Culture Magazine Monday  26/11/2007 G Issue 224
فضاءات
الأثنين 16 ,ذو القعدة 1428   العدد  224
 

صدى الإبداع
الرواية وتحولات المجتمع في المملكة (6)
...... د. سلطان سعد القحطاني

 

 

الرواية جنس أدبي راق يحتاج إلى ثقافة عالية ووعي مدرك لما يدور من أحداث في المجتمع، قد يعالجها المقال والبحث، لكن الرواية تعالجها من منظور فني لا يستطيع أن يصوغه إلا الروائي الموهوب بفنية يتعامل بها مع الأحداث، من منظور خلفي للحدث، وليس من منظور مباشر، وقد يظن البعض أن هذه الصياغات من السهولة واليسر بمكان، وهذا ما جعل البعض من النقاد يشيد ببعض الأعمال التي صدرت قديماً وحديثا على أنها أعمال روائية، وفي الواقع أنها أعمال سطحية مباشرة، لا تتعدى موضوع القصة والحكاية الساذجة، مما يدور في المجالس، ليس فيها صياغة الحدث الفنية؛ والفن الروائي وازدهاره مرتبط بالحركة الاجتماعية، فالصلة بين التحولات(الاجتماعية والثقافية وظهور الأنواع الأدبية)، مرتبط أشد الارتباط بتحولات المجتمع(الاقتصادية، والصناعية، والإعلامية)، وبما أن هذه العناصر تدور في صالح الرواية مثل، النشر والتوزيع، واستهلاك الرواية، كسلعة ثقافية، إلا أن لها سلبيات كثيرة، منها: دخول العديد من الكتاب غير المؤهلين في ميدان الرواية، ومنها طَرْق هذه المؤثرات على سبيل التحقيق الصحافي...،فالمجلات التي اهتمت بالقصة- بشكل عام- كانت تهدف من وراء ذلك إلى نشر الوعي بين المواطنين عن طريق القصة، لأن القائمين عليها رأوا فيها السبيل الأسهل لتطوير قدرات المجتمع وفتح أذهان المتلقين عن طريقها(28)، واهتم كتاب الرواية في السعودية - كغيرها من البلاد العربية- بالتعليم، وخاصة تعليم المرأة، لأن المجتمع تحول إلى التعلُّم، للرجال، وبقيت قضية المرأة معلقة، وعليها الكثير من التحفظات، وكانت بعض الفتيات يتعلمن سراً من مناهج أخوتهن، أو بمدرس أو مدرسة خاصة(29)، كما كانت تفعل (بنت الشاطئ)، عائشة عبد الرحمن،ولم يكن فن الرواية قد أخذ مصطلحه العالمي الغربي أساساً، بل كان يؤخذ من الفعل(روى- يروي- فهو راو)، أي نقل ينقل فهو ناقل(30)،وهو الصوت العالم بأحوال أبطاله وتفاصيلها؛كانت هذه هي المرحلة الأولى من رحلة الرواية في السعودية، محاربة المجتمع للجهل ومحاربة التقاليد البالية الموروثة من عهود التخلف، والتمسك بالقيم العربية المسلمة الأصيلة.

ولم تختلف المرحلة الثانية عن الأولى، إلا بظهور الرواية الفنية، فعندما كان الروائي ينقد الوضع المتخلف -علمياً- تدخَّل الروائي في نقد السائد من الحالات الصحية والاجتماعية والتعليمية والاقتصادية، وقد شعر بواجباته الاجتماعية وما يحيط به في البلاد العربية المتقدمة، مصر وبلاد الشام، وشارك الروائي التنويريين من كتاب المقالة والنقاد في هذه المرحلة(31)، برواية فنية، وبقيت قضية المرأة معلقة بين الشك في تعليمها الذي سيجلب لها المفاسد، وبين تعليمها الذي سيحصنها من هذه المفاسد، وتم تعليمها بالطريقة التي رسمت لها؛ وفي هذه المرحلة شعر بعض الكتاب بالحرج في الكتابة في هذه المواضيع، ومن ثم كتبوا اعتذاراتهم عن فنية ما يقدمون، لكنها أفكار - على أي حال- صيغت في قوالب روائية(32)، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الخوف الشديد من خوض هذه التجربة الصعبة، وقد أدرك هؤلاء الكتاب خطورتها،والحاجة إليها في آن واحد؛وهذه المقدمات تكشف عن الحاجة إلى وجود فن روائي، وأن هذه الروايات التي كتبت لها هذه المقدمات مجرد محاولات أو إرهاصات أولية لم تغتن بعد بأبعاد جوهرية يتطلبها الإبداع(33)،وهذه بالفعل إرهاصات الفن الروائي في المرحلة التالية.

كانت متغيرات الطفرة في أواخر الثمانينيات والتسعينيات، والانفتاح الذي أحدثته هذه الطفرة سبباً في ظهور العديد من الكتابات الروائية، التي لم تكن انعكاساً مباشراً، ولن تكون كذلك، فالفن يحتاج إلى وقت ليبلور التحول، الذي يحدث في المجتمع بسرعة، ولذلك لم تظهر نتائج هذه الطفرة إلا في أواخر التسعينيات، وأوائل الألفية الثالثة، حيث ظهرت المصارحات العلنية في سرد شبه سيري، من كتاب لم يكن لهم باع في الرواية، وإن كانوا مبدعين في مجالات أخرى، شعراء وصحفيون وسياسيون، أرادوا أن يعبروا عن مشاكلهم الخاصة من خلال قصص روائية بالمعنى العربي الذي تحدثت عنه قبل قليل، وما زال الكثير يواصل هذه المكاشفات إلى الآن.

ولم توفق الرواية السعودية بنقد يواكب هذا الكم،فالنقد من خلال الكتابات العاطفية شجع الكثير من الشباب على إنتاج ضعيف لا يتعدى الخواطر والأحاديث اليومية الساذجة، وليس الكشف عن المستور، أو المسكوت عنه غاية الرواية الحديثة.

أما اللغة فتعاني منها الكثير من روايات المرحلة الرابعة أكثر من أي وقت مضى، ولا أعني باللغة ما تعارف عليه اللغويون، من نحو وصرف وإملاء....، لكني أعني اللغة الحديثة في تراكيبها وترابطها، ويبدو أن تلك الروايات قد صححت نحواً وصرفاً وإملاءً، لكن لا يستطيع المصحح أن يصحح النص المكتوب، ولا يعني هذا كل إنتاج المرحلة، فهناك من استطاع أن ينتج نصاً روائياً غاية في الروعة، واستطاع أن يوظف الأسطورة توظيفاً جيداً، واستطاع أن يتعامل مع اللغة الروائية والواقع الروائي على أعلى مستوى؛ ولكن مشكلة أخرى لم ينتبه إليها النقاد والدارسون تعاني منها الرواية التي ظهرت بكميات هائلة تدور حولها الكثير من الشكوك، وحول كتابها، تلك مشكلة القصة القصيرة التي انصرف كتابها إلى الرواية في السنوات الأخيرة بعد زمان قضوه في كتابة القصة القصيرة، ودخلوا إلى الرواية بنفس نفَس القصة القصيرة،فضاع النص بين هذين الفنين المختلفين، ولم يواكبوا المتغيرات بلغة روائية جيدة، وأحداث تستحق أن تسمى الرواية من خلالها رواية، ولنعلم أن الفن الأدبي، هو الفن الذي يمكن أن يحيي نفسه أو يقضي عليها، مهما تعالت الأصوات، مدحاً أو قدحاً، وهذه حالة طبيعية، فلولا السلبي لم نجد الإيجابي.

- الرياض لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5703» ثم أرسلها إلى الكود 82244


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة