الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 25th August,2003 العدد : 26

الأثنين 27 ,جمادى الثانية 1424

استراحة داخل صومعة الفكر (12)
سعد البوادري

يا فدى ناظريك
غازي القصيبي
110 صفحات من القطع المتوسط
العيون الساحرة دائماً هي الشغل الشاغل للعيون الساهرة.. كم تغنى بها الشعراء.. وكم تمنى بها كل مشتاق لو انه جندول يبحر في سمائها.. يجدف.. وحول شواطئها يرسي مراسيه..
انها واجهة السحر والجمال.. بل انها خطابه المرئي الصامت الذي يقرؤه من لا يعرف أبجديات الحرف.. بل انها اقوى اسلحة الحرب التي تمطر دموعا تخر له صلابة وقساوة العتاة حين تعلن عن الضراعة والشكوى..
هذه العيون اعلن شاعرنا المبدع القصيبي عن فدائيته. وافتدائها وقد ادرك سر قوتها. وسطوتها. وجاذبيتها..
لندع الحديث له كما رسمه شعرا على صفحات ديوانه «يا فدى ناظريك» ماذا قال؟ وعن ماذا تحدث؟!
لم يكن حديثه عن عيون حواء.. وانما عيون آدم ايضا.. لم يكن شعره من أجل مآقي حسناء.. وانما ايضاً مآقي الشهداء الذين سقطوا على جادة الحرية. والفداء.. كان أولهم طليعة هذا الديوان.. والعنوان.. «محمد الدرة» الطفل الفلسطيني الذي اغتالته رصاصات الغدر وهو يحتمي بجسد والده خلف حائط اخترقه الرصاص.. وسقط شهيداً في حرب الحجارة..
(هدرا مُتَّ.. يا صغيري محمد
هدرا. عمركَ الصبي تمدد
يا فدى ناظريك كل زعيم
حظه في الوغى «أدان» و«ندد»
يا فدى ناظريك كل جبان
راح من ألف فرسخ يتوعد)
حسنا جاءت صورتك موحية بكل نبض شعري.. ودفق شعري.. ملاحظة بسيطة ليتك اتبعتَ علامة تعجب وأكثر في نهاية شطرك الأخير.. انه يستحق أكثر من علامة تعجب واحدة..
ومن الصبي الشهيد إلى سلمان الحفيد:
(سلمان سلمان هل تمنحني
تذكرة الدخول إلى عالمك الصغير
في عالم الدمية. والحليب والسرير)
انها علامات الاستفهام الواجية في تساؤلاتك.. ويمضي شاعرنا ونمضي معه:
(كل الكبار فيه طيبون)
من قال هذا.. ابدا الكبار فيه يقتلون الصغار ويقهقهون على نخب جنائزهم.. لأنه لا يوجد في عالمنا كبار دمية.. وانما كبار رمية هم في حقيقتهم دمى تحركها اوتار شيطانية لا تعرف الرحمة. شاعرنا استدرك ما غاب واشار بالسباب إلى ما كنت اعني:
(سلمان. سلمان لو تعرف ما يدور في عوالم الكبار
كنت بكيت ألما لجدك المسكين
يعانق الستين كأنه يعانق الشفار..
ويلمح السنين وهي تمر فوقه مثل القطار)
الأعمار يا صديقي الشاعر تقال بالأعمال.. واخالك شابا مشبوب الارادة والحياة.. والا لما قلت كما قلتَ..
نمر بالوردة مكتفين بشذاها وعبيرها إلى ما هو أهم.. فالورود في حقولنا.. وفي عقولنا يتيمة.. وإلى حين تخصب لنا معها وقفة نستمطر روحها ورائحتها في عشق وشوق..
«هؤلاء رجالك يا سيدتي» عنوان مثير يجتذبك إليه بفضول الشهية.. من تكون.؟ وما هي سماتهم وصفاتهم؟
(لونهم من رماد)
لون لا احد يحبه.. حتى افكارهم والفاظهم.. ولون اسمائهم رمادية.! عرفناهم شكلا.. بقي ان نعرفهم اصلا.. اما هي فما برحت غامضة مجهولة الهوية.. لا الهوى..!
(هؤلاء رجالك يا سيدتي
سقطوا في المتاهة بين البياض وبين السواد)
أي رماديين لايفرقون بين السرور والشقاء عيونهم محنطة. لا تحب الظلام ولا تنتشي بالضياء.. هكذا وصفهم شاعرنا في ايجاز:
(هؤلاء رجالك يا سيدتي..
هل هنا واحد قتلته العيون؟
يموت قليلا من يموت صديقا
وان كان يبدو الشامخ الصامد الصلبا)
لعله يموت كثيراً من عاش لوهنه.. وخان لوطنه.. انه موت الحي الانكى من حياة الميت! ويكون الختام رائعاً مليئا بالحكمة:
(أتشكو إلى الموت؟!. أشكو نقيضه
حياة تريني الموت في مرها عذبا)
اتفقنا.. دون توقف عبرنا مع شاعرنا القصيبي محطة «الدعوة» ومقطوعة الرثائية لشاعر العراق محمد مهدي الجواهري فالرثاء وان كان وفاء لابد منه.. فإن احق الناس بالرثاء الذين يموتون وهم يتحركون.. لا أولئك الذين سكنوا قبورهم واصواتهم عالية غالية مجلجلة.. في سيرنا وسفرنا اللذيذ لافتة منصوبة حول صالة واسعة مكتظة بعجائز يتزاحمون ويتخاصمون ايهم الأحق بالأولوية والافضلية.. بالتطلع اليها ادركنا سر الزحام والخصام.. «فياجرا».
( ياسيدي المخترع العظيم
ياباعث الفرحة في المخادع المهجورة
ومرسل الرعشة في الأضالع المنخورة
يا من أثرت في المحيط والخليج النخوة الأصيلة
هذا رجاء شاعر يبوح لا على شباب سيفه
لكن على امته القتيلة)
الفياجرا.. لا يعيد رجولة لأحد.. الفحولة وحدها هدف الذين فاتهم ركب الزمن وتعلقوا على اهداب وهمه الكاذب..
«انا. وهم» في حوار دافئ بينها وبينه اداته الصمت الابلغ تعبيرا من الصوت:
(تقولين: «تلحظ مني القشور
وتغفل عما وراء القشور..
ولا تعلمين بأن عيونك
تفضح حتى جذور الجذور
وان ابتسامك حين يضيء
أطالع كونا عجيبا يمور)
إلى هذا الحد مازال جدار من الغموض يفصلنا عن الحوار.. لابد من اختراقه إن أمكن..
(ارى طفلة في زحام الحياة
تخوض الجموع بحزن يثور
تروم الحنان. وترجو الامان
وتبحث عن مرفأ من حبور
فتطوي على يأسها روحها
وتلبس للناس ثوب السرور)
هكذا براءة الطفولة.. تتألم دون أن تدري.. تبكي دون ان تدري.. لأن عقلها وفكرها الطفولي لم يسبر بعد اغوار حياتها.. اسرار حياتها.. لهذا سرعان ما تنسى وترتدي للناس اجمل ما لديها من ثياب.. آه من عذوبة العذاب في عيني طفلة.. كل طفلة..
«شيء من السحر» واحدة من محطات تنتظرنا توقفنا امامها مشدوهين بشيء لا ندري أهو سحر الجمال.. ام سحر السحرة؟!
(آه.. ياذات العيون العسلية
أي سحر.. قادنا من غير تفكير إلى هذا المكان
بعد ان كنا حسبناه فراق الأبدية)
تنفسنا الصعداء بعد ان اختفت عن هواجسنا اشباح السحرة وشعوذة السحر.. امامنا اغنية جمال لابد ان نرقص على ايقاعها:
(خائفين.. نحن كنا خائفين
مثل طفلين يريدان.. ولكن
يُرهبان الوالدين..
وتكلمنا عن الصحب.. عن الامطار.. والاخبار.. عن كل قضية
كيف ذاك الأمس ضاعا؟
كيف كنا نتلاقى كل يوم؟
نكتم الحب ونمشي بثياب الأصدقاء
كيف سافرت وما قلت وداعا؟
كيف يا احلى النساء)
مقاطع رومانسية من قصيدة حب بين عاشقين يعيشان بحلم طفولي اختفى ولم تبق منه الا ذكرياته الحلوة المرة.. ذكرتيني بذلك البيت من الشعر القديم لطفل وطفلة كانا يرعيان الغَنَم، ويحلمان بغُنْم الزواج.. وبعد ان شبّا عن الطوق كان الغرم لهما والنصيب لآخر:
«صغيرين نرعى البهم يا ليت اننا إلى الآن لم نكبر ولم تكبر البهم»
«أمير الفل» قبالة حقله الشذي، الندي، الشعري الذي يؤبن به فارسنا الراحل نزار قباني كانت لنا معه استراحة:
(كتبت اسمك فوق الغيم بالمطر
وبالجدائل.. في سبورة القمر
يا للوسيم الدمشقي الذي هدمت
دنياه. وهو على وعد مع الصغر
تجيئنا كلما فاحت قرنفلة
وكلما اصطبغ الرمان بالخفر)
رثائية مؤثرة يفوح منها بقايا عطر نثره شاعر الاغنية الوجدانية القباني ما برحنا نستنشقه ابياتا واغنيات من فم فيروز وماجدة الرومي ونجاة الصغيرة. وكاظم الساهر وآخرين ملأوا فضاءات الكلمة المخملية طربا وشدوا..
(تموت..؟ كيف وللاشعار مملكة
وانت فيها مليك البدو والحضر)
ومن شاعر ينضج شعره بالعطر الى امرأة لا تقرأ الشعر:
(أتابط كل دواويني
وأسير على الأرصفة المغسولة بالمطر الدامع
أنشد أجمل اشعاري)
ويخاطبها لمن يعتب عليها لأنها فقيدة المشاعر لا تقرأ الشعر الذي وجد من أجلها.. ووُلد بين شفتيها:
(يا امرأة لا تقرأ شعرا.
يا امرأة لا تقرأ شيئا.
يا امرأة لا تعرف عمق جنوني
اكتب عنك. ويقرأ غيرك غزلياتي
أتأبط كل دواويني..
واصيح بحرقة ستيني
ما اشقى ان اعشق جسدا حلوا
لا يسكنه عقل اجمل منه مرارا)
شيء صعب على مشاعر الشاعر ان توأد قصائده بقبضة جامدة ممن تعنيه تلك القصائد.. وممن تعانيه تلك الخطابات الشعرية..
«يا اخت مكة» محطة متميزة عن كل محطاته التي مررنا بها خفافا أو ثقالا لأن لها نكهة الروحانية.. وسمة القداسة:
(تلك الثنيات. فاذكر مطلع القمر
واخشع مع الألق الطافي على الذِّكر
في يوم مولده.. او يوم بعثته
أو يوم هجرته ما شئتَ! من عبر)
يسترسل شاعرنا القصيبي في سرد ما افضت به مخيلته من صور وعبر وسير حيث طيبة الطيبة التي احتضنته وآزرته وناصرته حتى اتم الله به الدين:
(ويا ابا القاسم المختار يملؤني
حب يجل عن التصوير والصور
ان كنت قصرت في مدحي فمعذرتي
اني رزقت حروفا لسن من درر)
حتى ولو انها من درر لن تفي رسول الإنسانية والبشرية حقه.. انه أكبر من كل ثناء.. وأجل من كل مديح..
«هدية الاقدار» لا شك انها مولودة طرقت باب حياته استقبلها بحب دونه كل حب...:
(اشعلت عطركِ في المكان. وفي فمي
ونثرتِ جمرك في الزمان. وفي دمي
طيفا قدمتِ كأنه حلم الصبا
ينساب من قلب المشيب المعتم
ولمستني فرجعت طفلا صاخبا
فوق المجرة.. عابثا بالأنجم)

++
يتبع
الرياض: ص.ب 231185 الرمز 11321
الفاكس: 2053338

++
الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
المحررون
الملف
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved