الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 26th July,2004 العدد : 69

الأثنين 9 ,جمادى الثانية 1425

إشكالية الفن والواقع
* محمد المنيف
كثيراً ما يُطرح تساؤل حول الإبداع، وكثيراً ما تثار حوارات حول الفن، ونعني به الفن ذا العلاقة المباشرة بالواقع؛ كالفن التشكيلي والمسرحي. فهناك مَن يعتقد أن ما يجب القيام به في هذين الإبداعين هو محاكاة الواقع بشكل مباشر بمطابقة فوتوغرافية. إضافة إلى وجوب معرفة تفسير كلمة تمثيل في المسرح، فالتمثيل يعني التشابه، وهو إعادة الشكل والحركة طبقاً للأصل. والنظرة هنا يعني بها أصحابها أن وصول الفنان إلى مستوى مطابقة الواقع السائد في حركة وصوت وطريقة التقليد عند الممثل، أو النقل المطابق في الصورة عند الرسام، يعني أن الفنان لديه القدرة على الإبداع دون أدنى شك أو شعور بأن ما يتم القيام به إيحاء أكثر منه تصوير مطابق للأصل.
وهناك مَن يرى أن الأصح هو أسلوب الرمزية أو الإيحاء المجرد الذي يلامس لب القضية أو المعنى دون مطابقته مع مزجه بأبعاد نابعة من خيال خصب دون فصل بين المصدرين أو تقديم أحدهما على الآخر، وهذا هو الأكثر قبولاً وأهمية عند محلِّلي الأعمال الفنية وفلاسفة الإبداع.
وهذا القول أو هذا الرأي يقودنا إلى معرفة العلاقة بين الفن بوسائل تعبيره المختلفة وعلاقته بالواقع، ولماذا يحب أن يراه البعض مطابقاً للواقع، بينما يرفض الفنانون هذا المبدأ وأنه تحليل لمعطيات المحيط بالتعامل مع مفرداته عبر تحكيم منطق الخيال رافضاً أي إغراء خارجي، أو أن هناك مصالحة واتفاقاً مبنياً على شروط معينة تقرب العلاقة بينهم لوضع قاسم مشترك بين رفض الفنان للتعامل المباشر وبين حقيقة الواقع التي يتفق الجميع على أهميته، وكيف يصبح الواقع أداة تعبير حرة يتفرد بها الفنان كيف يشاء نحو التغيير والتبديل باسم الإبداع والتجريد والتجريب؟
وحينما نستعرض بعض آراء بعض الفلاسفة الكبار ممن سجل التاريخ لهم الكثير من النظريات سوف نرى أن الكثير منهم أطلق كلمة الإيحاء لقربها من وصف علاقة العمل الفني بالواقع وتأكيداً على العلاقة الكبيرة بين الفن والمحيط بكل ما فيه من سكان ومتحرك وأهمها الإنسان.. فعلاقة الفنان الإيحائية أياً كانت وسيلة تعبيره عن الواقع تعني أن لديه الإمكانات لتنفيذ إبداعه، موجداً بذلك تواصلاً وربطاً وجدانياً بين الذات وبين محيطه الحياتي البيئي والاجتماعي، مخالف بذلك نظرة العالم الذي يحلل الواقع كموضوع في وقت يرى الفنان أنه ممتلك له، مستبدل طموح العالم والحرص على الموضوعية بسمو الفن المعتمد على استدراج الذات وبروز خصوصيته وأسلوبه على ما يريد الفنان التعبير عنه.
إن الرؤية الفنية تنغمس في جنبات الواقع وتحتويه بكل تفاصيله؛ حيث يقوم الفنان بتمرير ذلك الانعكاس بالوجدان ثم بالعقل؛ لتتم فلترته وترشيحه ومزجه بمختزل ثقافي ديناميكي التفاعل مع كل جديد يضيف إلى صياغته نمطاً وأسلوباً متجدداً يمثل في النهاية وجهة نظر الفنان المبدع.
إن لغة الرمز أو الإيحاء هي التعبير المرن والذكي لفتح آفاق الخيال لدفع المشاهد إلى مساحات أكثر اتساعاً لشحذ ملكات التذوق والتنقل من صورة إلى أخرى انطلاقاً من مختلف العناصر الثابتة في اللوحة أو المتحركة على المسرح.
وعلينا هنا ألا نكون أيضاً متطرفين تجاه اللامفهوم أو اللامعنى بابتعادنا عن تلمُّس الواقع ومعايشة أحداثه العاطفية والجميلة والمؤلمة؛ لئلاَّ نقع فيما توصل إليه أفلاطون في نظريته التي ترى أن الفن وهم؛ لهذا طرد الفنانين من جمهوريته التي تخيلها جمهورية فاضلة لا مكان فيها إلا للحقيقة بناءً على تسلسل نظريته تلك التي جاء فيها: إن عالم الحقيقة يأتي بالمرتبة الأولى، لتأتي في المرتبة الثانية الطبيعة؛ كونها استنسخت وقلدت من تلك الحقيقة، وبما أن الفن تقليد للطبيعة فسوف يصبح في المرتبة الثالثة.
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved