Culture Magazine Monday  26/02/2007 G Issue 188
فضاءات
الأثنين 8 ,صفر 1428   العدد  188
 
لن نعيش في جلباب أمريكا
أمريكا من وجهة نظر المثقف السعودي * (1)
سهام القحطاني

 

 

(لماذا يكرهوننا مع أننا طيبون)؟..

لا ينفصل الوعي الثقافي السعودي عن الوعي الثقافي العربي في جملته من حيث مواقفه وتحليلاته وقراراته وتعايشه مع القضايا القومية العربية، كما أن أبجدة التاريخ العاطفي لكيلا الوعيين تكاد تتشابه في الفعل الصادر وقانون قراءة الأحداث والخلاصات النهائية التي تشكل الرأي العام أو التي تسعى إلى ذلك، وخاصة القضايا القومية العربية المشتركة.

وتعتبر أمريكا وخاصة بعد الحادي عشر من سبتمبر من أهم القضايا التي جمعت عضويّة القومية العربية سواء على مستوى أجندة المواطن اليومي أو على مستوى أجندة النخبوية السياسية والثقافية العربيتين، ولا أبالغ إن قلت إن أمريكا أصبحت وما تزال جزءا من الحديث اليومي للمواطن السعودي والعربي كما أنها أصبحت جزءا من البرنامج الفكري للمثقف السعودي والعربي، وجزءا كذلك من البرنامج السياسي لصانعي القرار، وبهكذا شمولية أصبحت أمريكا في الوعي العربي عامة والسعودي خاصة جدلية تثير العديد من الإشكاليات، وهو ما دفع المثقف العربي والسعودي إلى تفتيش أمريكا من الداخل، التاريخ والمجتمع والثقافة وتحليل صورتها من الخارج، مواقفها وعلاقاتها مع الدول والشعوب، وتتعدد أهداف هذه الإستراتيجية التي تعتمدها الأغلب الأعم من المؤلفات العربية التي تحدثت عن أمريكا (العقل والجسد والروح)، فمنها تكذيب المثالية الأمريكية التي تبرر من خلالها تصفية الدول والشعوب، وفضح السلوك الأمريكي غير الإنساني الذي تتعامل به مع الآخر، والكشف عن جذور نوايا الحلم الأمريكي للهيمنة والسيطرة على العالم لتفعيل سياسة القطب الواحد، وأخيرا تسليط الضوء على مسألة المؤامرة على الإسلام والعرب التي تتزعمها أمريكا بمعيّة إسرائيل وإعادة ترتيب خارطة الشرق الأوسط. والهدف الأخير يجمع بين أمريكا وإسرائيل في جسد واحد وشراكة لاهوتية وسياسية واحدة، (تحركها إلى ذلك الصهيونية العالمية من أجل تنفيذ مصالحها على الأرض، كل هذا من أجل إحلال الديمقراطية التي ينادون بها ومن ثم تشكيل خارطة الوطن العربي من جديد على مزاج الدولة العبرية) (ص 6 لماذا يكرهوننا).

وتلكم أهداف تكاد تتفق عليها كل المؤلفات التي تحدثت عن أمريكا سواء سعودية أو عربية، وهي ذات القاعدة التي سأعتمدها أثناء إجراء قراءة لبعض المؤلفات السعودية التي تحدثت عن أمريكا مثل كتاب (لماذا يكرهوننا) لناصر محمد الزمل، وكتاب (الثقافة التلفزيونية) للغذامي، وكتاب (كيلا يؤرخ أيلول) لإبراهيم التركي وكتاب (أمريكا والسعودية) للقصيبي وكتاب (الإسلام وأمريكا وأحداث سبتمبر) لمحمود محمد سفر، مع التطرق إلى بعض المؤلفات العربية ذات الوحدة الموضوعية.

في كتاب (لماذا يكرهوننا؟) للأستاذ (ناصر محمد الزمل) أول ما يلفت انتباه القارئ هو عنوان الكتاب (لماذا يكرهوننا) وهو جزء من العبارة الشهيرة للسيد جورج دبليو بوش، (لماذا يكرهوننا مع أننا طيبون)؟ مع العلم أن السيد جورج دبليو بوش ليس أول رئيس أمريكي يستخدم لفظ (كراهية) في توصيف لثنائية العلاقة بين العرب وأمريكا، فقد سبقه في استخدام هذا اللفظ الرئيس الأمريكي (أيزنهاور) الذي قال لهيئته (بالحرف الواحد هناك كراهية ضدنا في العالم العربي ليس من قبل الحكومات فحسب، بل من قبل الشعب) (ص110 - القوة والإرهاب - تشومسكي).

لكن ما أسباب هذا الإدراك

الذي يعلنه أيزنهاور؟

يجيب عن هذا السؤال مجلس الأمن القومي الأمريكي قائلا: (هناك إدراك في المنطقة بأن الولايات المتحدة تدعم أنظمة قاسية ووحشية وفاسدة، وتحول دون قيام الديمقراطية ودون التنمية، وتفعل ذلك كله بسبب اهتمامها بالسيطرة على مخزون النفط في المنطقة وأضافوا قائلين: من الصعب مواجهة هذا الإدراك لأنه صحيح، وليس صحيحا فقط، بل ينبغي أن يكون صحيحا، ومن الطبيعي أن ندعم الحكومات القائمة، أي الحكومات التي وصفتها آنفا، وأن نمنع ظهور الديمقراطية، ونحول دون التنمية، لأننا نريد الاحتفاظ بمصادر الطاقة في المنطقة، ولهذا هناك حملة كراهية ضدنا من قبل الشعب، وهذا هو سببها... واكتشفت وول ستريت جيرنال الشيء نفسه في الرابع عشر من سبتمبر من العام 2001م وما من أحد إلا ويعلم ذلك) (ص 111- المصدر السابق).

فالذي يجعل الإدارة الأمريكية محط كراهية من شعوب العالم وموضعا للسخط (إن السياسة الأمريكية تتعارض مع تطلعات شعوب العالم وأحلامها في تحقيق الأمن والسلام والرفاه الاجتماعي والعيش في أوطان مستقلة بعيدا عن فكرة الهيمنة والاستعلاء التي تمارسها الإدارة الأمريكية بشكل يتصف بالعنجهية البغيضة من خلال عقدة الاستعلاء المركبة التي تنتاب هذه الإدارة) (ص7 أمريكا وهيكلة الموت، محمد مقدادي).

وهو نفس الإدراك الذي يعلنه مايكل موور في كتاب رجال بيض أغبياء (نعم مرة أخرى العالم يكره شجاعتنا، بووو هووو ما الجديد في ذلك؟ نحن البلد الذي يحب الجميع أن يكرهه، ومن يستطيع لومهم؟) (ص193 مايكل موور).

ولعل وضوح هذا الإدراك على المستوى السياسي والإعلامي الأمريكي لنوع العلاقة بين الطرفين ومستواها، هو ما جعل تشومسكي ينعت سؤال السيد جورج (لماذا يكرهوننا مع أننا طيبون) بالساذج! لأن (لا أحد إلا ويعلم سبب ذلك). والحقيقة أنني أظنه سؤالا صادقا أكثر من كونه ساذجا؛ لأنه يعبر عن قناعة السيد بوش نحو العرب والمسلمين، وكل ما يعبر عن قناعتنا مهما كانت سذاجته يظل صادقا لأنه يكشف حقيقة قناعة المرء نحو الأشياء، ومن يدرس قناعات السيد بوش من خلال عباراته، وإن كان تشومسكي يدعي أن تلك العبارات لا تمثل قناعات السيد بوش بقدر ما تمثل قناعات من يكتبونها للسيد بوش، ولا أعتقد أن معرفة ذلك يغير من الأمر شيئا، لأن الناتج مرتبط بتلك القناعات سواء أكانت للسيد بوش أو من يحركه، وحينها لا فرق بين الرأس الفارغ من الأفكار والمليء بها!

أقول من يتأمل عبارات السيد بوش (لماذا يكرهوننا مع أننا طيبون)؟ و(محور الشر والخير) و(معنا وضدنا) سيجدها قناعات بسيطة، نعم لعل هذا التوصيف هو الأقرب إلى طبيعة تفكير السيد بوش وأكثر عمليا، وأسرع تأثيرا على ذهنية المتلقي العالمي وهي أمور تتفق مع خصائص ثقافة الصورة، وذلكم حديث سأتوسع فيه عندما أتناول في هذا المحور ثقافة الصورة بعد الحادي عشر من سبتمبر عند الغذامي، ولذا فالخطاب الأمريكي السياسي على لسان السيد بوش أو من يحرك ذلك اللسان، أصبح يسمي الأشياء بأسمائها الطبيعية وفق قناعاته، وبما تقتضيه من ثنائيات تنظم علاقة الأنا بالآخر بموصفات المنهج الأمريكي للآخر (العرب والمسلمون) بما فيها من تعميم وتقسيم، مثلته الحرب الأمريكية على الإرهاب، والتي تهدف وفق ما يقوله الزمل (خدمة لإسرائيل وللمشروع التوراتي العالمي) (ص23 لماذا يكرهوننا) والتي أدت إلى تجزئة العالم (وزيادة العداء بين الشعوب والدول تحت مفهوم من معنا ومن ضدنا) (23 المصدر السابق).

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7333» ثم أرسلها إلى الكود 82244

*من دراسة العقل السعودي في الميزان.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة