الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 26th April,2004 العدد : 56

الأثنين 7 ,ربيع الاول 1425

الذاكرة والأعمال المؤجلة
إيمان جادو
كانت الدكتورة خيرية السقاف أستاذتي ولا تزال .. وستظل صديقة وأختاً عزيزة.. أفخر دائماً بصداقتي لها.
تعرفت على الدكتورة في جامعة الملك سعود حيث كانت تدرس لنا أنا وزميلاتي طالبات قسم اللغة الإنجليزية كانت هي أستاذة مادة اللغة العربية، وبالطبع لم نكن نعير هذه المادة اهتماماً كبيراً في بداية الأمر، لأنها مادة غير أساسية في دراستنا للغة الإنجليزية. ولكن بعد حضورنا عدة محاضرات للدكتورة خيرية أصبحت هذه المادة وهذه المحاضرة من أمتع وأفضل المحاضرات لدينا.
فهذه الأستاذة الموهوبة تتمتع بأسلوب رائع ليس في كتاباتها فقط وإنما في طريقة إلقائها ، فهي تجذب المستمع لمحاضراتها وندواتها بذلك الأسلوب الرشيق، الشيق، الذي يتسلل إلى العقل والقلب فيزيدهما إشراقاً ويتسم عطاؤها بالصدق في الإلقاء والإخلاص في توصيل المعلومة مما يجعل المتلقي يقابل هذا العطاء بنفس الصدق والإخلاص الذي شعر به .. ولم نجد نحن طالباتها عناء يذكر لتحصيل هذه المادة أو استذكارها ، فقد كان حضور المحاضرة ينعش المعلومات المطلوبة في أذهاننا بحيث لا ننساها حتى بعد مرور سنوات عليها.
لقد تأثرت معظم طالبات الدكتورة خيرية بها، ونقلت إلينا عشقها للغة العربية وللصحافة فتتلمذت على يديها الكثيرات من صديقاتي مثل الأخوات إيمان الدباغ، ماجدة الجارودي، ولاء حواري، منيرة الغدير، وغيرهن كثير وأصبحن صحفيات يكتبن في الصحف، ومن لم تتجه منا إلى الصحافة، استفادت من المعلومات القيمة التي تلقتها من الدكتورة خيرية في حياتها العملية . فقد تأسست لدينا المبادئ الصحفية للكتابة والإلقاء، وصححت لدينا الكثير من المصطلحات والتعبيرات الأدبية باللغة العربية.
ولعل من أبرز صفات الدكتورة خيرية التي يعرفها كل من تعامل معها عن قرب ، هذه البساطة المذهلة في التعامل مع الجميع دون تكلف أو تصنُّع ، مع الكثير من التواضع الذي يعرف من العلماء والأدباء الكبار . بالإضافة إلى هذه المودة الصافية التي يشعر بها كل من اقترب منها فتتسلل إلى القلب وتعطي في النفس أثراً لا يمحى من العلاقة الإنسانية بأرقي معانيها تستمر وتتحدد وتتأكد كلما التقيت بها.
ويزداد أثر هذه الصفات في نفسي كلما قارنت هذه المبادىء والقيم والأخلاق التي شكلت هذه الشخصية الفذة، ببعض الشخصيات التي لم تتطاول لتحقق القليل مما حققته الدكتورة خيرية من مراكز ومناصب علمية كبيرة بالإضافة إلى شهرتها الواسعة في عالم الأدب والصحافة ومركزها الاجتماعي المرموق. أقول انني أحياناً أقارن بعض انصاف المتعلمين وأشباه المثقفين الذين يرسمون الابتسامات المصطنعة على وجوههم ويدعون التواضع والبساطة وما هم في حقيقة الأمر إلا مرضى بالغرور والكبرياء وما هي إلا أقنعة يضعونها في المناسبات المختلفة لتخفي الحقائق المزيفة.
أما إذا رأيت إنساناً لا تبدله السنون ولا تغيره الأيام والمناسبات فيظل وفياً لمبادئه وتظل تصرفاته واخلاقه كما هي أمام الجميع ، فهذا هو الإنسان الحقيقي الذي يستحق كل احترام وتقدير. وقد عرفت الدكتورة خيرية منذ أكثر من عشرين عاماً ورأيتها في مناسبات مختلفة عامة وخاصة ، فما تغيرت ولا تبدلت ورأيتها تتعامل مع بسطاء الناس بنفس الوجه الطيب المبتسم وتغدق على الجميع من نبع عطائها الصافي المتجدد. لقد وهبها الله عز وجل قلباً كبيراً يتسع للجميع ويعطي دون انتظار مقابل ونفساً تمتلئ بالطيبة والحنان الأبدي وكأنها أسطورة من أساطير الزمن البائد ، وهذا هو سر إعجاب الكثيرين والكثيرات بهذه الشخصية المعطاءة المحبة، التي نكن لها في أعماقنا كل الحب والوفاء.
أطلعتني الدكتور خيرية ذات يوم على بعض كتاباتها الخاصة التي لم تنشر فأعجبت بها كثيراً ، وتساءلت عن سبب عدم نشرها فهي في رأيي تنبض بالأحاسيس الرقيقة الصادقة وتتميز بالعبارات الشعرية الرائعة التي تجعلها أقرب إلى الشعر منها إلى النثر. اكتفت بالإجابة بأنها قد تنشرها، وربما تجد يوماً الوقت لتشذيبها وتنقيحها وإعدادها للنشر.
وتذكرت أن لها الكثير من الأعمال والكتابات التي لم تنشر والتي تنتظر أيضاً توفر الوقت لإعدادها للنشر. فهذه الأديبة لها إنتاج غزير من الأعمال الأدبية ولديها الكثير من مخزون الطاقة الإبداعية للقيام بأعمال أدبية متنوعة مثل الروايات الطويلة والقصص القصيرة وغيرها من الأشكال الأدبية الأخرى التي لم تجد الوقت الكافي لإنجازها.
وقد أحزنني ما تلاقيه أديبتنا من معاناة لإنجاز الكثير والكثير مما هو مطلوب منها فهي أستاذة جامعية مطلوب منها إعداد والقاء المحاضرات وتصحيح ورصد واعداد الاختبارات وغيرها وغيرها من متطلبات عملها ، هذا بالإضافة الى ما تحتاجه من وقت لتلبية الدعوات الملحة لاعداد ندوات ومحاضرات عامة وحضور لقاءات واجتماعات تربوية، وإجراء مقابلات ولقاءات صحفية .. بالإضافة الى الأعمال الصحفية اليومية المطلوب عنها عدا عن ذكر ما تحتاجه من وقت لأسرتها وحياتها الاجتماعية، فمتى تجد الوقت والجو المناسب للتأليف والإبداع؟؟
لماذا لا يتوفر لمثل هذه الأديبة الكبيرة من يساعدها في إعداد ما تكتب والتكفل بالأمور التي يتطلبها النشر من تنقيح وطباعة وتسويق وغيرها، مما يوفر عليها الدخول في مثل هذه المتاهات واستنزاف جهودها فيما لا طائل من ورائه.
وأتساءل، هل سنتمكن يوماً من تدارك هذه الأخطاء التي نرتكبها في حق مبدعينا ونوفر لهم البيئة الصالحة لانتاج أعمالهم، بدلاً من استنزاف طاقاتهم وقتل مواهبهم ربما لو فعلنا ذلك لاصبحنا من الشعوب المتقدمة!
الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved