الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 26th April,2004 العدد : 56

الأثنين 7 ,ربيع الاول 1425

ابن عقيل الظاهري جدير بالتكريم وتجاوز خوارق الشعور
محمد بن ناصر الأسمري

حسناً فعل نادي الرياض الأدبي في أداء واجب وطني ورسمي، في تكريم الأستاذ الشيخ أبي عبد الرحمن محمد بن عمر بن عقيل الظاهري. وفي ظني أن الرجل مؤهل ومستحق للتكريم رسمياً وفكرياً، ولذا فلعلي أرى في هذا السلوك من نادي الرياض، تحولاً جوهرياً بالانتقال من الأدبي إلى الثقافي الفكري الذي هو أوسع مجالاً ومداراً من التقوقع على فرع وحيد من ألوان منابت الفكر والإبداع الشامل للعلوم الإنسانية والطبيعية ومستجدات حداثة التفكير. وعسى أن يكون هذا استعداداً للانضواء بمنهج مستجد إلى وزارة الثقافة والإعلام التي باتت المرجعية الرسمية للثقافة والإعلام صناعةً ونهجاً وممارسة أداء ولقاء. أنا أعتز بصداقة الأستاذ محمد بن عمر بن عقيل أيما اعتزاز، هو عندي كما الدكاترة زكي مبارك رحمه الله , ويليق به أن ندعوه المبدعين المفكرين أبو عبد الرحمن محمد بن عمر بن عقيل. أنا أيضا اختلف مع أبي عبد الرحمن اختلاف فكر، لا خلاف ذكر ولا شكر. وهو أسن مني وأكبر علما ووعيا وثقافة متنوعة وان كنت أبزه في لغة لم يتعلمها وهي اللغة الإنجليزية، لكنه غير محتاج إليها فهو من تحتاج اللغات إلى فكره وعمله الموسوعي الرائع.
حرصت على حضور الندوة العلمية التي أقامها النادي تحت عنوان (أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري، وجهوده في خدمة الأدب والفكر والتراث) وتحدث فيها ثلاثة من الباحثين من ذوي الاقتدار المنهجي في إطاريه المعرفي والبحثي. وسعدت بالاستماع إلى ما قدمه الباحثون الأستاذ الدكتور محمد بن عبد الرحمن الهدلق الذي بحث في موضوع ابن عقيل أديباً، والدكتور عبد اللطيف بن محمد الحميد أسبغ الله عليه ثوب العافية تحدث عن ابن عقيل مؤرخا وبلدانيا، والدكتور وليد بن محمد السراقبي، عن ابن عقيل محققا. لقد تفاوت الفرسان الثلاثة في المنهج النقدي، فقد طغت على الأولين العاطفة، ولا أرى في هذا حرجاً، فالدكتور الهدلق شقراوي من شقراء ورفيق صبا، والحميد محب ورفيق درب في مجلة الدرعية، أما الباحث الثالث فقد كان موضوعياً أكثر.
لقد تمحورت مسارات النقد لأبي عبد الرحمن مع الباحثين الأولين على السيرة الذاتية والببلوجرافيا لانتاج الرجل. أما الباحث السراقبي فقد ركز على بعض سمات المنهج الذي اختطه أبي عبد الرحمن في التحقيق الذي وجده الباحث السراقبي انه يقوم على التوفيق بين مناهج ضبط النص، وضبط النص وتخريجه، ثم الإضافة في الشرح والتفسير وإحياء كتب الحواشي والهوامش كفعل احمد شاكر وأخيه محمود غفر الله لهما. وقد أوضح السراقبي أن المنهج الذي ارتضاه ابن عقيل قد تمثل في جملة من الأسس التي ترتقي به إلى المنهج القويم وهي: الدقة، التقصي، النزاهة وضبط النص، ومتابعة ما فيه من دعوى واستدلال ثم البرهان والمناقشة.
وفصل الناقد أن ابن عقيل وان كان قد اتبع ضبط النص، وتخريج النصوص النادرة، والتعريف بالأعلام المغمورة، إلا انه كان مدفوعاً في تحقيقاته بأمرين: أولهما: تحقيق السبق العلمي، ذلك انه يخشى أن يسبقه أحد إلى بعض ما نشره ممن لا حظ له التخصص والوعي بسياسة النصوص، فيضيف بذلك تضليلاً إلى تضليل ويطوي العقيدة على خبنة.
وثاني الأمرين: الإسهام في نشر التراث،وذلك أن مبدأ نشر التراث مهما كان نوعه يعد تلبية لروح العصر بلا مراء.
ولم يتوفق الباحث مع ابن عقيل في هذا الإطلاق والتعميم فما كل نشر للتراث يعد تلبيةً لروح العصر، فالكتب التي تعرض لمسائل الشعوذة والسحر والخرافات وما كتب على شواهد القبور لا تلبي من متطلبات العصر. وأنا لا أَتفقُ مع الباحث السراقبي على ما يخص ما كتب على شواهد القبور، ففي بعض ما كشفت عنه الحفريات الاثارية ما كشف للإنسانية عن حضارات سادت ثم بادت ولعل حفريات الفاو التي بدأ بها أستاذنا البروفيسور عبد الرحمن الطيب الأنصاري وما توالى من بعد من قبل قسم الآثار في جامعة الملك سعود قد كشف عن حضارة راقية وعن أهمية قرية الفاو كرابط تجاري لطريق البخور بين اليمن والساحل الشرقي ثم إلى الإمبراطورية البيزنطية، وما كان من جمال الخط المسند الجنوبي
كذلك اعترض الباحث السراقبي على رأي ابن عقيل من أن استيفاء جميع نسخ المخطوطة المراد تحقيقها حالة كمالية، لا ضرورية، وان الموضوع ليس خطيرا جدا فيستحق جهدا شاقا (ويرى الباحث أن مثل هذا التسمح يفتح الأبواب على مصاريعها أمام كثرة من المتطفلين على تحقيق النصوص، فيعبثون بتراث الأمة، ذلك أن غاية ما يطمحون إليه الربح المادي، أو ذر الأسماء في الأسواق) وابن عقيل يعترف بهذا العيب الاعتماد على نسخة واحدة من المخطوطة إذ نقل عنه الباحث القول (والذي جرأني على هذا أن الخط واضح، ليس فيه خرم، ولا لبس، ولا نقص) وأخذ الناقد على ابن عقيل طول مقدماته في التحقيق إذ بلغت مقدمته لتحقيق كتاب (الشروح والتعليقات) 285 صفحة، كذلك نقد الباحث منهج ابن عقيل انه لا يسير على خطة معينة في مقدمات تحقيقاته، فقد يبتدئ المقدمة بالتعريف بالمؤلف وربما عكس ذلك فبدأ الحديث عن الكتاب، ومنهجه، وآثاره.
وبالطبع فهذا نقد فكري جميل، ملتزم بمنهج البحوث العلمي في الدراسات الإنسانية وبحوثها. وأنا قد أضفت في كلمتي التي شاركت بها في الاحتفاء بفارسنا المبجل ابن عقيل عفا الله عنا وعنه أن ابن عقيل يطبق في نهجه البحثي وتوثيقه منهج الحديث، لا منهج التاريخ. فالأول تعبدي يلتزم التثبت من درجة الحديث صحة ورواية سواء أكان من الآحاد أو المرسل أو الحسن أو غيرها مما قد يستقوي بدليل أقوى وفق منهج أصول الفقه، أما التاريخ فقد لا يكون بالضرورة أن ينطبق عليه منهج الحديث، فالأخبار والروايات قد لا يكون بالضرورة تطابقها في الرواية أو حجية مصداقية مسجل الحدث فقد يكون سماعا أو في ظل خصومة سياسية، تجبر من يقرأ التاريخ أن يكون فطنا في الاستقراء لحراك الأحداث والمجتمعات وفقه وفلسفة التاريخ والأحداث , ولعل المثال اليوم هو ما كتب عن الحرب الإيرانية العراقية ثم أحداث الحرب من النظام العراقي المنهار على الكويت؟ فقد ادعى الوصل بليلي عدة جبهات في عالمنا العربي في كتاب ابيض، ليس فيه من البياض سوى الورق.
ولعل المثال الذي ما برح ابن عقيل أعزه الله عليه هو موقفه من لسان اليمن الحسن بن احمد الهمداني رحمه الله، وقد رجوت الله أن يكون ابن عقيل وهو قد تراجع عن بعض مواقفه ومؤلفاته وفرحه بذلك بحكم النضج العقلي والعقدي، ان يتراجع عن موقفه من الهمداني، وهذا ما رجوته في مداخلتي، لكن الرجل قد تمادى في ذم الهمداني واتهامه له انه كذاب وضاع , وغير ذلك مما كنت أربأ بالشيخ أن يقول به على رجل له في مقام التاريخ والأنساب قامة ومقام مجد وعز, ولعل خصومة ابن عقيل الفكري مع الهمداني هو موقفه من نسب قحطان، ومن حق ابن عقيل أن يكون له رأيه، ومعارضته، لكن أن يذم ويقذع فهذا ما أظن أن له مقاماً فكرياً يستعلي به عما صرح به في إنكار نسب القحطانية، وأنها قد اندثرت كعرب عاربة، ولم يعد في الوجود سوى العرب المستعربة. والعجب العجاب إن أبا عبد الرحمن قبل يومين من تكريمه أعلن في دارة ابن داود أو ابن حزم نسيت أيهما وهو يكرم الشيخ عبد العزيز بن سعيد بن مشيط أحد الزعامات الوطنية في جنوب بلادنا، وإعلانه بشرى قرب صدور كتاب عن تاريخ الأسرة المشيطية، وانه قد توصل إلى أن شهران القبيلة الأصيلة هي قحطانية وليست عدنانية كما توهم بعض الباحثين. ولا أعلم سر هذا التناقض من أبي عبد الرحمن الذي بات باحثا في التاريخ والأنساب يمكن الركون إلى بعض تخريجات بكثير من الشك وبعض القبول. وهذا لا ينفي ما قال به الأستاذ الدكتور ناصر الرشيد في تعقيبه أن ابن عقيل تفرد بكونه مفكرا ومؤرخا مفكرا، وليس بشاعر ؟؟ وكما قال ابن عقيل في تلك الأمسية إن طالب العلم مرسل وليس متلقيا،فإن المرسل يتملك أدوات منهج معرفة الجمهور المتلقي، وبالتالي فإن الرسالة محتوىً ومضموناً لا بد أن تراعي مستويات المتلقين والأثر الذي يراد إيصاله من الرسالة سواء أكان تغيير موقف أو تسويق آخر ؟؟ وبما انه كما قال رعاه الله انه معني بتخريج ثقافة النص وفكره، فما هذا بقريب من منهجه في تطبيق منهج الحديث على التاريخ.
لا أعلم السر في محاولة ابن عقيل تسمية الهمداني بابن الحايك ؟؟ أهو يعني انه ابن خياط نساج أو بزاز، فهذا ليس صحيحا فالحايك في لغة اليمن تعني الشاعر، ولو كان أبو الهمداني منسوبا إلى مهنة الحياكة التي من معانيها في اللسان الخياطة فلا معرة في هذا فما أكثرهم الذين نسبوا أو انتسبوا إلى المهن كالجزار والخياط والسبكي والخراط ومنهم من لهم مقام مُعلى في تاريخنا الفكري. وليس في هذا مخالفة للحق الطبيعي وقانونه الذي نظّر فيه ابن عقيل نظرية سياسية، ولا هنالك بمظنة سوء في كيف يموت العشاق، ولا مخالفة لبدائع التحرير لأبي عبد الرحمن على فتح القدير، ولا خروجاً على شيء من أحكام الديانة؟(1)
ربما كان ابن عقيل قد وجد مظنة عيب في علة رواية أحد الأحاديث التي استدل بها الهمداني رحمه الله في شأن النسب (تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم) وهذا لا يخرج عن علة الحديث الوارد في سنن أبى داود (الذي قد يكون مضى العمل به في بعض المذاهب إلى الصحة, وهو حديث (يبعث الله على رأس كل قرن من يجدد لهذه الأمة أمر دينها) أو بما معناه ؟ مع انه في التطبيق لم نرَ له شواهد إلا ما قد يكون قد وجد منذ 300 سنة والله أعلم.
ولعل في كتاب الله سنداً يقوي معنى ومضمون هذا الحديث. فالله جلا وعلا يقول {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} (54) سورة الفرقان، وقوله تعالى{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ} (101) سورة المؤمنون. ثم أليس في نظام المواريث ودية العاقلة ما يوثق أهمية النسب وصلة الرحم مصاهرةً ونسباً؟.


1 أسماء كتب لأبي عبد الرحمن
* باحث ومستشار إعلامي
Yosr@naseej.com

الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved