الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 26th July,2004 العدد : 69

الأثنين 9 ,جمادى الثانية 1425

(القصة القصيرة) فنٌّ تاهَ بين (الحبكة) و(الحدث)

* الثقافية عبدالحفيظ الشمري:
الفن القصصي كما تشير بعض الدراسات هو فن عربي الجذور إلا أن هذا الفن لم يهتم به أحد لأنهم اعتمدوا على فن سماع الشعر الذي يناقض النثر كثيراً في صوره وتركيباته.
وحينما جاء العصر الحديث وازدهرت فنون الكتابة لم يكن للقصة القصيرة حظ أيضاً إذ تغلب عليها فن المقالة حينما انبرى للتصدي لمشاكل المجتمع، لكن القصة القصيرة ظلت تحاول وتجاهد في ايجاد هويتها، والتعريف بدورها في بناء النقد الاجتماعي والانساني.
وفي ظل هذه المحاولات النابهة لجيل قليل من كتاب القصة القصيرة الذين دأبوا على خلق فضاء سردي قصصي يتخذ من الحكاية الشعبية سنداً له وعوناً في بناء ثقافة الراوي الذي يصوغ الأحداث ويسهب في شرح الواقع من خلال معايير محددة تتمثل في (البداية والحبكة والحدث والخاتمة) لكن هذه المعايير ليست حتمية أو مؤكدة ليصبح الفن القصصي مختلف التيارات والاتجاهات حتى أننا نجد لكل كاتب قصة معاييره الخاصة.
من هنا تفرقت السبل في كتاب الفن القصصي وأضحت الحالة مزيجاً من التجريب والتداخل والفهم الناقص حتى تاهت القصة بين (الحبكة) و(الحدث) ففي الأولى تظهر عقدة الكاتب قبل قصته والأخرى تداخلت أحداث كثيرة حتى صنعت هذه الاشكالية التي نعرضها هذا الأسبوع عبر (المجلة الثقافية ) على عدد من كتاب القصة والنقاد الذين اسهموا مشكورين في عرض ما لديهم.
فكانت البداية للأديب القاص إبراهيم الناصر الحميدان حيث أشار مؤكداً أن فن القصة القصيرة لم يكن مظلوماً بين الفنون..بل كان هو الفن المتمرد الذي استطاع ان يعبر عما يدور في خلد المبدعين الذين يصورون الواقع بقوة عقلية هائلة، لكن هذا التصوير يظل مضغوطاً في اسطر محدودة.
وأضاف القاص الأستاذ الحميدان إلى أن سر تميز القصة القصيرة هو ارتباطها القوي بالحكاية التي عرفت عند الناس في كل زمان ومكان حتى اصبحت واقعاً مؤثراً في المجتمع.. لا سيما في المجتمع العربي حيث يصف (الحميدان) هذا المجتمع بانه صانع بارع للعديد من الحكايات والقصص الطويلة والقصيرة التي تجذب إليها الاهتمام لتحقيق الغرض وتفي بالمعالجة.
ويشير الروائي والقاص الحميدان إلى حقيقة مهمة تتمثل في تنوع الطروحات القصصية لأن الحكاية تريد أكثر من لون سردي لكي لا يملها المتلقي سواء السامع أو القارئ. وختم الحميدان مداخلته حول محور القصة مؤكداً على أن هذا الفن يتعرض مثل غيره من الفنون الجمالية إلى موجة من التجاهل والتغريب لكثرة هذه المحفزات المرئية للتسلية واشباع الفضول فكانت القصة فيما يبدو هي الضحية الأولى من ضحايا هذه الهجمة المعلوماتية العاتية.
بناء القصة لدينا هش ومائل..
الناقد الدكتور عبدالله المعيقل يرى اشكالية فن القصة اليوم على هذا النحو: (القصة القصيرة هي فن جمالي يقترب من القصيدة فهي تحتاج إلى خبرة وطول مراس لكي تكون مناسبة لأن نصفها بأنها قصة قصيرة تنطبق عليها مواصفات فن القصة المعروف محلياً وعربياً وعالمياً.
أما ما نشاهده اليوم فانه قد يكون من باب التجريب لأن الساحة الأدبية بفضل وسائل الاتصال اصبحت مفتوحة لكن علينا أن نحسن الفرز ونقدم المفيد.. وعلى هؤلاء الكتاب ان يبتعدوا عن بناء القصة التي تخلو من احداث مؤثرة لأن العنصر الهام في بناء القصة القصيرة هو مقدار المهارة في بناء هذه الأحداث.
واقع القصة الآن غير مطمئن لأن بناءها لدينا هش ومائل فنحن بحاجة إلى ذائقة قوية لتحدد لنا معالم هذه الظاهرة التي أصبح الجميع يمارسها.
فكلما ازدادت الخبرة والقراءات في مجال الفن القصصي خصوصاً الأعمال المترجمة سيكون لدينا عمل قصصي يمكن لنا أن نثق به وكذلك الأعمال العربية في مصر والشام والمغرب العربي فهؤلاء كتبوا القصة بفنية واقتدار ويجب ان نتعلم منهم ذلك).
لم يعد للقصة من يقيمها.. لماذا؟!
القاص خالد أحمد اليوسف له رأي يخالف ما طرحه الاستاذ الدكتور المعيقل والأستاذ الحميدان حيث يرى واقع القصة القصيرة على هذا النحو:
(في معرض سؤالك تذكرت عناصر القصة التي ظلت تلح دائماً في التردد على مشهدنا القصصي.. تلك التي تتمثل في (الزمان والمكان والحدث).. لكن هذه العناصر لم تكن مهمة لي حتى الآن لأنني أعرف أن هناك عناصر كثيرة قد يتصورها البعض وخصوصاً النقاد.
فمن أبرز ما طرحه النقاد من عناصر هو (العقدة والحبكة والحدث).. تلك التي لم تعد حقيقة مهمة في عالم القصة وفنياتها لأن القصة في يقيني ترتبط ارتباطاً وثيقاً في الحكاية التي يتطلب في نجاحها (الحدث والزمان والمكان) فكلما ارتكزت القصة القصيرة على هذا المفهوم كلما أصبحت اقرب إلى القارئ.
وشيء آخر يمكن أن أشير إليه هو أن اللغة مهمة في بناء القصة القصيرة الحديثة حيث يجدر بها أن تقيم علاقة قوية بين عناصر البناء الفني المكتمل، فالقصة فيما يبدو تعاني من اختلال في الموازين النقدية التي غضت الطرف فيما يبدو عن كثير من الممارسات العبثية في فن الرواية، لتحدث هذه (الربكة) أو (الجلبة) التي تحدثها اقلام الكتاب حينما أخذوا على عاتقهم مهمة تقديم العمل القصصي.
إنني هنا أشدد على أهمية ان تكون القصة القصيرة مراعية لمركزية الحكاية فيها.. فإن لم يكن هناك أصل حكاية فلن تنقذ اللغة لوحدها هذا الكائن السردي، فكثير من التجارب ظلت تحاول أن تزيح فن الحكاية من القصة لكن هذه المحاولة لم تنجح لأنها أضحت بعيدة عن محور الارتكاز في فن السرد وهو (الحكاية) لكن لن تكون الحكاية أيضاً هي المحرك الوحيد لأي عمل قصصي فبتضافر هذه العناصر نصبح أمام عمل قصصي يستحق منا المتابعة والقراءة.
نحن في مفترق طرق امام الفن القصصي وخصوصاً الآن في عصر (الانترنت) حيث تكثر التجارب، ويتزاحم المجربون، من أجل ان يصبح النشر هو ضالتهم لكن من الأهم قبل هذا وذاك ان تتم القراءة الواعية للانتاج السابق من أجل ان تتصل فكرة الكتابة القصصية).
لم تنته القصة إنما كثرت التجارب
القاص خالد محمد الخضري تناول سؤالنا في هذا الاستطلاع على هذا النحو:
(أنتم تتساءلون وكأن القصة قد فقدت فعلاً، لكنني أقول وبصراحة أنها لا زالت تعطي عطاءً متميزاً في حقل الابداع إلا أن ما قد يلفت الانتباه هو أن التجارب اصبحت كثيرة فلم يعد لنا أن نسيطر على كل ما يكتب لأن الحاضر الآن أصبح مرحلة انتقالية تقودنا نحو المستقبل الذي نريد له أن يكون أفضل.
القصة القصيرة يجب أن تكون فضاء خيالياً رحباً يمارس فيه الكاتب حريته في البوح لكن عليه أن يلتزم بقواعد السرد التي تتلخص بضرورة ان يكون هناك حدث وحيز زماني ومكاني ولغة تثير القارئ وتحفزه للتواصل في القراءة..).
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved