروبا الكبرى، مثل مكتبة (لايدن) في هولاندا، ومكتبة لندن، ومتحف اللوفر في باريس، وغيرها من العواصم الأوروبية، ولا يخفى على أحد، الصراع الدموي على البترول، واستثمار العائد الصناعي الأوروبي والأمريكي، لاستهلاك الاقتصاد العربي، لاستمرارية نشاط الصناعة، وجميع أشكال المنتج الأوروبي والأمريكي، وكل ذلك بسبب الصراع القائم بين التيارين الرئيسيين، في البلاد العربية، وهو السبب في إضعاف الانتماء الوطني، حيث جعل الإنسان العربي يأخذ بعين الاعتبار واحدا من ثلاثة معايير رئيسية، يقيم عليها تصوره الفكري، إما المعيار المذهبي، أو المعيار القبلي، أو المعيار الإقليمي، وفي ظل الفكر المتحجر، والفكر التغريبي الداعي إلى نبذ كل تراث قديم (الحداثة) صار الوطن وتراثه درجة ثانية، لا يعرف منها إلا الهوية الشخصية، ولذلك فشلت كل النظريات الغربية، التي حاول البعض تطبيقها على العالم العربي، لسبب واحد، فهي شجرة زرعت في غير أرضها، ولم يفهم الذين قاموا بتطبيقها كيفية التعامل معها بروح العصر الذي ظهرت فيه ولا الظروف التي دعت لظهورها، فهي ممكنة من وجهة النظر النظرية، لكنها مستحيلة من وجهة النظر التطبيقية، لأن الفكر العربي القابل للتطبيق لا يزال غير قادر على الاستقرار، الذي يتحقق من خلاله النمو التطبيقي فالحداثة في الغرب تعني رفض كل قديم وإلقاءه في سلة المهملات، بما في ذلك (الدين) لأنه من بقايا الماضي المنتهية صلاحيته وإذا كان الغرب يدين بدين الكنيسة، وممارساتها الجائرة، المعرقلة للتنمية بتقاليدها البالية، وهي التي اعلنت الحرب على الحداثة والحداثيين، في عهد البابا (بول) سنة 1907م فكيف بها في البلاد العربية التي يدين أهلها بالإسلام، ما عدا عدد قليل من اصحاب الديانات السماوية الأخرى؟؟ والله تعالى قد تكفل بحفظ دينه، في قوله {إنَّا نّحًنٍ نّزَّلًنّا الذَكًرّ وّإنَّا لّهٍ لّحّافٌظٍونّ} ومما لاشك فيه أن تلك النظريات قد فشلت في التطبيق، في مواطنها الأصلية، مثل الاشتراكية والرأسمالية والبنيوية، وغيرها مما جعل النقاد والمفكرين الغربيين يعيدون النظر في تلك النظريات والأقوال، ويقيمون الفكر النقدي على أسس جديدة، وإلى قراءة التراث قراءة حديثة، ويرى البعض من النقاد والدارسين، ان جوهر العمل الفني يقوم على أساس تاريخيته، أي على أساس الأثر الناشئ عن حواره المستمر مع الجمهور «حامد أبو حامد 105» ولا نجد مبررا لانهيار هذا الفكر على أيدي التقليديين، الذين يدعون أنهم قضوا على الحداثة في الوطن العربي، بما ألفوا من كتب، ونشروا من مقالات هزيلة يهاجمون فيها الفكر الحداثي، الذي سيطر على وسائل الإعلام فترة من الزمن، في أوج نشاط هذا التيار، بيد أن الحداثيين هم الذين قضوا على أنفسهم بأنفسهم، لسبب واحد، ذلك ان النظرية الحداثية لم تنجح في الوطن العربي، وقد فشلت في أوروبا، ومارسها العرب، في الوقت الذي كان تيار ما بعدالحداثة ينهار، هو الآخر، وإذا كان هذا حال التيار الحداثي، فهل نجح التيار التقليدي؟؟ إن التيار التقليدي قد انهار تطبيقا قبل أن ينهار فكراً، وما زال أنصار التيارين الفكريين يصرخون في وادٍ غير ذي زرع، ويعزفون على أوتار متقطعة، فالتيار الأول متقوقع على نفسه، يعيش فكر القرون التي ولَّت دون تجديد، والتيار الحداثي صارت حداثته تقليدية، في الزمن الذي يتعامل الإنسان فيه مع معطيات العقل، ويحكّم فيما يقرأ ذائقته الفنية.
الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
المحررون
الملف
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved