الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 25th October,2004 العدد : 82

الأثنين 11 ,رمضان 1425

استراحة داخل صومعة الفكر
نبض الضفائر محمد إسماعيل جوهرجي
232 صفحة من القطع الكبير
سعد البواردي

للوهلة الأولى أضيف إلى معلوماتي معلومة جديدة مفادها أن للضفائر نبضاً.. كما أن للقلب نبضاً.. طبعا شاعرنا لا يعني الأظفار جمع ظفر ذلك الذي يخدش ويجرح بنابه.. وإنما الضفائر جمع ضفيرة.. ذلك الشعر المسترسل والمتدلي على الظهر بتموّجه وتراقصه مع حركة الجسد.. ومع هبات النسيم، وهي تلاعبه وتداعبه.. هل أن هذا ما يعنيه شاعرنا ويعطي له صفة النبض تماما كنبض القلب وهو يحصي دقاته على جدار الصدر؟ ربما هو الأقرب إلى الفهم.. رغم أن الحركة هي الأقرب إلى الدلالة.. والأصوب إلى المعنى.. ما علينا.. فالدرب أمامنا فيه المتسع للتعرف على الضفائر.. ونبضها.. ممن.؟ ولمن.؟ وعلى ماذا؟
(مغرورة) مقطوعة الاستفتاح لهذا الديوان الأنيق طباعة.. وكتابة.. وورقا ولوحات.. لعله يشبع غرورها ويثنيها عن التمادي فيه:
(يا حسنها.. هذي الفتاة جمالها أشجاني
مفتونة.. تمشي الهوينا مثل غصن البان)
الأشجان يا صديقي صفة من صفات الحزن.. والجمال لا يشجي.. وإنما يأسر ويحيي.. قد يكون هذا أخيراً.. لا أولاً.. بعد أن يفشل الحب.. أما الحزن ومن أول نظرة فشيء مبكر؟
(قد غرها سطو الجمال، ونفرة الغزلان
فمشت تقارب خطوها.. فواحة الأردان)
ماذا تريد من حواء فاتنة أن تفعل غير ما فعلت..؟ جمالها وغنجها هما سلاحها الذي تأسر به قلوب العاشقين وتمنحهم بطاقة الهوية لمملكتها.. ألست واحداً منهم؟!
(أنا من نسجت الشعر فيها من لهيب كياني
وصهرته من نبضة الإحساس، والوجدان)
ها أنت اعترفت.. وجاء النبض نبضك لضفائرها، لا من ضفائرها هذه المرة.. ومن نبضك أنت إلى (نبض الضفائر) نتوقف:
(اشتاق دخان سجائرها
أتحسس نبض ضفائرها
فأراه يغلف آلامي
ويذيب تكلس إلهامي)
نبض جديد أضافه شاعرنا إلى مفردات وصفه وهو يفتش داخل غربته عن نسخة.. فما يرى إلا الأزهار تحترق.. وليس تذبل وتموت.. الاحتراق أقسى أنواع النهاية لدى شاعرنا.. لماذا؟ هو نفسه يجيب عن ماذا؟!
(أشتاق إليك، ولا أخشى
إلا السلوان إذا أغشى
وأهيم.. أجدّد ماضيك
ورحيق البسمة من فيك)
ليس هذا فحسب.. الأطياف تهدهده كي ينام داخل شرفة همستها كالطفل الذي يشتاق إلى حكايات أمه قبيل النوم.. ومن ثقب ماضيه وآتيه يرعى بالحب ضفيرتها.. وينتهي الحب إلى ما يشبه الندب.. هكذا عود الشعراء أنفسهم أمام تجارب وامتحانات عشقهم:
(فأودع حلم أمانينا
وربيعا جف بنادينا)
(الشاعر المسمار) عنوان لافت للنظر، ومصطلح جديد أضيفه إلى معلوماتي ربما يقودني إلى مصطلحات آخر (كالشاعر اللوح) و(الشاعر المفك).. الشعراء أعرف بزملائهم.. ونعوتهم.. أليس أهل الشعر أدرى بشعابه وهضابه؟!
شاعرنا قرأ قصيدة لشاعر مترف.. أوزان قصيدته مقلوبة.. وحروفها مصلوبة.. يجتر في الظلام عفن القول.. ولهول الصدمة مما قرأ غالب رأسه صداع موجع، ولكنه لذيذ لأنه يعني الرفض والضيق لما قرأ:
(فأنست بالصداع عن لغوه المشاع)
والأصح من لغوه لا عن لغوه.. ومن الشاعر المسماري إلى (المشي على الضباب).. على من يبحث شاعرنا جوهرجي..؟ وعلى أية مطية امتطى؟!
(وحين طلبت تصورت سربا
من الحلم يركض فوق السحاب
يلامس نبض مروج الخيال
فينشر بالحب أحلى كتابي
تسلقت ليلاً جدار هواك
وجسرا شرائحه من ضباب
تصعدت فيك كما أشتهي
فكان انزلاقي، وكان الغياب)
هكذا تأتي نهاية الطموحات إذا كانت كبيرة.. وأدوات الوصول إليها صغيرة وفقيرة.. لا الحب وحده.. وإنما الحياة كل الحياة.. ومع هذا لابد من السعي، والمحاولة.. الفشل يعني العمل.. والفشل في العمل السبيل لتحقيق الأمل حتى ولو طالت جادته..
(صوب عينيك) محاولة جيدة هل توصله إلى ما يريد، أم ترتد به خطاه دون أن يصل إلى عينيها؟!
(صوب عينيك أقمت الجسر في ظل الخفاء
وجذور اليأس من قلبي تلاشت في انتهاء
لم يعد يقتاتني يأسي بصمت وانزواء
أو يعد ينهش خفقي كل صبح ومساء)
بشرة خير من شاعرنا ولشاعرنا الذي اصطفى الجسور معبرا لرحلات حبه.. لعله هذه المرة لم ينزلق من جسره ويهوي كما هوى:
(لم أشأ أن أنكأ الماضي عتابا.. فعزائي
إن لي قلبا رفيقا حاملا صدق وفائي)
هذا أنت..؟ ماذا عنها؟ الستارة لم تغلق بعد: الديوان بعشرات محطاته يستعصي على المسافر الوقوف عندها محطة محطة.. لابد من الإيجاز.. وتجاوز الكثير منها في حدود ما يسمح به زمن الرحلة.. نتجاوز (لا لست فارسك) (لحظة لقاء) (جزيرة الحب) (شريحة قلق) (إلى الحداثة والحداثيين مع الشكر) (اللثغ في الراء).. وأمام محطة (نبض الأحلام نتوقف) نبض مشاعر شاعرنا متجددة ومتعددة:
(أو ما قرأت قصيدة الإحراق في شط الندم؟
أو ما رأيت الليل يسبح ضد تيار الألم؟
لغة الكلام توقفت.. واستشرفت لغة النغم)
نعم.. كدنا مع شاعرنا نقترب من لغة العيون التي أشار إليها شاعرنا شوقي في أبياته:
(وتوقفت لغة الكلام فجاذبت
عيني في لغة الهوى عيناك)..
إلا أن الشاعر غير الشاعر.. والشعر غير الشعر.. والنهاية غير النهاية:
(لم ترس أحلامك قربي
مذ طويتني.. ولم
أرسم النجوى حنينا للقاء لم يتم
فاعبري إن شئت فيها
فوق أشلاء السقم)
هكذا جوهرجي عودنا على أن نعود بخفي حنين في تجاربه الشعرية، هو يلهث يبني الجسور، يركب الضباب، ينثر الأحلام، ثم يتداعى من حولها تاركاً بطاقة حزنه، أو اعتذاره.. أو عجزه.. أو عتبه.. لعل.. وعسى.. على أمل لم يتحقق بعد..
(فتات من الذكرى) محطة جديدة.. الذكريات دائما تثير الفضول لمن يعيشون على الذكريات.. والذكريات رصيد حياة:
(كم تألمت حين غر اقترابي
يا مماري بشقوتي وعذابي
أنت أدرى بما أعاني ملالا
من بلاء، ووحدة، واغتراب
فعلى الحلم كم رعيتك طيفا
راقص الخطو في فنون الشباب)
سيل من المشاعر انتزعها الشاعر من مخزون ذكرياته ووظفها من خلال مفرداته، لا تضيف جديداً إلى مضامين مقطوعته الشعرية، وإنما تغرقها في عملية توصيف مغرق في الوصف.. البحث فيها شكوى.. والتذكير بها موجع:
(ضقت ذرعا بما أعاني فهلا
ترسم الخطو في طريق الإياب
أنت بدري إذا الظلام تمطى
فوق راح على متون السحاب
رُب لحظ يرتد منك حياء
فيعيد اللقاء بعد الغياب)
ذهاب بلا أوبة.. وسفر دون عودة.. واغتراب دون اقتراب تلك ثنائية شعر شاعرنا.. قصيدة واحد من قصائد ديوانه تغنى ن عشرة منها.. لأن الصورة الضمنية.. والإطار الخارجي متوحدان ومتحدان في كل قصائده..
(الخوف) ماذا عن الخوف؟ أنا أكره الخوف وأخاف منه.. ومع هذا لابد وأن نتعرف على أسبابه كي لا نقع جميعا فيها:
(يا طائرا حركت في شعوري
فمضيت لا أقوى على التعبير
حركت في صبابة مدفونة
حاولت أخفيها عن التصوير)
أينه الخوف الذي أخافنا منه؟ لا شيء سوى قصة طبق الأصل من حكايته عن تلك المغرورة الآسرة التي تعالت عليه وتركته وحيداً يتعذب في دواخله، نفس السيناريو:
(قد غرها فيه الدلال فأبحرت
مفتونة بقوامها المغرور
أغرى بها سطو الجمال فما رعت
حق الوفاء لدلف مأسور)
لهذا الصدود منها أبحر شاعرنا في شط النوازع لا في بحرها!! أفاق عن لهوها.. واستقر أخيراً في أعماق درب المتاهة المهجور..
هل أقول للصديق جوهرجي: أنت مأجور لو أنك عدت إلى قواعدك سالماً دون ضياع.
ومن (الخوف) إلى الضياع إلى (لحظة يأس):
(المهرة فزعى لا تقوى خوض الميدان
ترتد بنحس خاسرة في كل رهان
فتعود تفتش عن معنى جدب الأغصان
وروابٍ لم تنبت قمحا رغم الفيضان
لا شيء تراه سوى عطب في كل مكان
عفوا.. إهدائي سيدتي هذا الغثيان)
من أجمل قصائد ديوانك لحظة يأسك.. إذا كان اليأس يصنع لنا الجيد والجميل لا بأس..
(في سلة يأس مفرغة وجع الكتمان
فإنا لا أملك ما أهدي غير الأحزان)
ومع الأحزان أهدى لنا شاعرنا أجمل ما في الديوان.. وأصدق ما في الوجدان..
(الشاعر المسمار) مررنا به.. والحمار والشاعر نتوقف عندهما للتعرف عليهما أيهما أكثر حميرة.. أو أكثر ذكاء!
(ذات يوم.. يقال شاعر حب
للحمار الجهول بات يغني
يا حماري العزيز قد صرت أذكى
من كثير من الأنام، ومني
جف صوت الآباء حين تبدى
زمن فيه للحمار تبني
املأ الأرض بالنهيق إذا شئت
وان شئت رفسة المرجحن
وادفع الصوت بالنئير دويا
حيث بات النهيق أعذب لحن
آفة العصر أن يكون الحمار
عند سبق الجياد أكثر طعن)
شاعر الحب قسا على حماره حين هزأ به وسخر منه متندرا.. وما كان يدري أو يدري أن الحمار يؤدي وظيفته التي خلق من أجلها أفضل من كثير من البشر الذين عطلوا قدراتهم.. أو ألغوا عقولهم.. أو ركبوا موجة غرورهم واستعلائهم.. الحمار يا شاعرنا حيوان أليف طالما ألهبنا ظهره بالعصي.. وأثقلنا ظهره بما لا يقوى على حمله وتحمل.. ليتنا كنا في أمانة الحمير.. وفي جلدهم وتحملها لأعباء الحياة..
انتهى الجوهرجي الشاعر من الحمار.. وفرغ إلى الشعر متسائلا: (ما هو الشعر)؟!
(الشعر إن لم يرد فيك غلالة
لا كان من شعر يقال وينشد
هو فيض إحساس ونبض صبابة
وتأمل عبر الحياة مجسد)
نبض صبابة الأنسب منها والأوفق (نبض مشاعر).. تجهد قافلتنا مع رحلتنا الشعرية.. نتجاوز بضع محطات (سحابة من عنبر) و(زئبقة حيرى) و(يا قلب من تهوى غدا) و(سرب من الظبيات) ونحط أمام (سفينة الهوى) عند مرساها:
(وقربي موجة جذلى تضاحك شطها الهالع
تلاعب في الدحى أملا وتصبو للفضا الواسع)
الموجة ليست أكثر من حسناء ربيعية برية ترتدي طرحتها البيضاء مخبئة خلفها ضفيرتها.. إليها صبا قلبه وأرسى حول مرفئها قارب حبه.. وكفاية!
(هذه الدنيا) واحدة من قصائد ديوان شاعرنا محمد جوهرجي نبض الضفائر: يخاطب فيها رفاقه وقد افترقوا وذهب كل واحد إلى سبيله:
(كل حلم قد توارى، وانتهى من حيث جاء
سمة الدنيا غرور، ذات وجهين سواء)
أبداً يا صديقي.. وجهان مختلفان لا سويان ولا متساويان.. وجه أمل ووجه ألم.. وجه مودة ووجه كره.. وجه حرب، ووجه حب..
نتعدى (لقب الضمير) فالثقوب في ضمير عالمنا لا تعد ولا تحصى.
(لسان حالها يقول).. هكذا يقول.. ماذا عن لسان حالها؟
(هي الدنيا تقول لكل حي
سل الأيام عن مكري وبطشي
فإنك لو غفلت اليوم غني
ستلقى في مسارك غب طيشي
أجر من المصائب ما أراه
يعكر صفوكم قهرا وأمشي)
الدنيا لا تمشي إنها زمن وحياة.. نحن الذين نمشي.. ونرحل.. ثم نحن الذين نودع الحياة أجمل ما لدينا وأسوأ ما لدينا.. نشكلها وفق طبائعنا وغرائزنا.. الحياة نحن.. ونحن الحياة.. كما نكون تكون..
(لحظة تأمل) وقفنا عندها.. بعد أن استغرقتنا الرحلة إلى النهاية.. نجتز منها هذه الأبيات التأملية الوعظية:
(إن السما.. والأرض كل آية
تحكي صنيع الإله في إتقان
لو أطلق الإنسان فيها عقله
لرأى سرائرها كما البرهان)
الأرض والسماء اثنان أي مثنى.. مفردة كل للجمع.. الصحيح (كلا).. يمضي الشاعر في قصيدته:
(هذي الكواكب في السماء مضيئة
تهدي الذي قد ضل في الركبان
تستوجب التأميل في نفس ترى
في عمقها الإبداع للديان)
كلمة التأميل هنا غير صحيحة.. التأمل لا جمع له.. وكي يستقيم الوزن وتصح العبارة تحل مفردة (التفكير) محل التأميل.
القصيدة إملائية وتقليدية وهي أشبه بالنظم، وتفتقر إلى الصياغة البنائية الموحية بجلالها وجمالها.
(لا، لست أنا).. محطة ما قبل الأخيرة.. تقول بعض أبياتها:
(حين يصبح العمر شراعا قرمزيا
تتقاذفه الأمواج والسكون
يرحل البحار
يدّفق الصدى ساحليا
من ضباب مكثف عتمي الانتشار)
قصة حوارية بينه وبين حلمه.. الجسر هو القنطرة الموصلة بينهما لكنها لا تصل.. لأن خفر سواحل حدود الحب تترصد الأقدام وتطاردها، والنجي النجي من يلوذ بالهرب والعودة من حيث أتى.. القصيدة متخمة بالمفردات والكلمات المتشابهة التي شابت صورتها وأساءت إلى فكرتها مثلا: هذه الأبيات:
(ولست يا سيدتي ناسكك، ناشدك
خادمك، حارسك، فارسك المختار
فكل طفح قيئته سيدتي مخير، معبر
مدمر، مصور، ومنذر نهاية البوار
لأن يوحي راكض وناهض، ونابض
ورافض ديمومة الشنار
فمهرتي، في خفقتي، في صبوتي، في مهجتي
في بوحتي، في لوعة جمانة المحار
زنبقة، ناعمة، باسمة، فاعمة
حالمة بكل نبض حار)
ركام من الكلمات تاهت المضامين الحية في دهاليزه.. دون أن تضيف شيئا.. وإنما أضاعت أشياء حبذا لو أن شاعرنا الكريم الجوهرجي أبعد عن مباشرته وتقريريته واستعاض عنها بالمفردات الموحية التي لا تعضل أو طويل أمد المسافة بين المدخل والمضمون والقفلة الشعرية.. هكذا البناء الشعري مساحة هندسية تخضع للمقاييس والأبعاد وإلا تحول البناء إلى فوضى.
هكذا وبهذه المحطة توقف بنا الركب.. ترجلنا في فناء الاستراحة من أجل الراحة والعودة إلى رحلة قادمة بإذن الله مع عمل جديد.. وعلى أمل متجدد.

الرياض ص. ب 231185
الرمز: 11321 فاكس: 2053338

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
منابر
مراجعات
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved