الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 26th July,2004 العدد : 69

الأثنين 9 ,جمادى الثانية 1425

التصوير الدرامي في قصيدة
«أثمار الحب» للشاعرعبد الله باشراحيل
تعني الدراما في أبسط معانيها: الصراع بكل أنواعه، ويتم تشكيل البناء الدرامي بالاعتماد على عناصر التعبير الدرامي من حوار (ديالوج) وحوار داخلي) (منولوج) وسرد قصص في البناء الشعري وذلك لتمثيل الصراع والحركة وهما جوهرا الدراما الاستعارة والصورة الجديدة من النص الغنائي أو التأملي.
ويفترق نوعا الشعر: الغنائي والدرامي في جوهرهما، إذ أن الشعر الغنائي يصدر بصوت الشاعر ولسانه، وفيه يتغنى بآلامه وآماله، ويعبر لنا عن كل ما يجيش بصدره أما الشاعر الدرامي فهو يعبر عن أفكار ومشاعر شخصياته، وهو إنما لا يتحدث ولا يعبر إلا بصوت شخوصه التي يجسدها في درامته، ولذا فالتصوير الدرامي، هو ذلك التصوير الذي يجسد صوت الشخصية لا صوت الشاعر، وهذا نفسه ما يقدمه لنا الدكتور عبدالله باشراحيل في قصيدته (أثمار الحب) كما سيبين لنا خلال القصيدة التالية:
يفتتح باشراحيل قصيدته هذه، بقوله:
قالوا: في أعلى جبل يوجد ماء الصدق
ويوجد شجر يثمر فيه الحب
ويلاحظ أن هذين البيتين قد وردا على لسان مقدر (هم)، إذ انهم قد قالوا، وفعل الكلام التالي هنا يورد على لسان غير لسان الذات الشاعرة.
ويلاحظ هنا الصورة الدرامية التي يقدمها لنا الشاعر على لسان القائلين، فهي صورة أشبه بالصورة السينمائية، التي تخلط بين مفردات مادية وأخرى معنوية.
ينتقل الشاعر بعد ذلك إلى وصف أفعال ذلك الرجل الذي يعرف ذاك الجبل، بقوله:
لا يعرفه إلا رجل يهوى الترحال إلى القمم الشماء رجل يختار جبال الأرض قرار
أو يتخذ الغيم بيوتاً
يسقي بالنور ويطعم ثمر الحب
مذ غادر زيف مدائن هدم الحق
وأنكر كل قصور تبني من ورق الظعن
ما زال يعيش وحوله ثوانيه(...)
يترشف انداء ورذاذاً وسلاما
أو يشرب من مزن الأمطار رحيق الطهر(...)
هل يطعم هذا الخلق المتمرد من ثمر الحب؟
من يعرف ذلك الرجل الناسك صاحب
أطيب قلب؟
هنا يختم الشاعر مفردات لسانه هو بسؤال عمن يعرف ذاك الرجل النوراني الذي أسهب في وصفه وخلط في هذا الوصف بين المفردات المادية والمعنوية.
ويواصل باشراحيل قوله:
نسأله أن يعطينا بعضاً من ثمر الحب
من يعرفه؟
هو يسكن فوق ذرا الأيام
هناك وعند النور أقام(...)
يسألنا: من أنتم؟
ويرد لسان الجمع:
نحن الآتون إليك من البغضاء
وقيل بأن لديك ثمار الحب
من يأكل بعضا منها يتسامى أبداً
يفدي بالروح ولا يبخل بالقلب
فبكى من حر الآه ونار الوجد
صوت يتهرج فيه الحزن
ويدان تهيلان بعمق القبر تراب الفقد(...)
ويلاحظ هنا أن المقطع السابق يحتوي على ثلاثة أمور:
أولاها: وجود حوار بين الشاعر وآخرين. وثانيها: وجود عالمين، عالم الرجل النوراني وعالم الجماعة البغيض. وثالثها: الوصف الدرامي الرائع الذي أسبغه الشاعر على الرجل، فقد بكى وتهدج صوته حزناً ويداه تهيلان ترابا كثيفا..
وهنا نصل إلى انتظار رد الرجل على الجماعة الذين يبغون ثمار الحب ليغيروا من طعم أيامهم المشحونة بالبغضاء(...).
والناسك في نعي الآمال يقول
ماتت أشجار الحب
وأطلع شجر الزقوم الرعب
يختتم الشاعر قصيدته بهذا الرد الذي يرد على لسان الناسك، فثمار الحب التي يسألونه إياه ماعادت في حوزته بعد أن ماتت أشجار الحب، وبعد أن أفرغ شجر الزقوم الآتي في قرار الجحيم الرعب في نفوس الناس.
هكذا، يعلن الشاعر أن لا أمل في إصلاح أحوال الأرض، فالأرض قد ملئت بصنوف البغض والتشاحن بين ساكنيها، ولم يعد مكان ولو في أعالي الجبال لثمر الحب.
إن باشراحيل خلال هذه القصيدة يورد الفكر والوجدان والتصوير خلال أكثر من لسان:
* صوت الشاعر
* وصوت المجموعة
* وصوت الناسك
مجرياً بين هذه الأصوات الثلاثة حواراً يتصف بالدرامية لا بالغنائية، كما أن الصورة فيها ليست صورة شعرية تقليدية، بل سمت الى مستوى التصوير الدرامي المؤثر على أسماع جمهور المتلقين.
* عبدالرحمن بن حميدي المالكي ناقد سعودي
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved