الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 26th June,2006 العدد : 159

الأثنين 30 ,جمادى الاولى 1427

عبد القادر طاش
فلسفة حياته وأعماله وريادته في الإعلام الإسلاميّ
*د. محمد أبو بكر حميد

التزم عبد القادر طاش الإسلام خلقاً وسلوكاً كما التزمه منهج عمل وفلسفة حياة وكرس كل حياته لخدمة دينه ووطنه وأمته
كان يحلم بالارتفاع بالإعلام العربي إسلامياً إلى مستوى التحديات التي تواجهها أمتنا في عقيدتها وثقافتها وخلقها، وأسّس منهجاً مميزاً للأعمال الصحفية والإعلامية التي أدارها ومنحه الناس لقب الإعلاميّ الإسلاميّ دون غيره من أبناء جيله
لا يجمع الناس على (فكر) رجل إجماعهم على (خلقه) إذا كان صاحب (خلق حسن)؛ لأن الفكر يخضع للرأي والاجتهاد والقبول والرفض، والناس في ذلك مذاهب شتى. أما حسن الخلق فهو كالمرآة التي تعكس الحقيقة الواحدة التي لا يختلف عليها اثنان، والحسن الخلق إذا كان صاحب فكر وصاحب التزام فإن حسن خلقه يحميه من كيد الذين يختلفون معه في الفكر؛ فخلقه يطفئ لهيب صدورهم إن كانوا من الحاقدين، ويكسبه احترامهم ويُحيّدهم إن كانوا من المنصفين.
ذو حظ عظيم
جال ببالي هذا الخاطر عندما مرت بنا ذكرى وفاة الإعلاميّ الإسلاميّ الدكتور عبد القادر طاش (1371-1425هـ) في يوم الاثنين الحزين 15- 2-1425هـ الموافق 5-4-2004م وتابعت في الأيام التالية حجم المقالات التي كتبت عنه، وإجماع كل من كتب عنه بلا استثناء بأن أعظم ما في هذا الرجل كان خلقه مع الناس؛ فأحبه كل مَن عرفه أو عمل معه أو جلس إليه من كل الطوائف الفكرية والأجناس، مهذباً، صبوراً، متسامحاً، شديد الحياء، يدرأ بالحسنة السيئة، يدفع بالتي هي أحسن، لا يعاقب، يلتمس لغيره العذر، كاظم لغيظه، لم يسمع منه أحد من الذين عملوا تحت إدارته كلمة نابية أو جارحة قط، بل كان بلسماً، يداوي جراح الجميع بهدوء ورقة وتواضع.
إن عمل الإنسان أو علمه مهما عظم لا يورثه محبة الناس إذا كان سيئ الخلق، وقد يكسب الإنسان احترام الناس لعلمه أو عمله، ولكنه لا يكسب محبتهم إلا بخلقه وأسلوب تعامله معهم، وقلة هم الذين يجمعون في وقت واحد احترام الناس ومحبتهم؛ لأن التعامل مع الناس يحتاج إلى صبر عظيم؛ لهذا وصف الله الصبور الحسن الخلق بأنه صاحب الحظ العظيم في قوله تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظّ عَظِيمٍ}، وقد كان عبد القادر طاش - رحمه الله - (ذو حظ عظيم) في قلوب الناس، وعند ربه إن شاء الله.
هذه خلاصة ما شهد به كل الذين كتبوا عنه لم يشذ عنها أحد، فما منهم إلا وتطرق إلى حسن خلقه، وأدبه مع الناس، وهذا هو خلق المسلم الحق الذي تحلى به عبد القادر طاش، وهذه شهادة الناس له، وهو اليوم بين يدي الله لا يستطيع لهم جزاءً ولا شكوراً.
وكما التزم عبد القادر طاش بالإسلام خلقاً وسلوكاً التزمه رسالة عمل وفلسفة حياة؛ فقد كرّس علمه وعمله لخدمة دينه وأمته، ورغم أن دراسته الجامعية كانت في قسم اللغة العربية وآدابها، إلا أنه اتجه للإعلام في دراساته العليا لما رأى أن وطنه وأمته أحوج ما يكونان إلى هذا التخصص الدقيق والخطير، فأقوى الحروب التي تشن علينا لإضعاف عقيدتنا ومسخ هويتنا، وتمزيق وحدة شخصيتنا هي حروب إعلامية.
وأدرك عبد القادر طاش - منذ باكر شبابه - أن الأمة تفتقر إلى ذلك الإعلامي المسلم الذي يؤمن برسالة أمته فيترجمها إلى مشروع حياة ورسالة عمل؛ ومن أجل ذلك الهدف الكبير سافر الشاب عبد القادر طاش إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليحصل على الماجستير سنة 1400هـ والدكتوراه سنة 1403هـ في الصحافة والإعلام الدولي، وقبل أن يعود ليوظف ما تعلمه هناك لخدمة فكرة (الإعلام الإسلامي) الذي أصبح مشروع حياته ورسالة عمله، مارس هذه الرسالة عملياً في الولايات المتحدة الأمريكية حين اختاره زملاؤه رئيساً لتحرير مجلة (الأمل) التي تصدرها (رابطة الشباب المسلم العربي) هناك، وكان ذلك اعترافاً له بكفاءته في خدمة دينه وأمته من خلال تلك الوسيلة الإعلامية.
الانطلاق والريادة والنجاح
كرّس عبد القادر طاش بعد حصوله على الدكتوراه سنة 1403هـ وعودته من البعثة جهده في تأسيس قاعدة أكاديمية للإعلام الإسلامي لقسم الإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أستاذاً مساعداً ثم أستاذاً مشاركاً، ثم رئيساً لهذا القسم. وله جهوده في تطويع نظريات الإعلام الغربية وتوظيفها إسلامياً.
وكان طلابه الذين يشهدون له اليوم بالرؤية المستنيرة وسعة الأفق يؤكدون أن علينا أن نأخذ من نظريات الغرب ما يصلح لنا بعد أسلمتها، ثم بعد أن نستوعب أفضل ما عند غيرنا ننطلق للإبداع وصناعة ما يؤهلنا للحديث عن الإعلام الإسلامي الذي نريد. وبعد أن رسخ هذه الفكرة في أذهاب تلامذته انطلق بها تطبيقاً في الصحف والمجلات التي رأس تحريرها أو عمل بها.
ولعل أهم ما قدمه في خدمة الصحافة الإسلامية في الفترة التي رأس فيها تحرير جريدة المسلمون (1411-1415هـ)، أنه نهض بهذه المطبوعة وجعلها دولية بالفصل لا بالقول، واستطاع أن يحقق للصحافة السعودية سبقاً في العالم العربي، فقد شهدت أرقام التوزيع أنه لأول مرة في تاريخ الصحافة السعودية الحديثة تحقق صحيفة سعودية المرتبة الأولى على مثيلاتها في مصر ذات الكثافة السكانية، ويروي زميله - الذي عمل معه - الصحفي الأستاذ شريف قنديل أن رواتب جميع المحررين والمسؤولين في مكتب (الشركة السعودية للأبحاث والنشر) في القاهرة كان يغطيها المردود التوزيعي للصحيفة! ومن بعده فقدت (صحيفة المسلمون) الرسالة التي كانت تعبر عنها مهنياً وفكرياً؛ فظلت تتراجع حتى توقفت عن الصدور في أواخر 1418هـ، وبقي عبد القادر طاش عصرها الذهبي الذي سيذكرها التاريخ به.
ثم رأيناه بعد ذلك يرأس تحرير صحيفة (عرب نيوز) اليومية الصادرة بالإنجليزية، فيعطيها من روحه الإسلامي، فتميزت بذلك (القبس) لمدة أربع سنوات (1414-1418هـ)، ولم يستطع فقط أن يعطيها تميزاً صحفياً وفكرياً فحسب، بل استطاع أيضاً أن يجمع على محبته واحترامه بحسن خلقه وتواضعه كل العاملين فيها من مسلمين وغير مسلمين؛ فكسب إخلاصهم في عملهم طواعية دون خوف أو إكراه.
ويعدّ دوره الريادي والأساسي في تأسيس قناة (اقرأ) الفضائية وإدارته إياها في الفترة من (1418-1420هـ) من أهم إنجازات حياته وحجر الأساس في تحقيق طموحه في الارتقاء بالإعلام الإسلامي إلى المستوى الذي يواجه به التحديات المماثلة.
كان عبد القادر طاش مثله مثل كل مسلم غيور على دينه وأمته يحلم بالارتفاع بالإعلام العربي إسلامياً إلى مستوى التحدي، وصدّ الهجمة الشرشة التي انهالت بها القنوات الفضائية على قيمنا وثقافتنا وعقيدتنا مستهدفة بشكل أساسي شباب هذه الأمة لإفساده وفتنته وإغوائه لإبعاده عن التفكير في أداء رسالته.
بهذا الوعي أدار قناة (اقرأ) لمدة عامين فكانت سنوات التأسيس أفضل سنواتها ولا تزال بصماته وملامح من منهجه عليها إلى اليوم.
الثبات على المبدأ والعطاء المتنوع
ولما رأى أن أجواء الثقافة الدعوية والفكرية الإسلامية أحوج ما تكون إلى عمل صحفي إسلامي يتسم بالوسطية وروح الاعتدال والتسامح ويعكس بروح إعلامية صادقة وأمينة قضايا الأمة، أصدر لجريدة المدينة ملحق (الرسالة) سنة 1420هـ فأعاد للناس ذكريات (جريدة المسلمون) من خلال وحدة المنهج ووضوح الرؤية وتميز الفكر، ورأس تحريره لمدة عام. وبعد ذلك تقلب في عدة مناصب فعمل سنة 1421هـ مديراً عاماً للإعلام برابطة العالم الإسلامي ورأس تحرير صحيفة (العالم الإسلامي) ودفعها خطوات تطويرية إلى الأمام مهنياً ودعوياً، ثم تركها ليصبح سنة 1421هـ رئيساً لتحرير (جريدة البلاد) وبذل جهداً ملموساً لإصلاح أحوالها على قصر المدة التي لم تزد على عام، ومع ذلك فقد شهدت الأعداد التي أصدرها وعياً جديداً برسالة الإعلامي الإسلامي الذي يخدم رسالة أمته من أيّ موقع يكون فيه فيرتفع فوق أصعب الظروف، وقد اكتسبت هذه الصحيفة (شخصية) تميزت بها في حينها سيُنذر بها عبد القادر طاش حين يدرس الدارسون تاريخ تطورها.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved