الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 26th April,2004 العدد : 56

الأثنين 7 ,ربيع الاول 1425

الذوق الأدبي
وضحاء آل زعير
مفهوم الذوق الأدبي:
جاء في القاموس المحيط تحت مادة (ذ و ق): (ذاقه ذوقاً وذواقاً ومذاقاً ومذاقةً: اختبر طعمه، وأذقته أنا... وتذوقه: ذاقه مرة بعد مرة)(1).
فالذوق بمدلوله اللغوي حاسة تدرك بها الأطعمة والأشربة، وما إلى ذلك.
أما في اصطلاح العلماء فنجد الانتقال الدلالي للمعنى اللغوي إلى الاصطلاحي، فيعرف د. حامد عبد القادر الذوق بأنه (استعداد خاص يهيئ صاحبه لتقدير الجمال، والاستمتاع به، ومحاكاته بقدر ما يستطيع في أعماله وأقواله، وأفكاره)(2).
وهو عند د.العشماوي: (تلك الموهبة الإنسانية التي أنضجتها رواسب الأجيال السابقة، وتيارات الثقافات المعاصرة، التي امتزجت جميعها فكونت هذا الشيء المسمى بحاسة التمييز، أو التذوق الأدبي)(3).
أما د. قلقيلة فيقول باقتضاب أنه (القوة التي نقدر بها الأثر الفني)(4).
وهكذا أيضاً كان تعريف د. عبدالقدوس، فيراه (قدوة يميز بها جمال النص الأدبي أو رداءته)(5).
وبذلك نرى الاستعارة للذوق الأدبي بمفهومه المعروف الآن مأخوذ من المعنى اللغوي السابق، وأن كلا التعريفين: اللغوي والاصطلاحي يتفقان في التجربة، والاختيار والعلاج للأشياء؛ بينما الأداة المستخدمة في التعريف اللغوي هي اللسان، أما في الاصطلاحي فهي النفس، والعقل وما اختزنه من خبرات.
أيضاً في التعريف اللغوي؛ فإن المُتذوِّق هو الطعام وما شابهه، ومعرفة حلاوته من غيرها؛ أما في الاصطلاحي فالألفاظ، والمعاني وما فيها من بلاغة واتساق، أو قبح وابتذال هي مجال التذوق.
ومن خلال استعراض بعض مفاهيم التذوق الأدبي، فأعتقد أن أتمها، وأكثرها سبكاً، تعريف د. العشماوي، الذي كان تعريفه أكثر دقة، وكأنه قاصداً به الذوق السليم، وليس أي ذوق، مبعداً الأذواق السمجة، الناعقة حول الأدب، أيضاً فكأنه يريد أن يخبرنا بأن هذا الذوق، الذي يشمل هذه الضوابط هو ما يستحق أن يطلق عليه ذوقاً أدبياً؛ بعكس من معه الذين عمموا هذا المصطلح، وجعلوه استعداداً، أو قدرة، أو قوة فقط.
عناصر الذوق الأدبي(6).
للذوق ثلاثة عناصر، أولها وأهمها: الوجدان الحي. فتهذيب الوجدان، وتنمية عاطفة الجمال خير الوسائل لتقوية الذوق، وتهذيبه.
ثاني هذه العناصر: الإدراك والوعي بما يدور في ساحة الأدب...
وثالثها: الإرادة.
أقسام الذوق الأدبي (7):
للذوق كما هو عند الآمدي صاحب الموازنة ثلاثة أقسام:
أولها: الطبع، وهو قوة فُطر عليها الناقد، واستعداد طبيعي لا بد من توفره.
ثانيها: الحذق، وهو قوة يكتسبها الناقد بالممارسة والدُربة، وطول الاطلاع على آثار الكتب، والشراء، والتمرّس بالجيد منها والقبيح؛ ليتعرف على الأسرار والخبايا.
أما ثالثها: فهو امتزاج لكلا الاثنين: الطبع والحذق، ويسمى (الفطنة)، وصاحبها أقدر على التميز والحكم من صاحب الطبع وحده، أو صاحب الحذق وحده.
أنواع الذوق الأدبي(8):
الذوق أنواع، منه الذوق الحسن، وقد يسمى السليم أو الصحيح، أو نحو ذلك مما يشير إلى تهذيبه، وصدق أحكامه، ودقة فرقه بين الأدب الصادق الجميل، والأدب المتصنع السخيف.
ومنه الذوق الرديء أو السقيم، أو الفاسد، الذي لايحسن التفرقة بين أنواع الأدب من حيث القيمة الفنية، أو هو ما يؤثر الأدب السخيف المطرِح.
وقد يتنوع الذوق إلى ذوق سلبي أو قابل؛ يدرك الجمال، ويتذوقه دون القدرة على تفسير ما يدرك أو تعليله، وصاحبه عاكف على نفسه يظفر بالمتعة الأدبية، ويقنع بها؛ فتضيء نفسه، وتغذي عواطفه ووجدانه.
وذوق إيجابي، وصاحبه يدرك الجمال ويفرقه من الدمامة، ثم يعبر عن ذلك مبيناً مواطنه، معللاً كل صفة أدبية.
هل الذوق أمر فطري أم مكتسب؟
يقول أفلاطون: (إن ذلك الاستعداد الفطري.. إذا تُرك وشأنه قد يضْعُف ويكون مآله الفساد ثم الفناء؛ ولكنه بالتربية يقوى ويؤتي أُكله)(9).
هذه العبارة مع ما سبق من التعريفات تجيبنا بأن هذا الذوق موهبة فطرية جُبل عليها الإنسان. ولكننا لا نقف هنا بل علينا أن نكمل قائلين: تحتاج هذه الفطرة إلى العناية والتعهد، والتربية حتى تزدهر؛ لتكون ذوقاً سليماً، وإلا فإنها ستفنى وتموت.
ومما يؤكد ذلك بحث قام به علماء إنجليز تحت إشراف الأستاذ (بيرت)، وقد أثبت هذا البحث الذي كان بقصد التعرف على التذوق الجمالي عند الشخص، أن هناك مقدرة خاصة على التذوق الأدبي توجد مع الطفل في شكل فطري، وتنمو باطراد نمو جسمه. وقد نُشرت خلاصة هذا البحث في 1938م(10).:
(1) القاموس المحيط للفيروزآبادي:797
(2) دراسات في علم النفس الأدبي، د. حامد عبدالقادر:145.
(3) قضايا النقد الأدبي، د. محمد زكي العشماوي: 386387.
(4) النقد الأدبي عند القاضي الجرجاني، د. عبده عبد العزيز قلقيلة: 294.
(5) مجلة الأدب الإسلامي الصادرة من رابطة الأدب الإسلامي عدد:22لعام 1420هـ مقال د. عبد القدوس أبو صالح.
(6) انظر: دراسات في علم النفس الأدبي: 145.
(7) انظر: تاريخ النقد الأدبي والبلاغة حتى ق 4هـ، د. محمد زغلول سلام:13.
(8) انظر: أصول النقد الأدبي: أحمد الشايب 123124.
(9) دراسات في علم النفس الأدبي: 145.
(10) انظر: النقد الأدبي عند القاضي الجرجاني: 473474.


wadha88@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الملف
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved