الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السياراتالجزيرة
Monday 26th June,2006 العدد : 159

الأثنين 30 ,جمادى الاولى 1427

على ضفاف (حمزة شحاتة)«4»
*نايف فلاح
هناك من يقول إن لاشيء يمكن أن يكون عديم القيمة وبغير نفع أكثر من معرفة متى ولد الأديب، وكيف عاش... قد يكون في هذا القول قسط كبير من الصحة لكنه لا ينسحب على جميع الشخصيات الفكرية، لأننا لا نستطيع أن ندلف إلى أدب شحاته، أو حتى ندلف إلى حمزة شحاته ذاته دونما شروع من سيرته.. ولا أقول هذا كي أفتح لي باباً في سيرته فيتأدى لي تحبير صفحات كان حبّرها مَن هم بحق أجدر وآدب مني غير أنني ألفتكم إلى مدى انبهار جيله به، وإلى التهويل الذي يهمونه عليه.. فالتهويل والمبالغة قلما تتأتى إلا لعظيم فهي إن لم تفد علماً فإنها تفيد إخباراً أو إلفاتاً.. كان أديبنا الكبير الأستاذ محمد حسين زيدان.. وهو من هو في اعتداده بنفسه.. كان يقول في (مذكرات العهود الثلاثة) إنه التقى في مكة حمزة شحاته، وكان يعجبه حمزة ولكن من يعجب حمزة شحاته؟!
وفي موضع آخر في مقالة عن ذكرى العواد، تسرب قلمه إلى الموازنة بين شحاته ومحمد حسن عواد، فقال الزيدان ما حرفه: (حمزة يعامل الأتباع على أنهم أصدقاء، فتكاثروا حوله.. والعواد يتعامل مع الأصدقاء على أنهم أتباع فابتعد كثيرون عنه).
ورحم الله أديبنا (عزيز ضياء) إنه أول من كتب عن شحاته في كتيب عنوانه (حمزة شحاته قمة عرفت ولم تكتشف).. ولولاه لأمسى الشاهد على عبقرية شحاته، بعيداً، والثبت ضائعاً... يقول عزيز ضياء: (لا أقول ولد عبقرياً، إذ خصيصة العبقري، أن يولد بطاقة قد تبكر في الظهور وقد تتأخر إلى أن يتاح لها التفجر والاندفاع بينما حمزة قد بدأ منذ عرفه عشاق الحرف والكلمة قمة لا تدري كيف تكونت... ؟) ويذكر عزيز ضياء أن حمزة شحاته ولد في عام ألف وثلاثمائة وثمانية وعشرين، ويقول انه (عرفه في عام ألف وثلاثمائة وواحد وخمسين، يوم كان لا يزال في الثالثة والعشرين ويعرفه قبلي الأستاذ (عبد الوهاب آشي) والأستاذ (محمد سعيد عامودي) والأستاذ (محمد حسين عواد).. وكلهم عرفوه شاعراً في الذروة وناثراً يمتلك ناصية اللغة والأسلوب امتلاك أستاذية، تعمق فنه وعلمها في الأمهات من المصادر..
ومرة أخرى، أجد نفسي مضطراً الى أن أتساءل متى؟ وكيف؟ أتيح له أن يبلغ هذه المرتبة التي تفترض أنه بلغها في العشرين.. ومن المفروض أنه لم يكن الوحيد الذي تخرج من مدرسة الفلاح ولم يكن أيضاً الوحيد الذي ابتعث إلى الهند، ولم يكن الوحيد الذي قرأ ما قرأناه وظللنا نقرأه من مصادر الثقافة وينابيع الفكر.
وتحت عنوان (سيرته الثقافية) أفاض الأستاذ عزيز ضياء عارضاً الخلفيات المعرفية لدى شحاته، ومدى التنوع الذي يطالعه والجهد الذي يبذله في الحصول على النقول أو المترجمات، وكيف كان يسارع في قراءتها والتهامها.. فعندما حازت أيديهم ترجمة لكتاب (السياسة) لأرسطو طاليس لم يطب له بال في ذلك اليوم حتى يشرع في قراءته ليقول ضياء: (.. وأذكر أني كنت في القاهرة وكان حمزة - رحمه الله - قد استقر فيها، فما أسرع ما أخذنا نتدارسه معا.. فينقضي الليل، وينام من في البيت من الأهل والأطفال... ويستيقظون في الصباح ليجدونا لا نزال كما تركونا في الساعات الأولى من الليل.. وأطباق الرماد طافحة بأعقاب السجائر، وأكواب الشاي تتثاءب فراغاً وحلق كل منا يتقصف جفافاً، فلا نكاد نلمح من استيقظ، حتى نستنجده بطلب شاي جديد.. لنبدأ أو نواصل الحديث عن أرسطو، عن ذلك الغرض البعيد، الذي استهدفه (لطفي السيد) من ترجمة هذا الكتاب بالذات سانتيهلير فيه على الأخص.. بل ذهبنا إلى أن (لطفي السيد) لم ينقل الكتاب إلى العربية، إلا لينقل إليها هذه المقدمة..).
ولا يفوت ضياء أن يذكر الأحوال والطقوس التي كانت تتم بها قراءة الكتب أو القصص، في ليال وأيام كانت الموارد لم تزل ضعيفة وأسباب الدعة والرخاء معدومة تقريباً، لنلفه يحدثنا عن انعدام الضوء الذي يسهرون به عاكفين على القراءة والبحث والمتابعة باستثناء (الفانوس الهندي) الذي يفضلون الحجم الصغير منه، ليدخلوه معهم في (الناموسية) رغم شدة الحر واحتباس النسمة.
وعن القراءة وفعلها في حمزة شحاته وعن أثر قصة (ابن الطبيعة) للكاتب الروسي (هاتز بياتشيف) التي ترجمها (إبراهيم المازني) يقول ضياء: (ولهذه القصة في حياتنا تلك الأيام أثر لا ينسى، فقد كان يطيب لحمزة - رحمه الله - أن يسمى كلا منا بأسماء أبطال القصة كلها، ويختار لنفسه بطلها الأول أو الأظهر الذي تدور حياته القصة كلها)..
وعلى العموم فسيرة حمزة شحاته يكتنفها شيء كثير من الغموض، هذا الغموض الذي أكسبها ظلالاً من الأوهام التي غالباً ما تفتح مجالاً لتاريخ لم يكن أو لرواية قد تكون.. وباعتزال شحاته المبكر ثمة مزية أدخلته في فضل غياب الوجوه.. فكل من تتبع كتابات شحاته بشيء من التمحيص يخرج بأن غيابه واعتزاله كان نتيجة غالبة لدعواه الأخلاقية... (عرفت ما ينبغي أن أصنع لأكون ناجحاً.. ولكني فقدت القدرة على العمل.. إنه عبء السنين، وأعباء المثالية، وهذا غير غريب.. الغريب أني لست آسف).


nf1392@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved