Culture Magazine Monday  26/02/2007 G Issue 188
فضاءات
الأثنين 8 ,صفر 1428   العدد  188
 
المقالة والنقد الأدبي:
تجاهل النقاد والاستنساخ!!
منيرة المبدَّل *

 

 

فن المقالة من الفنون النثرية الحديثة، التي اقتحمت ثقافتنا العربية قادمة من الغرب، وغذا ما غضضنا الطرف عن مراحل ظهورها التاريخي، وتتبع أعلامها وأنواعها، فإننا بهذا الفعل نتجاز فن المقالة النظرية، ونلج إلى الشق التطبيقي وهو الأهم في نظري!

والحديث عما أُلف وكُتب في هذا الجانب لا يتجاوز ما أُلف عن نظائرها من الفنون الأخرى! فلم يأخذ هذا الفن حقه من البحث والدراسة، وبقيت المؤلفات التي لا مست المقالة، اجتهادات شخصية، غيبت فيها النظريات والمقومات والأسس، فلم يتفق البحاثة والنقاد على تصنيف موحد لأنواعها، ولا تزال الساحة معرضاً رحباً للاختلافات والاجتهادات وإن كان حقاً مشروعاً إشكاليه الوحيد: الفتور في تقديم أطروحات جديدة.

وإعراض الدرس النقدي العربي، وقلة الدارسين وجهابذة النقاد أسهم في خلق أزمة واضحة لفن المقالة دراسةً وبحثاً، فالتجاهل والإعراض خلق أمام الراغبين في البحث في هذا الاتجاه معضلة علمية ونقدية في كيفية ممارسة الدراسة التحليلية والتعامل مع هذا الجنس من الوجهة النقدية.

وعندما نتجاوز المشكلة/ الأزمة في دراسة فن المقالة، لنتجه صوب الأسباب والدوافع، لنكون ممن شخص وعالج! فإننا نقف أمام أولى العقبات وهي جمع النتاج المقالي، والانتقال من العملية الآلية للجمع إلى معرفة سياقات هذه المقالات وملابساتها ضمن إطار زمني ومكاني محدد، وهذا الأمر يشكل عائقاً حقيقياً أمام الدارسين، مما يجعل فكرة الإقدام لدراسة مقالات بيئة أو أمة أو أديب ما من الصعوبة بمكان.. وربما مجازفة فيحجم ويبتعد!.

ومن يغامر ويخوض غمار الجمع والبحث فإنه يستنفذ جل وقته وجهده، ويكون ذلك على حساب الدراسة التطبيقية والتحليلية والجانب النقديّ.. التي هي المحطة الأبرز أثناء معايشته المقالية لسبر أغوار هذا الفن.

بل إن صعوبة عملية الجمع لا تقف وحدها أمام الدارس لهذا الجنس، إذ ترافقها صعوبة أخرى تظهر في عملية التصنيف، حيث تتطلب دراسة المقالة معرفة دقيقة بأنواعها لينطلق الباحث على أساسها في تحليله الفني.. فلا يتخيل دراسة قائمة لهذا الفن من دون تعرف على أنواعها!

وعدم وجود تصنيف موحد زاد المهمة الصعبة صعوبة، في الوقت الذي تتداخل فيه الأنواع المقالية، وتتباين في أساليبها، بل وتختلف من كاتب إلى آخر، ومن بيئة إلى أخرى.. مما يوقع الدارس في دائرة الحيرة والبحث المضني والاستقراء حتى يقترب من التصنيف الأمثل في نظره وربما يجانبه الصواب أحياناً.

وأمام هاتين المعضلتين: الجمع والتصنيف، تكون العقبة الأولى لدارسي فن المقالة، لكن البعض ممن لم يقترب في دراسته في هذا الجانب، يعتقد أن مشكلة الجمع قد تُحل بوساطة المجموعات المقالية، وجمع الكاتب لنتاجه!

لكن هذا لا يغني مطلقاً من تتبع ظروف نشر المقالات، ومرحلة ظهروها، والبيئة التي ظهرت فيها، في ظل غياب التوثيق الزمني والمكاني في بعض الكتب والمجموعات المقالية.

أما المعضلة الثانية والكبرى، فهي الدراسة الفنية التحليلية للمقالة، وهنا ومن خلال خبرة، فإن الكتب التي تناولت فن المقالة - على ندرتها وقِدمها - لم تقدم نظريات وأسلوباً عاماً للتعامل النقدي لهذا الجنس، على غرار الشعر والسرد، فخلت ساحة دراسة المقالة من تأليف نقدي يرسم الخطى من خلال منهجية علمية واضحة للدارسين، فكانت الدراسات خبط عشاء، واجتهادات، أساءت لجماليات هذا الفنن غيبته على الساحة النقدية، فلم يحظ من الحراك النقدي الحديث بمؤتمرات أو بحوث.. بل إن الأدهى والأمر هو بقاء الآراء حوله إرثا يتوارثه الباحثون في هذا المجال، من دون بحث أصيل؟! أو إضافة جادة تخرج الدارسة من إطارها التقليدي إلى ساحة حديثة أرحب وأجمل؟!

ولعل اللائمة في هذا الصدد تلقى في ساحة النقاد أولاً، لتجاهلهم لهذا الفن الذي يعد على رأس قائمة فنون النثر الحديثة، وأبرزهم في خدمة الفكر على الصعيدين الفردي والجمعي!.

ثم على الدارسين عندما ارتضوا التبعية والتوارث النقدي التقليدي لأسالفهم ومن سبوقهم لهذا الفن، من غير أن تكون لدراستهم أية أثر أو حضور يضيف الجديد، ولا يزيد القديم!

لكننا نرسم المستقبل المشرق بألوان الأمل والتفاؤل، في ظل الإرهاصات في توجه بعض الدارسين الجادين لهذا الفن وتوافر الأطروحات العلمية في موضوعها، والصحوة المنتظرة للنقد الأدبي؟!

ليرتسم بعد ذلك، السؤال الحاضر: هل ستظل تعاني الدراسة النقدية للمقالة من مشكلتها؟ وتجاهلها؟.

والسؤال الغائب: هل ستحل؟.

والسؤال الأمل: هل ستظهر دراسات جادة تخدم المقالة وتبرز جمالياتها؟ أم ستظل تقذف الأيام من رحمها تلك المؤلفات (الهزيلة) التي لا تسمن ولا تغني من جوع؟!

لكننا نخشى من سؤال أليم: هل سيظل فن المقالة غائباً في مشهدنا النقدي والثقافي؟

* ماجستير أدب عربي حديث m8n8m@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة