الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 26th September,2005 العدد : 124

الأثنين 22 ,شعبان 1426

قصة قصيرة
آخر السلم..
عاشق الهذال
تقلّص اهتمام الموظف شايف الهيوس .. بقراءته المطولة لبعض الصحف ربما أن التكرار .. جعله يحفظها جيداً .. إخراجاً وتبويباً وكتبة .. فالكتبة قلّما يتغيرون .. أحرفهم تتراوح بين المد والجزر بعيدة عن العمق .. وصور البعض المؤطرة بالشعر الحرير الغزير بعد هندسة دفع فيها مبلغاً لا يستهان به .. والبسمات الملونة (بالصور) قلّما تنبئ عن شيء .. مع أصحاب الفكرات والاقتراحات .. والحكايات عن القديم والحديث في الشعر والغرام .. ولا غرام..!
يقابل هذا الكم الهائل طائفة جادة .. تكتب بحب وإخلاص لهذه الأرض وإنسانها الطيب .. غير عابئة بمن يحاول التطاول ولو باللسان في مجالس اللت والعجن بعد الطحن ... وكأنّ أصحابها عقدوا صلحاً مع الزمن..!
شايف الهيوس بدأ يهتم بالإعلانات عن الوظائف والترقيات والاقتراحات بتعديل السلّم الوظيفي.. أو تكثير درجاته .. وخطورة التجميد على نفسية الموظف بعدم الإنتاجية .. والاضرار بمستواه الاجتماعي والمعيشي على السواء .. و... إلخ.
شايف رُزق بطفلتين .. وهو معلّق بآخر السلّم الذي طارت درجات بالمرتبة المشئومة .. يرى من يتمتعون بالترقيات .. وبالعلاوات كلّ عام .. وداخله يطحن غبناً يكوي أضلعه!
أفهم وكتب للمدير مراراً واحتج .. ويأتيه الرد الهادئ متمتماً بما يشبه الهمس:
نحن لا نقصر بحق أحد .. والنظام أنت خير من يعرفه ... الوظائف كما ترى قليلة .. حتى تغيير مسمياتها صعب ... والحياة كلها صعبة.
وأخيراً يرفع شايف رأسه عالياً .. ثم يردِّد بصوت غير مسموع:
الشكوى لغير الله مذلة ... تلين تقاطيع وجهه الحنطي .. يعدل نظارته المعتمة خلفها عيناه .. بعمشهما والتهابهما الشبه المستديم مع نصف إبصار .. ورثتاه من تلك السنين الخوالي .. وقد استطاع الطب الحديث أن يطرد عنهما شبح الإظلام الكلي .. واستطاع بدراسته أن يبرز .. وأن يحفظ لنفسه مكانتها .. وأثبت لوالديه ولأقاربه .. أن (لا يأس مع الحياة).. كافح .. وتوظّف بمرتبة صغيرة .. ونال أكثر من ترقية بالمدة الزمنية ..
كوّن أُسرة .. وأقرضه البنك العقاري فبنى سكناً حديثاً. وأحب القراءة كعمله بإخلاص. رغم الانكسارات وأفانين الشرور القياسية استطاع أن يخرج منها بنفسية معاكسة .. لا يجازى .. ولا يتعامل مع مبدأ الشر بالشر والبادئ أظلم .. يتعامل بمرح ظاهر .. وإذا أتاه أو سمع ما يؤلم رد بسخرية لا تؤلم .. لكن هذه السخرية عند البعض مؤلمة .. خاصة أولئك الخماسي الباهت الممسوخ .. الذين يريدونه مؤنساً ومضحكاً وناقلاً ومرفّها عن كروبهم الأرضية السبخة الخماسي بالإدارة برئاسة الوزغ .. ويتلوه يعني يعني .. وابن حمادة والمسمار .. وأبو عرقوب .. الوزغ صاحب الولائم لهم .. وللمدير.
الذي يبتسم لآرائه كثيراً ولا ينفذ منها إلاّ القليل..
شايف لا يهتم بما قيل ويقال حتى الألقاب كان يضحك لها ولا يعلق لا خوفاً من أصحابها، بل عدم اكتراث .. حتى عندما أتاه من يخبره بأنّ الوزغ أشار وبحرارة على المدير بأن ينقله من الأرشيف للمستودع فرد عليه مبتسماً:
الرجل لم يخطئ ولا داعي لإزعاجه.
لكن مصلحة العمل تتطلّب ذلك .. شايف عمله قليل والمستودع مهم.
أعرف مصلحة العمل جيداً والمستودع فيه من يقوم بعمله.
علّق شايف أخيراً .. وبعد تواتر الخبر:
الوزغ نجس .. يقال إنه كان ينفخ النار على سيدنا إبراهيم عليه السلام وطارت التعليقات تجوب أقسام الإدارة العتيدة..
وأتى الوزغ يعرض خدماته بالتوسط له بالعاصمة .. وليتأكد أو ليعاتب .. لكن الرد أتاه وبلا مبالاة:
تتوسط لي بالترفيع أو بالمستودع .. التاث الوزغ ارتعدت فرائصه قال:
أنت دائماً تصدق بي ما يقال لك .. دسائس يا أستاذ..
طبعاً .. طبعاً .. دسائس .. لكنني ولأفرحك أكثر بأنّني لا اهتم بالدسائس .. ولا بأصحابها.. أأطلب لك ميرندا ... اشتاط الوزغ رفع يده قائلاً:
لماذا ميرندا .. أنا أعرف سخريتك اللاذعة .. لكن الزمن بيننا وأسرع خارجاً تتبعه الضحكات .. وعلّق المستخدم الأعرابي بقوله:
يم يم يم .. الجمل يشرب الميراندا .. وعليه نظارة .. دعايات..!!
* * *
كالعادة بعد صلاة العصر شايف يقلب بالصفحات لعل وعسى.
وأخيراً رشف من الشاي ثم أسند رأسه الذي بدا صلع مقدمته مع شيبه المتنامي الذي أضفى عليه مهابة .. لا يشك من لا يعرفه بأنّه أحد الأكاديميين العظام بتلك الأصقاع البعيدة.
أتت زوجته بالقهوة تأمّلها كاد يحسدها على جهلها ونظرتها للحياة بمنظار ميسر بسيط .. فبادرها:
أهلا .. أهلا .. ابتسمت وردّت:
وبك اكثر.. وبدأت الأحاديث يمنة ويسرة وأخيراً قالت:
وليمتنا لأبي جرجور بالأسبوع القادم .. والخروف لا يكفي لا بد من اثنين .. أخوك ذبح اثنين .. شرب القهوة دفعة وقال:
واحد يكفي .. أبو جرجور يجر وراءه جيشاً من البشر .. ووراءه أيضاً فوائد أرصدته في البنوك وسيرينا البطاقات كالعام الماضي ..
هذه بالدولار وهذه بالاسترليني .. وهذه سياحية بالريالات .. إلخ
وليسوا بحاجة للأكل .. الخروف كاف.
ماذا نعمل عوائد .. ملزمة ... ضحك ثم قال:
العادات قاهرات .. حتى قرابتنا به بعيدة .. لكن أقاربنا أين .. سامحهم الله .. رحمة الله واسعة .. وأسند رأسه للخلف .. أدركت بفطرتها ما يعانيه تململ وجهها الأبيض بفعل العينين .. وبعفوية نطقت:
ألم تحصل على الترفيع .. أو لم تسمع على خبر يبشر به ..
ابتسم ساخراً ثم قهقه وأومأ برأسه قائلاً:
لم يحن الوقت بعد .. ولم أسمع.
إلى متى..؟
حتى يجدوا الوظيفة.
والذين يترقون من حين لآخر.
يترقون.
لماذا أنت..؟
حظوظ .. قسم .. شنص كما يقول الإنجليز.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved