الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 26th May,2003 العدد : 13

الأثنين 25 ,ربيع الاول 1424

الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان
دمشق : دار الفكر، 2002 م تأليف :عبدالوهاب المسيري.
تشكل الفلسفة المادية، المرجعية الفكرية والنموذج المعرفي للعديد من الفلسفات الحديثة، كالماركسية والبرغماتية والداروينية، كما تشكل الإطار المرجعي
للتاريخ والتقدم والعلاقات الدولية. وقد هيمنت هذه الفلسفة على النخب الثقافية والفكرية لزمن ليس بقصير. وهذا الكتاب يقدم نظرية نقدية لهذه الفلسفة،
فيحلل نموذجها المعرفي المادي، ويدرس تجلياته النظرية والتاريخية المختلفة، فيقدم توضيحاً لماهية الفلسفة المادية، ثم يبين قصورها الكبير في تفسير ظاهرة
الإنسان، ويثير أسئلة مثل : ما هو العقل ؟ وما هي سمات العقل المادي؟ وما الفرق بينه وبين العقل الأدائي والعقل النقدي؟ هل الإنسان كائن مادي
وحسب؟ هل هو جزء لا يتجزأ من هذا العالم المادي الطبيعي خاضع لقوانينه، لايختلف في سماته الأساسية عن بقية الكائنات؟. وأسئلة جوهرية أخرى
يطرحها المؤلف ليحدد من خلال تحليل إجاباتها، رؤيته الفكرية للكون والإنسان.
قسم المؤلف دراسته إلى الموضوعات التالية :
* الإنسان والمادة : عرف من خلاله الفلسفة المادية وسر جاذبيتها ومواطن قصورها، و الظاهرة الإنسانية وسماتها الأساسية.
* إشكالية الطبيعي والإنساني : حيث اهتم بتوضيح الفروق الأساسية بين الظاهرة الطبيعية والظاهرة الإنسانية وفشل الفلسفة المادية في تفسير ظاهرة الإنسان
والهجوم على الطبيعة البشرية.
* العقل والمادة : حيث يتناول مفهوم العقل، فيبين أن العقل في حد ذاته مفهوم عائم غائم، وأن المهم هو النموذج الكامن وراء العقل ، وانطلاقاً من هذا
التصور، تحاول هذه الدراسة هنا، حصر أهم سمات العقل المادي، كما تحاول توضيح الفرق بين العقل الأدائي والعقل المادي.
* المادية في التاريخ : ويتناول بعض التجليات التاريخية للفلسفة المادية، فيبين أن العلمانية الشاملة والإمبريالية والداروينية، هي كلها تجليات متنوعة للفلسفة
المادية.
* الترشيد والقفص الحديدي : فيتناول الترشيد أو العلمنة بمعنى إعادة صياغة المجتمع والإنسان في الإطار المادي وكيف أن هذا يؤدي في نهاية الأمر إلى تنميط
الحياة ووهم التحكم الكامل فيها.
* نهاية التاريخ : وهذا الموضوع امتداد لسابقه، فنهاية التاريخ هي في واقع الأمر كما يشير المؤلف النقطة التي يتخيل البعض أنها النقطة التي يتم التحكم
فيها في معظم جوانب الحياة، بحيث يصبح المجتمع كالآلة الرشيدة، يوتوبيا تكنولوجية.
* العنصرية الغربية في عصر ما بعد الحداثة : ويبحث في العنصرية الغربية في عصر التحديث "عنصرية التفاوت" والعنصرية الغربية في عصر ما بعد الحداثة
"عنصرية التسوية".
* المادية والإبادة : ويبين كيف أن الرؤية المادية، هي رؤية إبادية في جوهرها، ويطبق الفصل هذا التصور على ظاهرة الإبادة النازية لليهود، وغيرهم من
الأقليات. يقول المؤلف عن دراسته : هذه الدراسة، شأنها شأن معظم دراساتي في الآونة الأخيرة، تستخدم النموذج المعرفي أداة تحليلية، فتقدم دراسة في
النموذج المعرفي المادي في حد ذاته، ثم في تجلياته النظرية والتاريخية المختلفة، وبالتالي فالدراسة لا تأخذ خطاً مستقيماً تراكمياً، وإنما تأخذ شكل بؤرة
"النموذج التحليلي"، تتفرع منها وتعود إليها كل الموضوعات، وهذه الطريقة تبين الوحدة الكامنة "المادية وتفكيك الإنسان" خلف التنوع "الدراسات
المختلفة" ولكنها قد تؤدي إلى بعض التكرار، وقد بذلت جهداً كبيراً لتحاشي ذلك أو التقليل منه ".
من الكتاب: الإنسان والمادة:
تتسم الطبيعة البشرية في تصورنا بثنائية أساسية لايمكن تصفيتها "هي صدى للثنائية الحاكمة الكبرى، ثنائية الخالق والمخلوق، والمتجاوز والحال الكامن" وهي
ثنائية الجانب الطبيعي/المادي في مقابل الجانب غير المادي، أي الروحي أو الثقافي أو المعنوي. فثمة احتياجات طبيعية / مادية، مثل حاجة البشر إلى الطعام
والهواء والنوم والتناسل وتلبية كل ما يتعلق بتركيبهم العضوي "بغض النظر عن أماكن إقامتهم أو نمط الحضارة الذي ينتمون إليه".
فالإنسان هنا هو موجود مادي متجسد يشارك بقية الكائنات مجموعة من الآليات والحتميات. ولذا يمكن رصد هذا الجانب من وجوده من خلال النماذج
المستمدة من العلوم الطبيعية "ويعبر عن نفسه فيما نسميه النزعة الجنينية". والفلسفات المادية منطلقة من مرجعيتها المادية ومن إيمانها بأسبقية الطبيعة/المادة
على الإنسان، تركز على هذا الجانب من الوجود الإنساني وترد كل جوانبه الأخرى إليه. ولكن هناك جانبا آخر للطبيعة البشرية متجاوراً للطبيعة/المادة
وغير خاضع لقوانينها ومقصوراً على علم الإنسان ومرتبطاً بإنسانيته، وهو يعبر عن نفسه من خلال مظاهر عديدة من بينها نشاط الإنسان الحضاري
"الاجتماع الإنساني الحس الخلقيالحس الجماليالحس الديني" ومن المظاهر الأخرى لهذا الجانب أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يطرح تساؤلات
عما يسمى العلل الأولى، وهو لا يكتفي أبداً بما هو كائن وبما هو معطى ولا يرضى بسطح الأشياء، فهو دائب النظر والتدبر والحث، يغوص وراء الظواهر
ليصل للمعاني الكلية الكامنة وراءها والتي ينسبها إليها، وهو الكائن الوحيد الذي يبحث عن الغرض من وجوده في الكون. وكلها تساؤلات تجد أصلها في
البنية النفسية والعقلية للكائن البشري ولذا سمي الإنسان الحيوان الميتافيزيقي.
والإنسان كائن واع بذاته والكون، قادر على تجاوز ذاته الطبيعية/المادية وعالم الطبيعة/المادة، وهو عاقل قادر على استخدام عقله، ولذا فهو قادر على إعادة
صياغة ذاته وبيئته حسب رؤيته. وهو كائن صاحب ارادة حرة على الرغم من الحدود الطبيعية والتاريخية التي تحده. والحرية قائمة في نسيج الوجود البشري
ذاته، فان الانسان له تاريخ يروي تجاوزه لذاته (وتعثره وفشله في محاولاته). فالتاريخ تعبير عن إثبات الانسان لحريته وفعله في الزمان والمكان. هو كائن قادر
على تطوير منظومات أخلاقية غير نابعة من البرنامج الطبيعي/المادي الذي يحكم جسده واحتياجاته المادية وغرائزه، هو قادر على الالتزام بها وخرقها هو
الكائن الوحيد الذي طور نسقاً من المعاني الداخلية والرموز التي يدرك من خلالها الواقع. وهو، أخيرا، النوع الوحيد الذي يتميز كل فرد فيه بخصوصيات
لايمكن محوها أو تجاهلها ، فالأفراد ليسوا نسخا متطابقة يمكن صبها في قوالب جاهزة واخضاعها جميعا للقوالب التفسيرية نفسها، فكل فرد وجود غير
مكتمل مشروع يتحقق في المستقبل، واستمرار الماضي، ولذا فزمن الإنسان هو زمن العقل و الإبداع والتغيير والمأساة والملهاة والسقوط، وهو المجال الذي
يرتكب فيه الإنسان الخطيئة والذنوب، وهو أيضاً المجال يعبر فيه عن نبله وخساسته وبهيميته، فالزمان الإنساني ليس مثل الزمان الحيواني الخاضع لدورات
الطبيعة الرتيبة، فهو زمان التكرار و الدوائر التي لا تنتهي و (العود الأبدي). ولكل هذا، فإن ممارسات الإنسان ليست انعكاساً بسيطاً أو مركباً لقوانين
الطبيعة / المادة، فهو مختلف كيفياً و جوهرياً عنها. فهو ظاهرة متعددة الأبعاد و مركبة غاية التركيب ولا يمكن اختزاله في بعد من أبعاده أو في وظيفة من
وظائفه البيولوجية أو حتى في كل هذه الوظائف. ولا توجد أعضاء تشريحية أو غدد أو أحماض أمينية تشكل الأساس المادي لهذا الجانب الروحي في وجود
الإنسان و سلوكه، لهذا فهو يشكل ثغرة معرفية كبرى في النسق الطبيعي / المادي، فهو ليس جزءاً من الطبيعة و إنما هو جزء يتجزأ منها، يوجد فيها،
ويعيش عليها، ويتصل بها، وينفصل عنها. قد يقترب منها ويشاركها بعض السمات، ولكنه لا يرد في كليته إليها بأية حال، فهو دائماً قادر على تجاوزها،
وهو لهذا مركز الكون وسيد المخلوقات. وهو لهذا كله لا يمكن رصده من خلال النماذج المستمدة من العلوم الطبيعية. ... "يقع الكتاب في "256" من
القطع العادي.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
مسرح
وراقيات
ذاكرة
مداخلات
المحررون
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved