Culture Magazine Monday  26/11/2007 G Issue 224
فضاءات
الأثنين 16 ,ذو القعدة 1428   العدد  224
 

الطريق إلى إسرائيل «2»
سهام القحطاني

 

 

إن الحكم والتحكُّم بالعالم من قبل اليهود ليس حلما يتخبط ضمن عشوائيات بل هو غاية، ومن أجل وقْعَنَة تلك الغاية أُعدّ من أجل ذلك برنامج البروتوكولات.

تكمن أهمية تحليل خطاب البروتوكولات بأمور عدة، منها ما يتعلّق بخصائص الخطاب، ومنها ما يتعلق بخلفياته، ويرى بعض الباحثين أن البرتوكولات تُعدّ من مرتكزات الخطاب اليهودي، وهذا يعني أننا نحلل خطاب داخل خطاب، وقد يرى الآخر أنها صياغات خاصة للخطاب الأصولي العام تحمل مسئولية نقل رسالة ذلك الخطاب الأصولي، وتلك المسئولية تعطيه صفة الإنابة عن الخطاب العام بما فيها التمتع بامتيازات وخصائص الخطاب وخلفياته وارتباطاته.

فالبروتوكولات تُعين على تقديم فهم للفكر اليهودي ليس لأنها تكشف المنهج والبرنامج الإمبرياليين لليهود، بل لأنها أيضا وهو المهم تمثل فكر ووعي وهوية اليهود، ولأنها تعبر عن رؤيتهم نحو الآخر.

إن الوقوع في عدم تصديق الخبر ناتج عن إخفائه، وهي مسألة لا تتعلق بالمنطق بقدر ما تتعلّق بالعرف السائد لمواجهة الحقيقة، كونها مادية النشأة، أي أن الحضور دليل على الموجود، وبذا فمواجهة دليل الحضور مفقود في هذه الحالة من تحليل خطاب البرتوكولات لسطوع الإخفاء، لكن (غياب الدليل ليس دليلا على الغياب) على رأي- السيد دونالد رامسفيلد- وهو ما يعني أن محاكمة الخطاب لا تشترط هاهنا الفعل الصريح، أي يصبح التعامل مع الدليل غير ممكن، لأن البحث لا يجري على قانون أو تفاق أو معاهدة، بل على بنى فكرية بما تتضمن من مرجعيات وهي القابلة لخاصية الإخفاء لتعدد أشكال العرض وصيغ التعبير وطرائق التلقي وطبائع المتلقي، (فالدساتير المتقنة للحكومات الخفية ليست نتاج معاهدات واتفاقيات سرية، ولكنها تراكمات فكر وخبرة قرون) - اليهودي العالمي هنرى فورد ج1-.

وهو أمر يعني شيئين؛ أولهما أن البروتوكولات ليست خطابا سياسيا مرتبطا بظرفيات مختلفة، بل هي تاريخ فكري يحمل خلفية الهوية اليهودية بمرجعياته المختلفة، أي أن الآنية هنا ليست مرآة استطلاع لتطور الخطاب، وثانيهما إننا في هذ الحالة نلجأ إلى إحلال النتائج محل الدلائل، ولا أنكر أن هذا الأمر يصِّعب عملية تحليل الخطاب ومحاكمته؛ لأنه سيدفعك إلى اكتشاف الخطاب عبر تفكيك خلفيات أفكاره لا متونها، وهي مغامرة لا تسلم من الوقوع في أخطاء صياغة التأويل.

أعود إلى فكرة الإخفاء؛ كونها أهم خلفيات خطاب البروتوكولات، فهي الخلفية الأكثر إثارة للغموض والإيهام والتشكيك والحجة الكبرى لإثبات النفي والإنكار، لكن نوع الأثر يكشف خفية أصول البرنامج الإمبريالي لخطاب البرتوكولات وحينها من الممكن (أن نجد في العالم الخارجي الأدلة التي إذا تعقبناها إلى مصادرها، تكشف عن وجود هذا البرنامج، والذي يكشف عن وعوده للعالم سواء كانت جيدة أم سيئة) - السابق 74-.

كما أن فكرة الإخفاء هي أمر مقصود من قِبل صانع خطاب البرتوكولات، ولها ارتباطاتها المتعددة اجتماعيا وسياسيا وأمنيا، فهي ترتبط أولا بفكرة الجيتو التي تربى من خلالها الوعي والهوية اليهوديتين وأثرها على طبيعة السلوك اليهودي المتوجس من الآخر، وعلى تصوّره للآخر وإحساسه بالفوقية دون غيره، الإحساس الذي تحركه أسطورة (الشعب المختار) الذي لا يسيطر فقط على خطاب البرتوكولات بل الخطاب الأصولي لليهود بصورة عامة (وقد قال لنا الأنبياء إن الله قد اختارنا له لكي نحكم العالم، ومنحنا عبقرية لتمكيننا من تحقيق ذلك) - البرتوكول الخامس-.

لكن الجدير بالملاحظة أن اعتقاد اليهود بالفوقية لا تورطهم في أزمة مع الآخر، أو على الأقل يحرصون على ألا يشعر الآخر بجذور تلك الأزمة، وهذا هو الفرق بين الخطاب الأصولي عند اليهود والخطاب الأصولي عند المسلمين فيما يتعلق بمسألة الآخر، وهو فرق منشأه العنصر الديني والعنصر الأخلاقي، العنصران اللذان يُقوّم الآخر في ضوئه في الخطاب الأصولي عند المسلمين، ويسوّغان علاقة الإقصاء الذي يمارسه الخطاب الأصولي الإسلامي، ومسألة التطبيع مع الآخر.

في حين يتحول الآخر إلى وسيلة لتحقيق المنفعة عند اليهود، هذه الحوسلة كمب غير اليهودية تعبر عن أزمة اليهود مع الآخر ولكنها أزمة لا يدفعونها لإنتاج صراع، لحاجة اليهود إلى الآخر، لقلة عددهم وهروبهم من مواجهة الأخطار، ويقدم البرتوكول الخامس عشر بنية رؤية هذا الخطاب للآخر من حيث الوظيفة التي يقدمها هذا الآخر كمنّفذ لبرنامجهم الإمبريالي والارتباط بالاحتياج المتبادل بين الطرفين، وهو ما يعين على إتمام الإخفاء أكثر من تمثيل التوازن بينهما (وستكون حاجتنا إليهم أكيدة، إذ إنهم لا يتخذون المبادرة لمكافحة الاضطرابات فقط بل إنهم يعملون لستر أعمالنا والتحريض على عدم الرضا وغير ذلك)، ولعل صفة الستر التي تتم عبر ذلك الآخر ضمان وحماية لِما وراء الستار، لكن تلك الحاجة/ الستر لا تعني إعطاء قيمة وتقدير للستار، كما لا تلغي رؤيتهم نحوه بأنه (ذرية البهائم) و(إن أدمغة الكوييم البهيمية المحضة غير قادرة على تحليل الأمور وملاحظتها، لا بل غير قادرة على رؤية ما سيؤدي إليه تطوير مبدأ معين) ولذلك تأتي المقارنة بين عقلية اليهود وعقلية الشعوب غير اليهودية مقارنة لتدعيم عقيدة الفوقية التي تميزهم وتمنحهم استحقاق الحكم والتحكم بالعالم وبفضل هذا الاختلاف بين الطرفين كناتج للمقارنة في رؤيتهما نحو الأمور الذي تقرره البرتوكولات لتأكيد عنصر الفوقية (يظهر بوضوح طابع عقلية المختار من الله بمقارنتها بعقلية الكوييم الفطرية البهيمية، إنهم يبصرون ولكنهم لا يدركون العواقب، وهم ليسوا بقادرين على أن يبتدعوا غير الأشياء المادية، فمن البدهي - إذن- أن تكون الطبيعة قد أوجدتنا لكي نكون حكاما وقادة للعالم) وهكذا تتفرّع الفوقية لتشمل الاستحقاق الطبيعي للتحكم وحكم العالم، ونظرا لنوع العقلية التي يفكر بها الكوييم غير القادرة على إدراك ما خلف الستار الذي يمثلونه، فلا خطر منهم على المخططات السرية لليهود، فهم كما تذهب البروتوكولات (لا يسببون لنا أية صعوبة بل على الضد يساعدوننا في تنفيذ مخططنا.. فإذا حيكت مؤامرة فلابد من أن يكون على رأسها أخلص خدامنا).

وعندما تنتهي المهمة يحين وقت الموت والتخلص من الخدام المخلصين (إننا نقتل الماسونيين بطريقة لا يشتبه بنا أحد حتى ولا الضحايا أنفسهم)، ومع معرفة هذه الحقيقة ما يزال الأفراد من الشعوب غير اليهودية يتكدسون على أعتاب المنظمات الدولية التي تحركها من الباطن عقلية وسياسة يهوديتين؛ لأنهم يدركون خفايا النفس الإنسانية ومحركات انتقالها وبالتالي إتقان القدرة على توزيع الأدوار والتأثير عليها ومن خلالها، بمساعدة نفسية أولئك الأفراد وطريقة تفكيرهم نحو الأمور وهي مساعدة تمكن اليهود من استغلال و استثمار نقاط الضعف تلك.

(أما الكوييم فإنهم لا يفهمون شيئا ولا يدركون النتائج القريبة، ..ولا يدركون حتى أن مشاريعهم ذاتها ليست من صنعهم بل هي من وحينا..أنكم لا تقدرون مدى السهولة التي يمكن أن يقاد بها أذكى الكوييم إلى السذاجة المطلقة.. فإن الكوييم مستعدون أن يضحوا بكل مشاريعهم في سبيل الحصول على النجاح، إن هذه النفسية تسهل لنا قيادتهم) - البرتوكول السابع-.

كما أن الكثير من أنانية وحب السلطة والسيطرة والهوس بالنجاح الذي يسيطر أيضا من المساعدات التي أسهمت في استعمار نفسية وفكر أفراد الشعوب غير اليهودية وتدفعهم إلى الانتساب لمنظماتها الدولية (ينتسب الكوييم إلى المحافل الماسونية بدافع الفضول أو على أمل الحصول على حصتهم من الثروة العامة، وآخرون ينتسبون إلى المحافل لكي يحققوا ما لا يمكن تحقيقه من آمال فهم يطمحون بعد كل نشوة نجاح خطابي..ونحن نخلق نجاحهم لكي نستغل غرورهم الذي يتكون أحيانا من هذا النجاح... إلى هذا الحد يخلص في عبوديته لكي نهيئ له نجاحات جديدة) - البرتوكول الخامس عشر-.

فالقدرة على معرفة الإنسان تمنحك السيطرة عليه، فكرة بسيطة لكنها مهلكة.

- جدة seham_h_a@hotmail.com لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة «5703» ثم أرسلها إلى الكود 82244


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة