Culture Magazine Monday  26/11/2007 G Issue 224
فضاءات
الأثنين 16 ,ذو القعدة 1428   العدد  224
 

بعض من عرفت! «9»
عبد الفتاح أبو مدين

 

 

كتب الدكتور محمد أبو بكر حميد تحت عنوان: (عبد العزيز الرفاعي - مؤلف الرجال والكتب والشعر) فقال عن الفقيد: (كان يحرص ألا يتكلم أكثر من ضيوفه، وهذه خصلة في الخلق الكريم يغفلها الكثير من الذين يدعون الناس إلى بيوتهم، ويشهد كل الذين ارتادوا ندوة الأستاذ، حتى الذين زاروه مرة واحدة بأنه من خيرة من يعرف حقوق الضيف والزائر وأدب زيارته في منزله وفي ندوته وفي مكتبه، وهو من أحرص الناس في التعرف التام على من يلتقي، فما إن تلقاه صدفة حتى تعجب حين تجده في اللقاء الثاني قد عرف اسمك كاملاً وعرف اهتماماتك وسألك عنها وناقشك فيها، لتخرج من داره أو مكتبه متعجباً: كيف لهذا الرجل أن يحفظ أسماء كل زواره ويتذكر اهتماماتهم؟)، وتحت عنوان - لن أنسى، قال الكاتب: (ولن أنسى ما حييت أول مرة حضرت فيها ندوته وأنا مشوق لمعرفة الرجل الذي قرأت له منذ سنوات طويلة وأعجبت به، فكان المكان غاصاً بالناس، وعند الخروج أشفقت عليه من وقوفه لتحية كل الناس، فحاولت الهروب ليقيني أنه لا يعرفني، وما إن رفعت نظري إلى وجهه وتفرست ملامحه الهادئة المريحة وتمليّت فيها حتى شدني إليه ذلك البريق الذي يشع من خلف نظارته فيشعر بدفئه الناس ويسلم عليهم وابتسامته الوديعة التي لا تفارقه أبداً حتى في أكثر اللحظات حزناً وألماً، وسلمت عليه بكلتا يدي، وقدمني إليه من كنت أرافقه، فحياني تحية من يعرفني من سنين، وما إن حل لقاء ثان حتى وجدته يتذكرني تماماً، وعرفت يومها سراً من أسرار محبة الناس له)..

وقال الكاتب: (وقد وضع الدكتور محمد عبده يماني يده على سحر شخصية الأستاذ الرفاعي في الكلمة التي قالها في حفل التكريم الذي أقيم له في نادي جدة الأدبي في شهر ذي القعدة، وهو التكريم الذي أظهر تقدير الزملاء ووفاء التلاميذ، وأظهر حب الناس الغامر لشخص الأستاذ من كل فئات الناس، الأمر الذي جعل الدكتور يماني يتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وإذا أحب الله عبداً وضع له المحبة في الأرض ونادى له ملكاً في السموات إني قد أحببت فلاناً فأحبوه، فوضعت له المحبة في الأرض). وقد أحب الناس الأستاذ الرفاعي لأنهم لم يعرفوا منه إلا قلباً متدفقاً بالحب).. ورأيت في حديث الدكتور محمد أبو بكر متابعة دقيقة، فتحدث بوفاء وعن وفاء وتقدير وحب لرجل يؤثر عن نفسه، وقد عرفته مبكراً ورأيت فيه الكثير من الخصال الحميدة الكريمة، وميزات قل أن نجدها، فهنيئاً للفقيد بهذه القلوب التي تعطيه من ودها وشعورها ما هو به خليق، وهو القائل:

ما أنا في عدادكم غير قلب

خلب الحرف لبه فانقادا

جئت هذا المساء أطلب علماً

مثلما يطلب الصدى ابتراد

ويمضي الدكتور في حديثه الشائق: (كان عبد العزيز الرفاعي أستاذاً لسبب بسيط غاب عن الكثير من المشهورين الذين يصرون على أن يفرضوا أستاذيتهم على الناس، ذلك لأن عبد العزيز الرفاعي لم يتعامل مع أحد قط كأستاذ حتى سائق سيارته وخادمه وموظفي داره، كان يتعامل معهم كإخوة وكأبناء، قال لسائق سيارته ذات مرة: مثلك مثل ولدي، فإن شعرت يوماً بأنك سائق تستطيع أن تتركني, ولم يستطع السائق المسكين أن يداري دموع المحبة، وهرع على غرفته يدعو الله أن يجعل قطرة من الحب الذي يملأ قلب عبد العزيز الرفاعي للناس في قلوب الذين يتعاملون بغلظة وغطرسة مع الذين يخدمونهم).

وذكر الدكتور حميد: (أساء إليه مرة أحد محبي الظهور من جماعة - خالف تعرف -، بعد محاضرة عامة ألقاها الأستاذ، وظن بعض الناس، أن الأستاذ سيغضب وسيكيل له الصاع صاعين، ولكن شيئاً من هذا لم يحدث، ابتسم الأستاذ عبد العزيز الرفاعي ونظر إليه بإشفاق ومحبة وقال له: (أفدتنا جزاك الله خيراً.. أحسنت.)، ودارت نخوة الشجاعة والمروءة برؤوس بعض الحضور؛ وبدؤوا يتعاورون المتأسد بمهاجماتهم وردودهم، فإذا بالأستاذ يتدخل ويحاول إسكاتهم واثقاً من نفسه قائلاً: - اتركوه فلكل مجتهد نصيب، جزاه الله خيراً..

ونقرأ للدكتور إبراهيم بن محمد الشتوي تحت عنوان: (السمات الفنية في نثر عبد العزيز الرفاعي)، قوله: (كتب المقالة في وقت مبكر، وكانت عنايته في أول حياته بالمقال الأدبي ثم الاجتماعي، وفي آخر حياته اهتم بالمقال العلمي، بالإضافة إلى أنواع المقالات الأخرى الدينية، والسياسية والسيرة الذاتية والوصفية، وبذلك ترك نثراً كثيراً ذا سمات فنية ميزت أسلوبه).. وأشار إلى قسمين في اهتمامات الرفاعي، وهي السمات المعنوية، منها الالتزام الإسلامي وأن ملامحه كثيرة، منها حرصه على الدعوة الإسلامية ومشاركته بها وزياراته المراكز الإسلامية خارج بلاده، وتشجيع القائمين عليها والدعوة إلى دعمها.. وكذلك الإحساس بالمسؤولية تجاه القضايا الإسلامية والكتابة عنها ودعوة الناس إلى عدم نسيانها: (وعد قضايا المسلمين قضيته، ويظهر ذلك في كتاباته عن فلسطين، وحديثه عن الحرب بين إيران والعراق.. ودفاعه عن الفكر الإسلامي، وحربه للتوجهات الفكرية المناهضة له)، وعن الاتجاه التربوي، قال الكاتب: (الرفاعي كاتب ذو هم إصلاحي، رأى أن الكتابة مسؤولية، وأن حمل القلم أمانة، فاتجه نحو الإصلاح.. وأشار الكاتب حول ما أثاره - سلمان رشدي -، في كتابه (آيات شيطانية).. ولقد رأيت في زاوية الأخ المهندس عبد الله المعلمي في صحيفة المدينة حول هذا الموضوع ما يثلج صدور قوم مؤمنين، فأعطى الموضوع حقه من العتب على ما قامت به ملكة بريطانيا من تقليد ذلك الكاتب الدخيل السيئ، كما تابعت حديث السفير البريطاني في مصر وهو يتحدث العربية إلى إحدى قنوات مصر عبر تحاور معه، ولم يقل أكثر من تقدير لكاتب، وحينما ناقشته المذيعة اللبقة عن قول السفير في حرية التعبير، وقالت مقدمة البرنامج إن حرية التعبير تخرج عن طورها إذا مست الأديان السماوية والرسل، والمساس بها يعاقب من يمارسها، وأقر السفير هذا المبدأ، لكن حسب التعابير الدبلوماسية السائدة، ذكر أن تقدير ملكة بريطانيا لكاتب يحمل الجنسية البريطانية ليس مرد ذلك هجومه للإسلام كما فهمت من لغته العربية الركيكة.. ونحن نجرم كل منحرف ينشر الغسيل القذر لاسيما في بلد مسلم يقول ما يسيء إلى الدين الإسلامي، ووزير الثقافة في ذلك البلد لا يأبه لهذه الإساءة، ذلك أنه شجع نشر روايات تسيء للإسلام ولا يرى لذلك بأساً، مثل كتاب (وليمة لأعشاب البحر).. فإذا كان الخطر نراه من شيعتنا، فهو أقل حين يأتي من أعداء الإسلام في كل مكان، فالكفر كما قيل ملة واحدة، والصليبية قائمة إلى يوم قيام الساعة، نرجو الله أن ينصرنا على أعدائنا حتى لا نذل.

.......يتبع - جدة لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5013» ثم أرسلها إلى الكود 82244


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة