الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 26th July,2004 العدد : 69

الأثنين 9 ,جمادى الثانية 1425

هؤلاء مرُّوا على جسر التنهدات ..
صاحب أول رواية تاريخية في المملكة

* بقلم : علوي طه الصافي
هو واحد من ثلاثة متجايلين، كانوا كالنجوم ينيرون الفضاء الثقافي والأدبي في منطقة (جازان) حين كنا نحن الجيل الذي جاء من بعدهم نحبو على العتبات الأولى من سلم الأدب.
تميز كل واحد منهم في فن مع مشاركته من حين لآخر في فن، أو جنس من أجناس الأدب. تميز واشتهر الأستاذ (محمد بن علي السنوسي) في الشعر.. كما تميز واشتهر الأستاذ (محمد بن أحمد عيسى العقيلي) في كتابة تاريخ المنطقة السياسي والجغرافي، والفولكلوري، أما صاحبنا محور موضوعنا هذا الأستاذ (محمد زارع عقيل) فقد عُرف بكتابة القصة القصيرة، في وقت لم تحتل القصة القصيرة مكانتها على خارطة الأدب السعودي، لهذا يعد من أوائل من كتب بداياتها في المملكة، مما جعل الأستاذ (عبدالقدوس الأنصاري) صاحب ورئيس تحرير مجلة (المنهل) الأدبية الشهرية التي كانت تصدر في مدينة (جدة) ان يطلق عليه لقب رائد القصة في الجنوب لأن كل قصصه التي كتبها كانت تنشر بمجلة (المنهل).
وصديقنا (محمد زارع عقيل) من الشخصيات الاجتماعية المعروفة في مدينة (جيزان) بتواضعه والتصاقه بالناس على اختلاف طبقاتهم التصاقاً حميماً، وكان محبوباًَ من الجميع، لأنه يتمتع بذاكرة تختزن عادات وتقاليد المنطقة، وتحتفظ بالكثير من شعرها الشعبي على اختلاف أنواعه مثل (الطارق)، و(الدِّفع).
وكثيراً ما كنا نشاهده في مناسبات الزواج أو الختان، أو الأعياد يشارك الناس رقصاتهم، وبخاصة رقصة (الزَّيفة) الجماعية، ولهذا جاءت مجموعة قصصه الأولى التي طبعها (نادي جازان الأدبي) بعنوان (بين جيلين) عاكسة للعادات والتقاليد التي عاصرها في مدينته.
وبحكم عمله الرسمي تنقل في عدد من أمكنة منطقة (جازان) نتج عنها كتابته لبعض الدراسات البحثية مدعمة بروافده القرائية في التاريخ.
وكان للفترة التي قضاها موظفاً في (الجابري) و(النوبة) وتعرفه على باديتها، ومعايشة أهلها مع اختلاف لهجاتهم أثرها في كتابة دراسة بعنوان (اختلاف اللهجات والعادات في تهامة) ودراسة أخرى بعنوان (تهامة.. في التاريخ)، وقد نشر الدراستان في مجلة (المنهل) لكنه لم يصدرهما في كتاب. وقد حدثني بنفسه ان لديه دراسة عن (سد وادي جازان) لم تنشر، ولم أعلم شيئاً عن مصيرها بعد وفاته تغمده الله بواسع رحمته. وله قصة طويلة بعنوان (ليلة في الظلام) نشرتها له في كتيب مجلة (المنهل)، وألقى محاضرة في (نادي جازان الأدبي) بعنوان (بُناة العلم في تهامة) نشرها النادي في كتاب مع محاضرات أخرى، وكما علمت منه ان له مجموعة قصصية بعنوان (الوفاء) لم تطبع في كتاب، ومثلها كتاب له بعنوان (مقالات أدبية واجتماعية) متمنياً على (نادي جازان الأدبي)، وقد كان الراحل عضواً عاملاً من اعضائه الاتصال بأسرته التي ربما انها تحتفظ ببعض اعماله المخطوطة، أو المنشورة في أعداد (المنهل) تحتفظ بنسخ منها.
وأخيراً نأتي لعنوان هذا الموضوع، فصديقنا الراحل (محمد زارع عقيل) له رواية تاريخية إسلامية بعنوان (أمير الحب)، تعد الأولى في تاريخ أدب المملكة، وقد أشار إليها صديقنا العزيز الناقد الدكتور (منصور إبراهيم الحازمي) في كتابه الرائد (فن القصة في الأدب السعودي الحديث) ط 1401هـ 1981م، الناشر دار العلوم للطباعة والنشر بالرياض.
ولأن المجال يضيق بايراد مختصر للرواية فسنكتفي برأي صديقنا الدكتور (الحازمي) على الرواية، وتعليقنا عليه، يقول الحازمي:
(ويتضح تأثر كاتبنا يقصد محمد زارع عقيل بجرجي زيدان في الطريقة التي يتعرف بها البطل على البطلة، وهي غالباً ما تكون لقاء عشوائياً في حفل، أو عيد، أو مهرجان، أو غير ذلك من المناسبات العامة. وقد لجأ كاتب (أمير الحب) إلى هذه الطريقة، فهو يفتح روايته بفصل أسماه (فتاة الموسم) يتم فيه أول لقاء بين الفتى والفتاة. وهذه تسمية مألوفة في روايات جرجي زيدان، كما انه يلجأ في الفصل الرابع إلى مصطلح زيداني آخر وهو (فذلكة تاريخية)، وفيه يتم تعريف القارئ بالمهاد التاريخي الذي ستدور في إطاره القصة، وهو يشبه زيدان في تركيزه على النواحي التاريخية، وعدم الاهتمام بالجوانب العاطفية. وتبعاً لهذه النظرة التعليمية فقد حشد المؤلف الكثير من الحوادث التي لا تمت إلى القصة الرواية بأدنى صلة، كما انه اضطر في سبيل السرد التاريخي ان يربط القصة العاطفية بحوادث التاريخ، وهو ربط مفتعل كثيراً ما يلجأ فيه إلى بعض الحيل الزيدانية المعروفة، ومنها سؤال الشخصية عن الحادثة: (وكيف كان ذلك؟) وهي أيضاً من الصيغ القديمة التي استخدمت في (كليلة ودمنة) وغيرها من القصص الموروث، بل ان مؤلف (أمير الحب) يستخدم طريقة جرجي زيدان في استثارة فضول القارئ وتشويقه إلى متابعة القصة الرواية، وهذه الطريقة هي اخفاء حقيقة إحدى الشخصيات حتى الفصول الأخيرة من الرواية، والشخصية المتخفية هنا هي شخصية (ابن قيس الرقيات) ولا ينتهي تأثر كاتبنا بالمنهج الزيداني إلى هذا الحد، بل يمتد إلى هوامش الرواية، حيث تسجل بعض المراجع التاريخية، ومنها مؤلفات للكاتب نفسه.
(وهكذا نرى أن التجربة الوحيدة في الرواية التاريخية لم تصب نجاحاً، ومؤلفها لا يعود إلى نماذجها العربية الناضجة المتطورة عند (محمد فريد أبي حديد، ونجيب محفوظ، وعلي أحمد باكثير، وعادل كامل، بل يحتذي فيه منهجاً بدائياً عفى عليه الزمن ولم يعد صالحاً اليوم لكتابة الرواية التاريخية، بل انني لأزعم ان جرجي زيدان كان أكثر خبرة بأسلوب الفن القصصي من كاتبنا، إذ كان أمهر منه في نقل القارئ بين القصة العاطفية والحوادث التاريخية، بينما نرى الفصول في رواية (أمير الحب) عبارة عن استمرار سردي، وحدودها مصطنعة اصطناعاً، ومن ناحية أخرى فإن جرجي زيدان ان كان أوسع حيلة في اصطياد عناصر التشويق، وتركيب الحوادث، واجتذاب القارئ بأسلوبه السهل، وعباراته العاطلة من الوشي والتكلف) انتهى ما قاله الحازمي (ص ص 47 48)، المرجع المشار إليه أعلاه.
ولنا مع الدكتور (الحازمي) الذي ارتبطُ معه بصداقة أكبر وأطول من الصداقة التي تربطني بصاحب رواية (أمير الحب) الذي يعد من مجايلي والدي، في الوقت الذي أعد نفسي من مجايلي الصديق الحازمي.
ولنا مع الدكتور الحازمي فيما قاله عدة مواقف رغم المبررات التي أوردناها، ويعرفها الحازمي نفسه جيداً فله مكانة ومكانته في قلوبنا، وتقديره في نفوسنا وعقولنا، وهذه المواقف التي نحسبها متواضعة هي:
1) نلاحظ انه قسا كثيراً على صاحب رواية (أمير الحب) التي تعد الرواية التاريخية الوحيدة في المملكة حسب اعتراف الحازمي نفسه منذ مرحلة كاتبها قبل ما يقارب نصف القرن إلى الآن.
2) كما تعد هذه الرواية التاريخية هي (اليتيمة) في مسيرة الكاتب، ولو واصل الكتابة في هذا الجنس فقد تكتمل عنده الأدوات الفنية بالاستمرار لابداع الأفضل والاحسن ببلوغه مرحلة (النضج) في كتابة الرواية التاريخية، لهذا فهي فتح أولي، أو بدائي بالنسبة للمملكة على ما هي عليه من مآخذ أشار إليها الحازمي!!
3) ان صديقنا الحازمي جرّد الرواية من كل المحاسن رغم تأثرها بروايات جرجي زيدان، فهل يعقل ألا يستفيد شيئاً من الحسنات الزيدانية!!
4) المعروف ان البدايات تبدأ بالمحاكاة كما يرى (ارسطو)، وهي لاحقة للأثر الأصل والأساس مما يتوقع لهذه المحاكاة اللاحقة تخطي وتجاوز الأثر الأصل والأساس، أو تقف موقف (الدونية). إذ لا يشترط في أغلب الأحيان المساواة والمماثلة بين الاساس والمحاكاة.. لهذا من الجور اشتراط المساواة والمماثلة بين روايات جورجي زيدان بتجاربها العديدة التي تجاوزت عشرين رواية، وبين رواية (أمير الحب) الوحيدة واليتيمة كبيضة الديك إذا صح المثل!!
5) والمعروف أيضاً ان رواية (أمير الحب) كتبها صاحبها متأثراً بجرجي زيدان حين كانت روايات الأخير منتشرة في العالم العربي انتشاراً واسعاً قبل ان تنتشر روايات (محمد فريد أبي حديد، ونجيب محفوظ، وعلي أحمد باكثير، وعادل كامل) التاريخية، وقل، أو ندر ان نجد من لم يقرأ أغلب أو كل روايات جرجي زيدان، بما فيهم الدكتور الحازمي، قبل ان يقرأ لغيره، ويحصل على الدكتوراه من لندن في الرواية التاريخية العربية محمد فريد أبو حديد نموذجاً ولو اطلع صاحب رواية (أمير الحب) على روايات الآخرين الذين ذكرناهم لجاءت روايته قريبة ومتأثرة بنماذج الروايات العربية الناضجة المتطورة!!
6) حين كتب الدكتور الحازمي عن صاحب رواية (أمير الحب) لم يأخذ في اعتباره الوسط الاجتماعي للكاتب، والفضاء الثقافي الساكن الرتيب حيث عاش في مدينة (جيزان) النائية عن كل الوسائل التي تساعده على الاطلاع على أعمال روائية غير روايات جورجي زيدان، أعمال تنمي موهبته، وترفد استعداده الفطري، وتصقل تجربته، فلم تكن توجد مكتبات، ولا تصل أعمال روائية إلى وسطه الاجتماعي.
7) إضافة إلى ذلك أن صاحب رواية (أمير الحب) لم يتلق تعليمه في مدارس نظامية حديثة، واستتلاء لذلك لم يدخل جامعة، فقد درس على الطريقة السلفية التراثية (حلقات دروس المشايخ) والدراسة في هذه الحلقات تراثية بحتة.
ولو عدنا إلى جورجي زيدان لوجدنا أنه تلقى تعليمه الأولي في مدارس حديثة، ودرس في جامعة راقية، وقد يكون تخصصه في الأدب، إضافة إلى انه عاش حياته كلها في وسط ثقافي متحرك، ومجتمع كان يعد بؤرة الثقافة العربية.
إذ من المعروف ان مصر انفتحت على العالم الخارجي قبل كل الأقطار العربية بعد خروجها من الحكم العثماني، وهيأت البعثات الدراسية لأبنائها، وتعد (القاهرة) العاصمة حيث عاش فيها جورجي زيدان مركزاً للأدب والثقافة والمكتبات في الوطن العربي.
ولا نستبعد ان جورجي زيدان كان يتقن لغة أجنبية مما يساعده في الاطلاع على الأعمال الأجنبية، مباشرة، ودون وسيط كالترجمة.
ولا ننسى انه كان متفرغاً للأدب والتأليف، وهو الذي أسس (دار الهلال) التي تصدر عنها عدة مجلات على رأسها (الهلال) التي ما تزال تواصل الصدور إلى اليوم.
فرجل توافرت له كل هذه الامكانات الكبيرة من روافد العلم والتعليم والأدب والثقافة نجد بعض القسوة، أو التجني، وعدم الانصاف حين نوازن بين رواية (أمير الحب) وبين أعماله المتعددة التي نزعم انه هو الآخر تأثر بغيره.
alaui@alsafi.com
ص.ب (7967) الرياض (11472)
الصفحة الرئيسة
أقواس
فضاءات
قضايا
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
اوراق
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved